خرّج مركز تابع لـ"الدفاع الوطني" في محافظة السويداء جنوب سورية، والذي يصنفه النظام كإحدى المليشيات الرديفة للقوات النظامية، في شهر أغسطس/آب الماضي، دورة عسكرية تضم أكثر من 600 مقاتل من شبان الريف الجنوبي الغربي في المحافظة ذات الغالبية من طائفة "الموحدين الدروز".
ويبدو من الأجواء في المنطقة أنّ هناك دفعاً نحو التصعيد العسكري باتجاه اللواء الثامن من الفيلق الخامس الموجود في بصرى الشام ومحيطها بريف درعا الشرقي على الطرف الآخر من الحدود الإدارية مع محافظة السويداء، والذي يعرف بفيلق التسويات برعاية روسية، في استغلال لهجوم الأخير على بلدة القريا وقتل 16 شخصاً في اشتباك بين الطرفين في مارس/آذار الماضي.
وأكد مصدر مطلع على شؤون "الدفاع الوطني" في السويداء، لـ"العربي الجديد"، أنّ الدورة التي تم تخريجها هي الأولى من منطقة القريا والقرى المحيطة بها، منذ اعتداء اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، والذي كان قبل التسوية في عام 2018 قائد فصيل معارض يسمى شباب السنة". وأوضح أنه من المقرر إجراء دورات عدة خلال الفترة القصيرة المقبلة، ترفع من إمكانات المقاتلين وقدرتهم على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والقيام بأعمال قتالية.
عملية التسليح مستمرة لكل من يرغب بالانضمام إلى الدفاع الوطني
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ "عملية التسليح مستمرة لكل من يرغب بالانضمام إلى الدفاع الوطني، والهدف إخراج عناصر الفيلق الخامس من أراضي بلدة القريا، التي وضعوا يدهم عليها، ومنعوا الأهالي من حصاد أرضهم ورعاية بساتينهم، بل سمحوا برعي قطعانهم بالإضافة لسرقة محاصيلها، فخسر الأهالي محاصيل القمح والشعير"، مضيفاً: "إلا أنه عقب التحركات العسكرية للدفاع الوطني في المنطقة بداية الشهر الماضي، تدخل الروس في مبادرة سمحت للفلاحين بحصاد موسم الحمص، بوجود دوريات روسية وأخرى تابعة للأمن العسكري".
وأوضح المصدر نفسه أنّ "الروس عرضوا على الأهالي في بلدة القريا تشكيل لجنة للتفاوض مع العودة للوصول إلى صلح ينهي حالة الصراع والتوتر في المنطقة، إلا أنّ الغالبية العظمى من أهالي البلدة رفضت، وطلبت من الروس خروج العودة وعناصره من أراضيهم أولاً، وتقديم من قتل أبناءهم للمحاكمة، ومن ثمّ يمكن الحديث عن تسوية ما، في حين يصرّ العودة على التمسّك بالأرض، التي تشكل بالنسبة له ورقة تفاوضية يساوم عليها من أجل الوصول إلى صلح لمصلحته".
ويبدو أنّ من يقف وراء "الدفاع الوطني"، يريد اليوم إحياء هذه المليشيا ووضعها بوجه مليشيا العودة، بحسب التعليمات التي تصل إلى مجموعات الدفاع الوطني، والتي استطاع "العربي الجديد" الحصول على فحوى بعضها.
وأفاد مصدر مسؤول في الدفاع الوطني، طلب عدم كشف هويته لـ"العربي الجديد"، أن عملية التسليح للمقاتلين الجدد تمت عبر حزب الله اللبناني. ويعتبر الدفاع الوطني مليشيا سورية تم تشكيلها بدعم ورعاية من الإيرانيين عام 2013، إذ قاموا بتسليح عناصرها ودفع رواتبهم، وإنشاء معسكرات تدريب خاصة لهم داخل سورية وفي إيران، في محاولة لخلق مليشيا شبيهة بالحرس الثوري الإيراني أو "الحشد الشعبي" العراقي، وقد تمّ ربطهم بتشكيل الحرس الجمهوري، أحد التشكيلات المسلحة التابعة للقوات النظامية. إلا أنه سرعان ما انقطعت عن عناصرها الرواتب، وتمّ تعويضهم بالسماح لهم بما عرف بـ"التعفيش"، أي نهب المناطق التي يسيطرون عليها، حتى أصبح العمل ضمن صفوفها تطوعياً اليوم، إذ لا يتلقى المقاتل أي دخل أو تعويض.
