النفط... عقود من المد والجزر

20 اغسطس 2016
سباق أسعار النفط (ايتان ابراهاموفيتش/ فرانس برس)
+ الخط -
تسببت الحرب العراقية الإيرانية، التي امتدت بين أعوام 1980-1988، بسحب أكثر من ستة ملايين برميل نفط من السوق العالمية حينذاك، الأمر الذي رفع أسعار النفط إلى مستويات قريبة من الأربعين دولاراً للبرميل بنهاية عام 1982، بعدما كانت تدور حول 12 دولاراً للبرميل منتصف سبعينيات القرن الماضي. 

نتيجة لذلك، قامت بنوك مركزية كبرى في العالم برفع أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق بغية
السيطرة على التضخم الناجم عن ازدياد أسعار النفط، مقتفية في ذلك خطى رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي السابق، بول فولكر، الذي رفع أسعار الفائدة إلى أكثر من 17%.

بحلول عام 1981، أصبحت سندات الخزينة ذات العائد المرتفع بمثابة الأصول الاحتياطية الفعلية في العالم، حيث أصبح النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ودول اقتصادية كبرى مرتبطاً بشكل كبير بازدهار سوق بطاقات الائتمان مع غياب التحوط من مخاطر عدم السداد.

ارتفع الدين العام في الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من ستة أضعاف منذ بداية إدارة رونالد ريغان في عام 1981 إلى نهاية عهد كلينتون في عام 2000 (من تريليون دولار إلى 6 تريليونات دولار)، ليقفز بعد ذلك إلى عشرة تريليونات دولار بنهاية عهد بوش في عام 2008، وهي اليوم تتجاوز مستوى الـ18 تريليون دولار.

عادت أسعار النفط للتراجع خلال حقبة التسعينيات التي شهدت أطول فترة من النمو الاقتصادي في التاريخ الأميركي، مستفيدة في ذلك من ارتفاع النفقات المستندة أساساً إلى الديون، إضافة إلى بزوغ ما أصبح يُعرف لاحقاً بـ"الاقتصاد الجديد"، وبقاء أسعار النفط منخفضة. انخفض إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وزادت وارداتها بشكل حاد مع تحسن اقتصادها وبدء الاقتصاد العالمي بالتعافي. مع ذلك، واصل الدين العام العالمي ارتفاعه بلا قيود.

انتعشت مستويات ائتمان المستهلكين في عهد الرئيس كلينتون، وتضخمت ديون الرهن العقاري التي تكفلت بضخ المزيد من الأموال إلى اقتصاد الخدمات المتطورة. أدى ذلك إلى ارتفاع الدين العام في الولايات المتحدة بمعدل سبعة أضعاف، من أقل من نصف تريليون دولار في عام 1981 إلى نحو 3 تريليونات دولار في عام 2008.

دفع انفجار فقاعة "دوت كوم" (شركات التقنية) الأميركية في عام 2000، وهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر بعد ذلك بعام، اقتصاد الولايات المتحدة إلى الركود، ما جعل الاحتياطي الفدرالي يخفض أسعار الفائدة إلى ما دون 1%، وهو أدنى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة، ليواصل قطاع تمويل الرهن العقاري ازدهاره.

مقتفية خطى الاحتياطي
الفدرالي الأميركي، قامت بنوك مركزية عالمية كبرى بعمليات خفض غير مسبوقة لأسعار الفائدة حيث باتت في كثير من الاقتصادات الكبرى، مثل اليابان ومنطقة اليورو، قريبة من الصفر المائوي.

بدأ النظام الاقتصادي العالمي الجديد يتشكل تدريجياً من خلال الاعتماد المفرط على الدين الرخيص مستفيداً، كذلك، من تراجع سعر صرف الدولار الذي يجعل السلع الأولية المقومة به، بما فيها النفط، أقل كلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، وهو ما يُقلص الطلب عادة على تلك السلع.
بلغ إنتاج العالم من النفط الخام ما يقرب من 84 مليون برميل يومياً خلال الفترة من عام 2004 حتى عام 2008، مدفوعاً بزيادة الطلب من الصين والاقتصادات النامية الأخرى، الأمر الذي تسبب في دفع أسعار النفط للارتفاع.

واصلت أسعار النفط ارتفاعها المذهل إلى أكثر من 145 دولاراً للبرميل في عام 2008، الأمر الذي أعاد سياسة رفع أسعار الفائدة ضمن مساعي البنوك المركزية العالمية لكبح جماح التضخم، لتصل إلى مستويات أعلى من 5% بعد أن كانت قريبة من الصفر المائوي. أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الفائدة لديون الرهن العقاري، وبدأ حاملوها بالتخلف عن السداد الذي تسبب، في نهاية المطاف، بانهيار الأسواق المالية العالمية في عام 2008.

لم تنته القصة عند هذا الحد. فقد قام الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة، مجدداً، إلى معدلات قريبة من الصفر، واستهل عملية تيسير كمي طويلة الأمد من خلال شراء سندات خزينة، وإنقاذه لقطاعي المصارف والسيارات من الإفلاس.

تزامن ذلك مع قيام منظمة أوبك بخفض إنتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل في الفترة بين 2008 و2009 أدت إلى انتعاش أسعار النفط من 45 دولاراً إلى 65 دولاراً للبرميل خلال الفترة ذاتها، ثم واصلت ارتفاعها إلى أكثر من 80 دولاراً بنهاية عام 2009 مدفوعة بضعف الدولار وسهولة الحصول على القروض.
استمرت أسعار النفط في الارتفاع إلى أكثر من تسعين دولاراً للبرميل لمدة أربعة أعوام تقريباَ، وتحديداً خلال الفترة من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2010 وحتى سبتمبر/ أيلول من عام 2014، وهو الشهر الذي بدأت فيه أسعار النفط مرحلة جديدة من الجزر مستمرة إلى يومنا هذا.

فقد ساهمت مشاريع نفطية أميركية متطورة في استخلاص النفط من المياه العميقة والرمال النفطية والصخور الزيتية، ما أدى إلى تخمة في المعروض العالمي من النفط ساعدت على تدهور أسعاره.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون