يعود ملف النفط السوري إلى الواجهة من جديد، وخصوصاً بعد أنباء تواردت عن نيّة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بيع النفط في شرقي البلاد إلى إسرائيل، ليكون هذا الملف سبباً جديداً يهدد بصراع مسلح مستقبلاً بهدف السيطرة عليه، بين النظام السوري الذي يعاني أزمة خانقة من جراء نقص إمدادات النفط ومشتقاته، والكرد الطامحين للمساومة على النفط من أجل تحصيل مكاسب مادّية وسياسية، مدعومين من الولايات المتحدة التي تعمل بدورها على استغلال هذا الوضع لممارسة المزيد من الضغوط على النظام في دمشق، ومن خلفه إيران، وربما روسيا. وعلى الرغم من نفي "قسد" مسألة بيع النفط لإسرائيل، إلا أن معطيات عديدة تراكمت خلال السنوات الماضية، تشير إلى أن "قسد" قد لا تجد غضاضة في التعامل مع إسرائيل نفطياً، إذا أُتيحت لها الفرصة، كما تعاملت معها أمنياً وسياسياً، وفق مصادر في المعارضة السورية، تحدثت لـ"العربي الجديد".
كما لم يستبعد النظام هذه الإمكانية من جانب "قسد"، بل وصل إلى توجيه اتهامات لها بالخيانة الوطنية، على الرغم مما بات شائعاً عن تعامل بين الجانبين على صعيد النفط عبر وسطاء معروفين. وفي معرض نفيه لهذه الأنباء، قال الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قسد"، رياض درار، إن "التقارير حول موافقة الرئيسة المشتركة لمسد إلهام أحمد، على تفويض رجل الأعمال الإسرائيلي موتي كاهانا، بتمثيل المجلس في ما يتعلق ببيع النفط السوري في مناطق سيطرة قوات قسد، ملفقة وكاذبة". وقال درار في تصريحات صحافية إن "إلهام أحمد ليست مخولة توقيع وثائق، لأن هذا من عمل الإدارة الذاتية، وأحمد هي مسؤولة سياسية لا تعقد اتفاقات نفطية أو غيرها"، معتبراً أن "تلك التقارير الإعلامية تأتي في سياق تلفيقات من جهة تركيا، ومن جهة النظام وأتباعه". وكشف درار أن "كاهانا يقول إنه ينتظر موافقة الولايات المتحدة، لا موافقة قسد أو مسد أو الإدارة الذاتية، على بيع النفط".
وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى رسالة من أحمد إلى كاهانا توافق فيها على أن تمثل شركته المجلس في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط الذي يقع تحت سيطرة المجلس. كما ذكر كاهانا في تصريح لموقع إسرائيلي، أنه "سيتولى تسويق النفط السوري المستخرج من المناطق التي تسيطر عليها قسد شرق سورية"، مؤكداً أنه "يتعامل ويتعاون مع القوات الكردية". وكشف أن "لديه موافقة من الكرد على تصدير 125 ألف برميل نفط يومياً". وهو يطمح لزيادة هذه الكمية لتصل حتى 400 ألف برميل، لكنه ينتظر الموافقة الأميركية بعد حصوله على الموافقة الكردية، مع إعطائه حق استكشاف وتطوير النفط، محدداً سعر من 22 إلى 35 دولاراً للبرميل.
من جهتها، لم تستبعد صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري قيام "قسد" ببيع النفط لإسرائيل، ونقلت الصحيفة عن "مصدر مطلع" في دمشق قوله إن "هذه الفئات ارتضت أن تكون أداة بيد الولايات المتحدة، ضد مصالح بلدها، من غير المستبعد أن تتحالف مع أعداء سورية، وتبيع النفط كما باعت نفسها لأوهام لن تتحقق".
وفي تعليقه على هذه المعطيات، استبعد وزير الخدمات والطاقة في الحكومة السورية المؤقتة، عبدلله رزو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، وصول النفط من مناطق سيطرة "قسد" إلى إسرائيل لأن "العملية معقدة نوعاً ما من الناحية الفنية واللوجستية". وأوضح أنه "رغم عدم استبعاد أن تكون قيادة قسد تتعامل مع إسرائيل أمنياً وسياسياً، لكن بالنسبة لتصدير النفط، فإنه من الناحية الجغرافية لا توجد طريق سالكة مفترضة بين المنطقتين، إذ تفصل مناطق سيطرة النظام بينهما، بينما من المستبعد أن يحدث توافق بين جماعة قسد والسلطات في إقليم شمال العراق حول هذا الأمر، نظراً لأن العلاقات بينهما ليست على ما يرام". ورأى أنه "حتى لو حدث مثل هذا التوافق، فان وصول النفط من شمال العراق إلى فلسطين المحتلة ليس أمراً سهلاً، فضلاً عن أنه مكلف، ومن ثم تكون العملية غير مجدية اقتصادياً".
