النفط والفساد والمليشيات: عناوين هزمت الصحافيين العراقيين

04 ابريل 2017
الخطر رفيق دائم (الأناضول)
+ الخط -
"حفاظاً على مصدر رزقي الوحيد أطلب عدم ذكر اسمي الصريح، لأني سأطرد ولن أجد فرصة أفضل، بالرغم من أن أجري الشهري لا يساوي الجهد الذي أبذله وعدد ساعات العمل التي تصل أحياناً لأكثر من 16 ساعة في اليوم الواحد". ذلك ما قاله إعلامي عراقي يعمل في قناة فضائية محلية، وهو يتحدث لـ"العربي الجديد" عما وصفها بـ"ظروف قاسية" يمر بها العدد الأكبر من الصحافيين العراقيين، هو واحد منهم، فيما عزا وغيره من الصحافيين، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" السبب إلى الأزمة المالية، التي يمر بها بلدهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام. 

وقال الإعلامي إن "تخفيضات كبيرة أجريت على رواتب الإعلاميين، ليس فقط في القناة التي أعمل فيها بل أجور زملائي في باقي القنوات الفضائية" مبيناً أن "نسبة القطوعات في الرواتب بلغت 50 في المئة. هم يعللون إجراءاتهم هذه بالأزمة المالية". وأضاف: "بالنسبة لي لا أستطيع الاعتراض، فكل إدارة قناة تنتظر من العاملين فيها الاعتراض، لا سيما القدماء، لأنهم
يعملون بأجور أعلى بكثير من الأجور الحالية. للأسف نرضخ للأمر الواقع، فالعمل في مجال الإعلام الذي قضيت فيه حتى اليوم 16 عاماً ليس لي غيره مصدراً للمعيشة".

وبدأ العراق يمر بأزمة مالية صعبة منذ العام 2014، لأسباب عدة أبرزها انخفاض أسعار النفط التي يعتمد عليها في وارداته، ووجود الفساد المستشري بين مؤسساته ومتهمة فيه الحكومة، ما جعل البلد يحتل مرتبة متقدمة في الفساد بين دول العالم بحسب إحصائيات عالمية.


الأزمة المالية هذه أثّرت على المؤسسات الإعلامية والصحافية مثلما أثرت على غالبية القطاعات في البلد، لتتخذ تلك المؤسسات قرارات تقليص أعداد العاملين فيها وتقليص المرتبات، وتحميل الصحافي العامل فيها أكثر من طاقته، سعياً لتعويض النقص الذي نتج عن تقليص الكوادر، بحسب هشام الكبيسي الذي اضطر لإقفال الصحيفة التي أمضى ستة أشهر لتأسيسها، من دون أن يصدر منها عدداً واحداً.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يؤكد الكبيسي أنه على اطلاع واسع بما يجري في المؤسسات الإعلامية، لا سيما الصحف الورقية، التي يقول إنه أمضى فيها عشرة أعوام، لكنّه توقف حين
وصل إلى المرحلة الأخيرة من تحقيق حلمه في تأسيس صحيفة ورقية. وأضاف الكبيسي: "كان ذلك في عام 2014، جهزت فريق العمل ومقر الصحيفة وبقينا نعمل تجريبياً لأكثر من أسبوعين، لكن الشركة التي اتفقت معي على دفع نصف النفقات في مقابل نشر إعلاناتها انسحبت من الاتفاق، والسبب أن بعض أعمالها المهمة توقفت بسبب الأزمة المالية".


العراق الذي شهد بعد غزوه في 2003، ما أُطلق عليها من قبل الصحافيين بـ"الثورة الصحافية" نتيجة صدور العشرات من الصحف، فضلاً عن المجلات، بالإضافة إلى عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية، ما وفر فرص عمل لجميع الصحافيين والإعلاميين، وبأجور مرتفعة، شهد فتور الثورة تلك، بعد نحو عشرة أعوام، وبعدما فتحت الوسائل الإعلامية المجال واسعاً لمهن أخرى مرتبطة بها أن تكون أبواب رزق واسع لشريحة كبيرة من المواطنين، أغلقت هذه الأبواب.


أحمد السعدي، وهو صحافي ويعمل في إحدى دور النشر ويرتبط بعلاقات متينة مع رؤساء تحرير الصحف المحلية في العراق، ودور التوزيع، يشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "خير ما ينطبق من وصف على الصحافة العراقية بأنها راقدة في الإنعاش". وأوضح: "قبل أعوام كانت بعض الصحف الأهلية تنافس في كميات الطبع صحيفة الصباح الحكومية الرسمية المدعومة بشكل كبير من قبل الحكومة، لقد تسببت الصحف بازدهار المطابع، بل إن الصحف ولكثرتها وازدهارها جعلت مستثمرين ينشئون مطابع لأجل طبعها"، لافتاً الانتباه إلى أن "كل هذا كان في خلال الفترة ما بين 2004 و2014".

وأكد السعدي، أن الصحف الأهلية التي كانت تصل مبيعات بعضها إلى أكثر من 50 ألف نسخة باليوم الواحد، لم تعد اليوم تطبع أكثر من 3 آلاف نسخة، بل إن الصحف الخمس الكبار
في العراق لا تبيع أكثر من 15 ألف نسخة باليوم في الوقت الحالي".


في السياق يشير سكرتير تحرير صحيفة "المشرق"، علي الملا، إلى أن "الكثير من المؤسسات الصحافية والإعلامية قد ضربتها الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، وهو ما ظهر تأثيره سلباً على الأسرة الصحافية الكادحة".

الملا الذي لا ينفي أن الصحافي هو "العمود الفقري للمؤسسات الإعلامية" لفت الانتباه إلى أن العائد المالي الذي كان غالباً مصدره الإعلانات لم يعد كافياً لتغطية النفقات بسبب توقف المعلنين عن الإعلان، وهو ما يجبر إدارة المؤسسات على اتخاذ خطوات صعبة، وقال إن "الصحافي هو أكثر المتضررين منها".

ويصف الملا، وهو المطّلع على شؤون إدارة الصحف في بغداد، بحسب تواصله معها، ما تعرض له الصحافيون بـ"أكبر صور المعاناة" موضحاً أن الصحافيين تعرضوا إلى "التسريح القسري وتقليل الرواتب والأجور بصورة مجحفة".
وفي الأخير، يقول الملا: "تبقى عين الصحافي العراقي شاخصة نحو البرلمان بانتظار تشريع قانون يحمي من يعملون في بلاط صاحبة الجلالة".


علي الطائي، إعلامي يعمل منذ أكثر من ستة أعوام في محطة فضائية محلية، قال لـ"العربي الجديد" إن "الأحزاب والمليشيات وراء الخراب الذي حل بالعمل الصحافي في العراق". وأوضح قائلاً، إن "الكثير من المؤسسات الصحافية تتبع لأحزاب، واعتمدت في تأسيسها على كوادر مهنية وأصحاب الخبرات لكنها بدأت بطردهم تدريجياً وأبقت على أتباعها ممن تدربوا على أيدي هؤلاء المهرة، من إعلاميين ومعدي برامج وفنيين ومخرجين ومصورين، اليوم الكثير من المختصين في المجال الصحافي والإعلامي، وأصحاب الخبرات انضموا إلى طابور العاطلين عن العمل".

وتابع: "نعم هناك أزمة مالية، لكن يرافقها فساد كبير سببه تلك المليشيات والأحزاب التي باتت تسيطر على كل شيء".
واستطرد بالقول: "الفضائية التي أعمل فيها خالفوا بنود العقد الموقع بيننا، وأجبروني على توقيع آخر جديد وتمزيق القديم".
وأوضح: "ففي العقد الأول كانت هناك زيادة بالراتب كل سنة، وسفرات ترفيه، وعلاوات ومكافآت وحوافز، تمنح في حال الاضطرار إلى المبيت في العمل والتغطيات الخاصة والخطورة، وغيرها، لكن ما يحصل اليوم، تقليص في الراتب، وإلغاء كل الحوافز والإبقاء على
بعض المكافآت البسيطة في حال التغطيات الحصرية".


وكانت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، كشفت في تقريرها السنوي الصادر في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن تسريح عدد كبير من العاملين في المؤسسات الإعلامية والصحافية، وتخفيض أجورهم بنسب عالية جداً لا تكفي لسد متطلباتهم اليومية.

وقالت الجمعية، التي تعنى بالدفاع عن حرية الرأي ورصد الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون والإعلاميون في العراق، في تقريرها إنها "رصدت نسباً عالية في تخفيض أجور ومرتبات الصحافيين في المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها، بالإضافة إلى تسريح مؤسسات أخرى لعدد من الصحافيين، دون سابق إنذار أو تعويض، ناهيك عن استمرار حالة تأخير الرواتب لأكثر من شهر". ولفتت النظر إلى أن "الفترة الممتدة من شهر تشرين الثاني (أكتوبر) 2015، إلى تشرين الأول عام 2016؛ الفترة التي يغطيها التقرير، شهدت تسريح نحو (600) صحافي غالبيتهم من المحررين والمراسلين والمصورين والمذيعين، بينهم مقدمو برامج تلفزيونية يومية".

وعزت الجمعية الأمر إلى "توقف دعم الأحزاب لأسباب مالية وسياسية، وغياب الإعلانات الرسمية للمشاريع"، وفيما وصفت التسريح المفاجئ بـ"المهين"، اعتبرت أن من شأنه "تعريض حياة الصحافيين وأسرهم الى صعوبات معيشية".



المساهمون