النيابة المصرية تحمّل شادي حبش ضمنياً مسؤولية وفاته

06 مايو 2020
توفي حبش في سجن طرة (فرانس برس)
+ الخط -
أصدر النائب العام المصري بياناً عن واقعة وفاة الفنان الشاب شادي حبش، الذي توفي في سجن طرة أول الشهر الجاري في ظروف غامضة، وهو محبوس احتياطياً على ذمة قضية إهانة وسب رئيس الجمهورية لاشتراكه في إنتاج أغنية "بلحة" للمغني رامي عصام، وحمّل البيان ضمنياً مسؤولية الوفاة لشادي حبش نفسه، وحرص على إخلاء ساحة إدارة السجن.

وقال البيان إن النائب العام أمر بندب طبيب شرعي لتشريح جثمان حبش لبيان السبب المباشر الذي أدى إلى وفاته، وإذا ما كان بجثمانه أية إصابات وسبب وكيفية وتاريخ حدوثها إن وجدت، وأخذ عينة حشوية منه لبيان مدى احتوائها على أية مواد مخدرة أو مسكرة أو سامة أو كحولية من عدمه، وفي حالة وجودها بيان مدى تسببها في وفاته، ومدى جواز حدوث الواقعة وفق التصوير الذي أسفرت عنه التحقيقات حتى تاريخه، وكذلك بيان مدى صحة الإجراءات الطبية التي اتخذها الطبيبان اللذان وقّعا الكشف عليه.

وذكر البيان أن "المتوفى شرب كحولا مخصصا للتعقيم أكثر من مرة، منها مرة قال طبيب السجن المناوب إن المتوفى المحبوس أخبره بأنها كانت بالخطأ ظهر اليوم السابق على الوفاة".

وقال البيان: "بسؤال الطبيب قرر بإخطاره فجر هذا اليوم بإعياء المتوفى، وبتوقيعه الكشف الطبي عليه تبين حُسن إدراكه وطبيعية معدلات علاماته الحيوية، بينما أعلمه الأخير بشربه خطأً كمية من الكحول ظهيرة اليوم السابق على وفاته، مُدعياً إليه بعدم علمه قدرها واشتباهه في كون الزجاجة التي كانت معبأة فيها زجاجة مياه، وشعوره لذلك بآلام بالبطن، فأعطاه مطهراً معوياً ومضاداً للتقلصات وأعاده لمحبسه لاستقرار حالته، وطالع ملفه الطبي فتأكد من عدم سابقة إصابته بأي أمراض مزمنة".

وفي صباح ذات اليوم أُبلِغ مرة أخرى باستمرار إعياء حبش وإصابته بقيء، فكشف عليه وتأكد من طبيعية معدلات علاماته الحيوية، ثم حقنه بمضاد للقيء وأعاده لمحبسه وتواصل مع طبيب منوب آخر يعاونه أكد له صحة ما اتخذه من إجراءات لعلاج المتهم، ولإبلاغه ظهيرة ذلك اليوم باستمرار شكوى المتوفى خاصة من آلام بالبطن، حَقنَه بمضاد للتقلصات عقب كشفه عليه وتأكده من سلامة معدلات علاماته الحيوية، وفي المساء ولاستمرار إعيائه أخبر الطبيب المعاون بأمره ليستكمل علاجه، والذي بسؤاله قرر بطلبه - فور إخطاره - نقل المتوفى إلى عيادة السجن حتى وصوله لتوقيع الكشف عليه، وعلمه من الطبيب الآخر بادِّعاء المتوفى شربه كمية من الكحول، وأنه تبين من توقيع الكشف عليه اضطراب درجة وعيه وضعف نبضه وضغطه، فأجرى إسعافات أوليه له، وشرع في اتخاذ إجراءات ترحيله الفوري لمستشفى خارجي، وتجهيز سيارة إسعاف لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه، إلا أنه لم يستجب وتوفي إلى رحمة الله.

ونقلت النيابة على لسان أحد زملاء المتوفى في غرفة حبسه أنه عرف منه قيامه بإضافة الكحول إلى المياه الغازية "لإحداث أثر مشابه لأثر الخمر" وأنه ارتشف من المشروب رشفة، وعانى بعدها هو والمتوفى من مشاكل معوية، فنصحه زملاؤه بالإفصاح عن ذلك لسلطة السجن، فأبلغ عن الواقعة وتلقى العلاج اللازم.


وذكر السجين الشاهد الذي لم تسمه النيابة العامة أن تلك كانت المرة الثانية التي يشاهد فيها المتوفى يشرب زجاجة مياه غازية مخلوطة بالكحول، وأنه علم من رفاقه بالمحبس أنه شرب نحو زجاجتين من تلك المادة سعة الواحدة نحو مائة ملليلتر تقريباً.

ونقلت النيابة على لسان زميلين آخرين للمتوفى أنه ليلة الوفاة دخل في نوبة من الضحك الهستيري بادياً على غير طبيعته، ولما استعلم منه عن سبب ذلك أعلمه بشربه خطأً رشفة من الكحول المسموح به لتطهير أيدي المحبوسين احترازاً من فيروس كورونا.

وأن المتوفى أصيب بقيء وصداع شديديْن وألم في عينه، فحاول بعض المحبوسين إطعامه ولكنه تقيأ مرة أخرى، فأعطاه بعضهم عقاراً مضاداً للقيء كان بحوزتهم، ولكن حالته لم تستقر بتناوله واستمرت مظاهر الإعياء عليه شاكياً من عدم قدرته على الإبصار بوضوح.



وذكر الشاهد الذي لم تسمه النيابة أيضا أن المحبوسين رفقتهما بادروا إلى التأكد من مدى نقصان الكحول بحوزتهم، فتأكدوا من سلامته بينما عثروا بسلة المهملات على عبوتين من الكحول فارغتين سعة الواحدة نحو مائة ملليلتر تقريباً من نوعية مغايرة لم يستخدمها سوى المتهم وحده، حيث وجدوا في متاعه عبوة من ذات النوع.

وأوضحت النيابة أنه في صباح يوم الوفاة، استغاث المحبوسون بأفراد الحراسة لإسعاف شادي حبش وتوقيع الكشف الطبي عليه، فنُقل فجراً إلى عيادة السجن، ومكث فيها قرابة عشرين دقيقة ليعود مخبراً إياهم بتوقيع الكشف الطبي عليه وحقنه بعقار مضاد للقيء، ثُم سقط حال تحدثهم إليه وأبيضت عيناه وأصابه القيء مرة أخرى، فحاولوا إطعامه ولكنَّه استمر في التقيؤ وأصيب بهذيان، فاستغاثوا له مرة أخرى مع مطلع النهار، فنقل لعيادة السجن في غضون العاشرة صباحاً ومكث بها قرابة ساعتين ثم عاد إلى محبسه، حيث علموا منه بطلبه من الحراسة العودة إلى محبسه لحين حضور الطبيب الذي لم يكن وصل للسجن بعد، وآنذاك شكى المتوفى إليهم مِن عدم تمكنه من الإبصار بوضوح وخشيته من العمى، فظلوا يستغثيون له حتى نُقل في الثانية ظهراً لتوقيع الكشف الطبي عليه.

ولما استيقظ الشاهد أبصر المتوفى نائماً وعلم من رفقائه بتناوله محلولاً لعلاجه وأن الأطباء أخبروهم باحتمالية استمرار تَقَيُّئِه ثم استقرار حالته من بعد ذلك، وفي مغرب ذلك اليوم استيقظ المتوفى متألماً بشدة جاحظ العينين فاقداً للوعي مصاباً بحالة من الهذيان، فاستغاثوا لإسعافه، ونُقل لذلك إلى عيادة السجن ثم علموا لاحقاً بوفاته.

وبحسب النيابة فإن الشهود أجمعوا على استقرار حالة المتهم الصحية – البدنية والنفسية - قبل وفاته، وعدم شكواه سلفاً من أية أمراض مزمنة، وعدم التعدي عليه من قبل، ونفوا احتمالية إقدامه على الانتحار.

كانت تسع منظمات حقوقية مصرية قد طالبت بالتحقيق في حالة شادي داخل سجن طرة، محملة النيابة العامة المصرية مسؤولية التقاعس عن الإفراج عن المحبوسين احتياطياً. وجددت المنظمات مطلبها بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون المصرية، والوقوف على أوضاعها المتردية.

وقالت المنظمات في بيان مشترك: "تُشكل وفاة المخرج الشاب في محبسه بالقاهرة دليل إدانة إضافياً على مدى استهتار المسؤولين عن إنفاذ القانون في مصر بحياة المواطنين، وتفشي نزعات الانتقام من جميع منتقدي النظام الحالي من مختلف الفئات والأعمار، وتقدم برهاناً جديداً على مدى تردي أوضاع السجون المصرية، ونقص الرعاية الصحية فيها، لا سيما في ظل ما ورد من شهادات تفيد باستمرار استغاثات السجناء لنجدة زميلهم ساعات طويلة من دون جدوى".

وعانى حبش كغيره من المحبوسين احتياطياً من الآلية الروتينية لتوليد الأمل الكاذب، وخنق الحلم، مرة كل 45 يوماً على مدار عامين وشهرين، حيث كان يُعرض بصفةٍ دورية على محكمة الجنايات للبت في استمرار حبسه، وبصورة اعتيادية، لم تكن تصل إلى المحكمة أي تقارير أمنية بخروجه من محبسه، ليصدر قرار القاضي كل 45 يوماً بالتجديد، من دون تمحيص للأوراق أو استماع لهيئة الدفاع.

وتعاظمت خطورة الحبس الاحتياطي مفتوح المدة في مصر، وأثره الداهم على حرية الأفراد، في ظل إفراط النظام في اتباعه عقب انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، ليتحول من إجراءٍ تحفظي، وتدبير مؤقت يهدف في الأساس إلى منع التأثير بمجريات القضية، أو هروب المتهم، إلى عقوبة بحد ذاته.

يذكر أن حبش وجه رسالة قبل وفاته ببضعة أسابيع إلى زملائه خارج السجن يطالب فيها بتكثيف الجهود للعمل على إخراجه للنور، خاصة وأنه كان قد أكمل الحد الأقصى لفترة الحبس الاحتياطي وهي عامان في الأول من مارس/آذار المقبل ولم تخل السلطات سبيله منذ ذلك الوقت حتى توفي.