وفي السويداء، هناك من يستشعر مخاطر الدفع إلى الصدام الذي يأخذ طابعاً طائفياً، مثل الناشط مازن، الذي طلب عدم ذكر كنيته لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد". وبرأيه فإن "أي اقتتال بين الطرفين غالباً ما سيجرّ جزءاً كبيراً من أهالي المحافظتين إلى اقتتال على أساس طائفي ومناطقي"، محذراً من أن "وزره وسلبياته سيحملها العديد من الأجيال المقبلة، فشروخ الحروب الأهلية من الصعب أن تلتئم بوقت قصير".
وأضاف: "أعتقد أنّ أبناء المنطقة على اختلاف انتماءاتهم، هناك اليوم من يحاول استثمارهم ضمن صراعات بالوكالة؛ فالمليشيا التي يتزعمها العودة وجدت ضمن التوافق الأميركي الروسي الأردني، إضافة إلى المحتل الإسرائيلي الغائب الحاضر، وتمّ إعطاؤها مهمة العمل على منع وجود إيران وحزب الله في الريف الشرقي من محافظة درعا. واليوم يحاول العودة أن يتمدد إلى الريف الغربي من درعا، ويدعو العسكريين المنشقين ومقاتلي المعارضة السابقين في مختلف مناطق درعا إلى الانضمام إليه. في المقابل، من المعروف أنّ قيادات الدفاع الوطني مقربة من إيران، وحالياً يتم العمل على استقطاب أبناء الدروز عبر خطاب عاطفي مبني على إحساس أبناء المنطقة بأنهم تعرضوا لاعتداء غادر من العودة قُتل جراءه 16 شاباً، وهو اغتصب جزءاً من أراضيهم، ما يزيد من رغبتهم بالثأر والانتقام".
هناك اليوم من يحاول استثمار أبناء المنطقة، على اختلاف انتماءاتهم، ضمن صراعات بالوكالة
وتابع مازن: "أعتقد أنّ هذا الصدام يخدم الإيرانيين والنظام، أولاً عبر تخليصهم من مليشيا العودة أو إضعافها عبر صراع أهلي سيوصف بالمنفلت، ما يخفف عنهما أي ضغط إقليمي أو دولي، إضافة إلى زجّ الدروز في حرب أهلية تخرجهم من الحياد الذي حافظوا عليه منذ بدء الصراع المسلح في سورية، وتضعهم باصطفاف إلى جانب النظام وإيران. والأهم أنّ الصراع يستنزف المجموعات العسكرية المحلية، التي حجّمت السطوة الأمنية للنظام منذ عام 2014، وحمت عشرات آلاف الشبان المستنكفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية في صفوف القوات النظامية، وحدّت من اعتقال الناشطين السياسيين. كل ذلك سيعطي الإيرانيين أوراق قوة على الأرض، وبالتالي على طاولة المفاوضات بشأن مختلف ملفاتهم العالقة".
ويبدو أنّ النظام يحاول جاهداً تفشيل الدور الروسي في درعا عبر غطاء أهلي مرتبط به في السويداء، إذ تلعب الأجهزة الأمنية في الأخيرة دور الميسر، عبر جمع ممثلين عن أهالي بلدة القريا وضباط روس يعملون على إيجاد تسوية ما، محملين في الوقت نفسه الروس المسؤولية الكاملة عن الاستفزاز والتعدي اللذين نفذهما العودة، ومستغلين ضغط الأهالي في السويداء للدفع بهم لحلّ اللواء الثامن، والذي يكاد يكون الوحيد الذي نصت تسويته على الاحتفاظ بأسلحة مقاتليه. واللواء الثامن يشارك بالتنسيق مع الروس في الأعمال العسكرية بالشمال السوري والبادية، في حين أنه ما زال يستغلّ كل مناسبة لإطلاق شعارات مناهضة للنظام والمطالبة بإسقاطه، إضافة إلى شعارات مناهضة لإيران ووجودها في سورية.