وأضاف رزو أنه على الرغم من أن "قسد تسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من كمية النفط المتوفرة في سورية، لكن الكميات المنتجة حالياً في مناطق سيطرتها ليست وفيرة، نظراً لخروج بعض الآبار عن الخدمة، وعدم توفر الإمكانيات الفنية اللازمة لإعادة تأهيلها. وما يفيض عن الاستهلاك المحلي يتم تصديره بالدرجة الأولى إلى مناطق سيطرة النظام، كما تصل بعض الكميات إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري". وأوضح أن "سورية كانت حتى قبل الثورة تستورد بعض مشتقات النفط مثل البنزين والديزل نظراً لعدم قدرة المصافي السورية على إنتاج هذه الموادّ بكميات كافية".
وحول علاقة "قسد" مع النظام في مجال النفط، قال رزو إن "هناك تعاملاً مكشوفاً بين الجانبين، وحتى وقت قريب كان الموظفون والفنيون العاملون في حقول النفط، وغير النفط يتقاضون رواتبهم من النظام الذي حرص على استدامة هذه العلاقة، في الوقت الذي تحتاج قسد إلى تمويل ذاتي يؤمنه لها جزئياً بيع النفط للنظام ومناطق المعارضة". ورأى أن "استثمار النفط السوري سيظلّ معطلاً إلى حين الوصول إلى حلّ سياسي في البلاد، وهو أمر مرتبط إلى حدّ كبير بالتوافقات الدولية المعروفة".
وتسيطر "قسد" على معظم حقول النفط والغاز على أطراف مدينتي الحسكة ودير الزور، بعد اكتسابها حقولاً نفطية من تنظيم "داعش". ومنذ خروج هذه الحقول عن سيطرة النظام على فترات زمنية مختلفة بعد عام 2011، لا يعرف بالضبط أوضاع هذه الحقول من ناحية الإنتاج وحجم الأضرار التي لحقت بالآبار وبتجهيزات الإنتاج فيها.
وحسب مصادر كردية، فإن "اتفاق المقايضة الذي يرعاه عضو البرلمان حسام القاطرجي، مالك (مجموعة القاطرجي)، ينصّ على أن تحصل قسد من النظام على 75 برميلاً من المازوت مقابل 100 برميل من النفط الخام". وفي الوقت الحالي، يتم نقل النفط من مناطق "قسد" إلى مناطق النظام، إما عبر شاحنات وإما أنابيب نفط عائمة بين ضفتي الفرات، حيث تسيطر قسد على الضفة الشرقية بينما تسيطر قوات النظام على الضفة الغربية.
وإضافة إلى قاطرجي الذي فرضت عليه عقوبات أوروبية بسبب دوره في دعم النظام السوري، برز أيضاً اسم الوسيط عمار السوسي، الذي تعهد بإيصال النفط والغاز إلى مناطق النظام. وحصل عمار السوسي على عقد بقيمة 11 مليون يورو، لتشغيل وصيانة معمل غاز الجبسة وسيتكفل بعمليات الإصلاح كاملة. والسوسي، هو أحد ممولي "جمعية البستان الخيرية" التي تدير مليشيا مسلحة في سورية، وصاحبها رامي مخلوف، قريب رئيس النظام. والواقع أن مسألة تصدير النفط من مناطق "قسد"، سواء باتجاه مناطق النظام أم المناطق الأخرى تتم في غاية السرّية، وكذلك الأمر بالنسبة لحجم الإنتاج، ومدى جاهزية الآبار.
ورجحت بعض المصادر وجود خط أنبوب نفطي، يمتد من حقول رميلان في الجانب السوري، إلى أراضي إقليم كردستان في الطرف الآخر من الحدود. وهو ما يغذي إمكانية وجود وسيط إسرائيلي يتخذ من إربيل في شمال العراق مقراً لشركته، ويتابع مسألة النفط السوري، سواء كان ذلك في إطار تجاري بحت، أو في إطار تبادل الرسائل الإيجابية بين قيادة "قسد" وإسرائيل برعاية أميركية.