النوبة تحتمي بالثأر لمواجهة ضعف الدولة

07 ابريل 2014
الطبيعة الهادئة للنوبة لم تكن تعرف ثقافة الثأر
+ الخط -

نساء اتشحن بالسواد بدلاً من جلاليبهن ذات الألوان الزاهية، ورجال فضلوا النوم حاملين الأسلحة بدلاً من احتضان أطفالهم، هذا هو المشهد الذى يعيشه الآن سكان قرية "دابود" النوبية في منطقة السيل الريفى التابعة الى محافظة أسوان جنوب مصر، بعد وقوع اشتباكات بينهم وبين أبناء بني هلال على مدار الأيام الماضية، أسفرت عن سقوط 28 قتيلاً وعشرات المصابين.

تعود الواقعة إلى حالة الاحتقان التى عاشها الطرفان منذ بداية التهجير، عندما جاءت قبائل بني هلال من محافظة قنا لتسكن أرض "خور عواضة" التى كانت من قبل مقتصرة على مقابر ابن قرية دابود فقط. وظل منحنى التوتر يرتفع بين الطرفين فى ظل تباين الثقافات والعادات والتقاليد.

بدأت الواقعة الأخيرة حين تبادل أطفال الفريقين ألفاظاً نابية وكلمات مسيئة، وانتهت بسقوط عشرات القتلى والمصابين، فسرها عدد من خبراء النفس والاجتماع على أنها نتيجة طبيعية لتغير الشخصية النوبية التى عاشت سنوات طويلة على حلم العودة إلى قرى النوبة التي غمرها السد العالي، رافضة التداخل مع أي ثقافات أخرى محتفظة بهويتها وجذورها التاريخية.
" نحن محاصرون بمعنى الكلمة .. ونطالب وزير الدفاع بأن يكون معنا فى قلب الحدث، خاصة، وأن الأمن يكتفي بمراقبة المشهد من بعيد، ويرفض التدخل، فكانت النتيجة هي سقوط مزيد من القتلى وغرق المكان فى بركة من الدماء ". هذه هي الكلمات التى جاءت على لسان مصطفى الدابودي، أحد أبناء القرية، والذى حاول إيصال صيحات الاستغاثة لعلها تفيد ويتم التدخل لإنقاذ وتهدئة الوضع المشتعل، لاسيما وأن التدخل الأمنى جاء متأخراً بعد وقوع قتلى ومصابين فى الأيام الأولى من الاشتباك.
مصطفى الشوربجى، أحد الناشطين النوبيين يحلل الوضع الاستثنائي: النوبيون لا يستسيغون العنف أو الدم أو القتل، ولكن يبدو أن مصر تصر على إخراج أسوأ ما فينا، ولن تستقيم البلد بذلك، كل جهود أهلي الآن تصب نحو الثأر بعد أن كنا نتهم دائماً بالتقوقع وغلق النوافذ وعدم الانفتاح على الآخر.
يبدي، الشوربجي، استغرابه من مؤسسات الدولة: من المفترض أن  تقوم على الدساتير والقوانين، التى تقدس الحريات وتحفظ الحقوق وتحمي الأرواح والممتلكات ولكن فى (اللادولة)، كما نحيا الآن لا سبيل لنا سوى التقوقع وغلق النوافذ وعدم الانفتاح على الآخر، أو الثأر طلباً لحق لم تردّه لنا الدولة.
الرأى نفسه حمله ائتلاف "عائدون" الذى ساند الأديب، حجاج أدول، ممثل لجنة الخمسين في وضع الدستور الجديد، حمل الائتلاف في بيانه الصادر تعليقاً على الأحداث، قوات الأمن المصرية مسؤولة ما حدث، واتهمها بالتراخي والتخاذل. وتابع البيان "في ظل هذا الوضع بالغ السوء الذي تشهده أسوان، والذي أسهم فيه تعامل الدولة مع المحافظة الحدودية على أنها ملف أمني وحسب، متناسية تعقيد التركيبة الديموغرافية للمحافظة، إلى جانب سيولة الأوضاع بشكل عام وفي المناطق الحدودية، أدى ذلك إلى دخول كميات كبيرة من السلاح، وتغول بعض العائلات أو الأفراد، خاصة في ظل تقاعس الدولة عن القيام بدورها في نشر السلم والأمن في المجتمع.


وأضاف البيان: أن ما حدث في أسوان، خلال اليومين الأخيرين، هو تجلٍ لفشل الحكومة وأجهزتها التنفيذية في أسوان في القيام بالأدوار المنوطة بها، وفشلها في القيام بإجراءات احترازية تفادياً لأنهار الدم التي سالت وما زالت. علينا إدراك، أن تراكمات فشل الدولة وتواطئها في التعامل مع النزاعات القبلية، في أسوان، بلغت مداها في تصريح، حسن السوهاجي، مدير الأمن حين قال: إن الأمن لا يتدخل في النزاعات القبلية، ما أسهم بشكل مباشر في تأجيج العنف وترسيخ مبدأ الإفلات من العقاب، ورفع شعار "البقاء للأقوى".

تغير العادات، هي إحدى العادات السيئة للتهجير، هكذا يرى الدكتور، مصطفى عبد القادر، الخبير فى التراث النوبي واصفاً ما حدث بالنتيجة الطبيعية لخروج النوبيين من أرضهم، ونقلهم الى أراضي أخرى تختلف عن عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الأساسية واستبدالها بثقافة أخرى.

من جهته يرى الأديب، حجاج أدول ، ممثل النوبيين فى لجنة الخمسين لوضع الدستور، أنه لا يمكن قراءة الحاضر بنظرة مجردة من دون الرجوع إلى الماضي، حيث يرى أن ما حدث سبق التحذير منه منذ بداية تهجير النوبيين خارج أراضيهم قائلاً: الآن تحاسبنا الدولة على حمل السلاح والثأر لأنفسنا، بعدما واجهنا الطرف الآخر بالعنف، فى الوقت الذى كنا نتحدث فيه بالمنطق والعقل.
 ويضيف، أدول، أن ما حدث عكس حالة التراخي الأمني، الذى تعاني منه قرى النوبة، خاصة وأن الأحداث اشتعلت نتيجة مقتل أربعة من أهالي النوبة، وانتظروا تدخل قوات الأمن لمحاسبة الجناة، ولكن مرت 24 ساعة من دون تدخل أمني، وعليه فضلوا الثأر لأنفسهم بأيديهم وكانت النتيجة ما حدث. 
وتعتبر أحداث القتل الأخيرة في النوبة، هي الواقعة الأولى من نوعها، حيث لم يألف النوبيون حمل السلاح على مدار عقود كاملة، عاشها أهالي الأرض الطيبة كما يصفهم كثيرون، ما يدفع الى التساؤل "ماذا تغير في نفوس النوبيين خصوصاً والمصريين بشكل عام"؟