لم يبق سوى بضعة أشهر وتدخل نكبة الأيزيديين العراقيين المختطفين على أيدي تنظيم "داعش" عامها الرابع. فبعد سيطرة عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي في أغسطس/ آب 2014، على مناطق سنجار وربيعة وزمار في نينوى، تم ارتكاب جرائم عديدة ضد هذه الأقلية، إذ قتل المئات من رجالها، وتم سبي الآلاف من النساء والأطفال، ليُفتتح بهم أول سوق "نخاسة" في الألفية الثالثة في مناطق في نينوى ومن ثم سورية، حيث عُرضت النساء للبيع من قبل التنظيم مقابل مبالغ مالية، وتم تقديم بعضهن كهدايا، يقوم "أمير أو والي داعش" بمنحها لآخرين لغرض المتعة. وفتح هذا الأمر الباب أمام أقسى تجربة يعيشها المكون الأيزيدي في العراق، إذ توفي عدد كبير من النساء، فيما أقدمت أخريات على الانتحار في دور العبودية التي وضعن فيها.
ونشرت المديرية العامة لشؤون الأيزيديين، التابعة لوزارة الأوقاف في إقليم كردستان العراق، إحصاء أخيراً لعدد الأيزيديين الذين سقطوا على يد "داعش"، مشيرة إلى أن عناصر التنظيم اختطفوا 6417 مواطناً، وتم تفجير 69 مزاراً، كما قُتل نحو 1293 شخصاً. وذكرت المديرية، في بيان رسمي، أن عدد الأيزيديين في العراق كان نحو 550 ألف نسمة، نزح منهم قرابة 360 ألف شخص، مشيرة إلى أنه تم التعرف على جثث 1293 مواطناً. ولا يبدو أن الحكومة العراقية جادة في التفكير بأمر المختطفين بعد مرور كل هذا الوقت. وشهدت جلسات البرلمان، خلال السنوات الثلاث الماضية، مناقشات كثيرة بشأن مصيرهم، من دون فتح أي تحقيق. وقال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، إسكندر وتوت، إن "البرلمان لم يقم بإعداد أي ملف للتحقيق بموضوع سبي آلاف الأيزيديات، ذلك لأن قضيتهم أمنية، وأوكلت إلى الجهات الاستخباراتية وجهاز الأمن الوطني"، مبيناً أن "رئيس الحكومة، حيدر العبادي، مسؤول ومتهم بعدم متابعة هذا الملف". وأضاف وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، مسؤول هو الآخر ومتهم، لأنه لم يدافع عن قضاء سنجار إبان اقتحامه من قبل داعش، ولا سيما أنه كان خاضعاً لسيطرة البشمركة الكردية".
وقالت مصادر أمنية من محافظة نينوى، لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر من تنظيم داعش ما تزال تجري مفاوضات، من داخل مدن حدودية بين تركيا وسورية وبين تركيا وإقليم كردستان العراق، مع أهالي الأيزيديات المختطفات، لإطلاق سراحهن مقابل آلاف الدولارات، يحاول أفراد التنظيم الحصول عليها لمساعدتهم بالفرار والعودة إلى بلدانهم الأصلية أو ترتيب أوضاعهم". وأوضحت أن "بعض العوائل الأيزيدية في إقليم كردستان ما تزال تتفاوض مع جماعات من داعش متواجدة في المناطق التركية القريبة من حدود الإقليم"، مبينة أن "الأسر الأيزيدية تمتنع عن مفاتحة القوات الأمنية الكردية وجعلها تتحرك بالتنسيق مع الجانب التركي، خوفاً من التهديد الذي أطلقته جماعة داعش في تركيا بأنها ستقتل المختطفات إذا تم شن عملية ضدها". يذكر أن مسؤولين أكراداً في مديرية سجون إقليم كردستان أكدوا، في وقت سابق، أن تنظيم "داعش" استطاع تجنيد نحو 500 طفل أيزيدي ضمن معسكراته، وجرى تحويل بعضهم إلى انتحاريين.
من جهته، استهجن ممثل الأيزيديين في البرلمان العراقي، حجي كندور الشيخ، "الإهمال الحكومي" لقضية اختطاف ستة آلاف إنسان، مبيناً أن الأمم المتحدة حاولت معالجة الأزمة وتحرير عدد من المختطفات من خلال دفع أموال لتنظيم "داعش". وقال الشيخ، لـ"العربي الجديد": "شهد الشهر الماضي تحرير طفلتين مختطفتين في إحدى المدن التركية، بالتعاون مع الجانب التركي، بعد مفاوضات مع داعش". وأضاف "لا تتوفر لدينا معلومات عن العدد المتبقي من المخطوفين، ولا نعرف إن كانوا أحياء أم أموات"، لافتاً إلى أن "عدد المقابر المكتشفة، والتي تضم رفات أبنائنا، وصلت إلى 63، ونعتقد بوجود مقابر أخرى".
في هذا الوقت، أكدت النائبة الأيزيدية الكردية، فيان دخيل، وجود مئات الأطفال الأيزيديين في مخيمات النازحين، حيث قامت عائلات بتبنيهم. وقالت دخيل، لـ"العربي الجديد": "مرت أربع سنوات من دون أن تتحرك الحكومة في بغداد، عبر شن عملية أمنية واسعة أو التنسيق مع دول الجوار لتحرير المختطفين، وحتى أن الموازنات المالية، التي أقرتها الحكومة في 2017 و2018، لم تتضمن أي مخصصات للناجيات من الموت والسبي لتعويضهن عما تعرضن له"، مشيرة إلى أن "العالم كله لم يستطع تحقيق حلم مختطفة بتحريرها من داعش، وهو لم يقدم سوى المساعدات". وبحسب دخيل، فقد "تم سبي نحو 6383 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وتم نقلهم إلى السجون والمعسكرات التدريبية ومنازل المقاتلين شرق سورية وغرب العراق، حيث تعرضوا للضرب والتعذيب والبيع"، مشيرة إلى أنه بحلول منتصف 2016 فر 2590 طفلًا وامرأة، بينما بقي 3173 في الأسر. ورأى الناشط الأيزيدي، خيري بوزاني، أن الحكومة العراقية "طائفية ومذهبية" لعدم اطلاعها على التقارير المقدمة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بخصوص قضية الأيزيديات المختطفات. وقال بوزاني، لـ"العربي الجديد"، إن "المختطفين، لكونهم من الأقليات، لا يجدون اهتماماً حكومياً وبرلمانياً"، مبيناً أن "نشطاء قاموا بزيارات عديدة إلى المسؤولين، كما التقوا العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، لكن لم يبدر منهما سوى الوعود التي سرعان ما تختفي". وفي الوقت الذي تطالب فيه الأوساط الشعبية الأيزيدية بالكشف عن مصير أكثر من ثلاثة آلاف طفل وامرأة، تنشغل القوائم الأيزيدية الانتخابية بأسماء مرشحيها إلى البرلمان، إذ يتسابق 49 مرشحاً أيزيدياً للحصول على مقعد "الكوتا" الوحيد.