النظام المصري إلى الشعب.. كلكم خالد سعيد

26 فبراير 2015
+ الخط -

منذ أربعة أعوام ماضية، وتحديداً في 6 يونيو/حزيران 2010، أعلنت وسائل الإعلام عن استشهاد شاب في محافظة الإسكندرية، اسمه خالد سعيد، وحسب الرواية التي نشرت حول قصة استشهاده أن اثنين من أمناء الشرطة حاولا تفتيشه أثناء دخوله مقهى، إعمالاً لقانون الطوارئ المطبق حينها من قبل نظام المخلوع مبارك، ثم قاما بضربه حتى الموت.
لكن مصلحة الطب الشرعي كانت لها رواية أخرى، حيث أصدرت بياناً قالت فيه إنه مات نتيجة ابتلاعه لفافة بانجو، خشي أن يقبض عليه وهي بحوزته عندما رأى أميني الشرطة، متجاهلة آثار الضرب التي بانت واضحة على وجهه، ثم خرجت وزارة الداخلية فيما بعد بتصريح لقيادتها مبررة تلك الآثار بأنها كانت أثناء محاولة أميني الشرطة منع سعيد من ابتلاع لفافة البانجو.

وانطلق الإعلام المصري متحدثاً عن خالد سعيد واصفاً إياه بمتعاطي المخدرات ذي صحيفة السوابق الإجرامية، لكن في إعلام موازٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان العنوان الأبرز "كلنا خالد سعيد" ثم تطور ليصبح شعاراً لحركات في الشارع كانت إحدى إرهاصات ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أطاحت بنظام مبارك، أو حسبما أعلن حينها أنه قد أطيح به.

ومضى العام تلو الآخر والشباب المصري يموت يوماً بعد يوم بيد ضباط ومجندي وزارة الداخلية والجيش، إما قتلاً برصاص حي، أو بالتعذيب في السجون، أو بقتل الحياة فيهم مع بقاء أنفاسهم من خلال تصفية أعينهم بالخرطوش، أو إصابتهم بعجز كلي، وتشهد على ذلك أحداث كثيرة منها: محمد محمود، مجلس الوزراء، العباسية، ماسبيرو، أستاد بور سعيد..

ومع كل حادثة كانت تخرج وزارة الداخلية وتعلن أنها لا تملك قناصة ولا خرطوشاً، ولم تطلق إلا الغاز دفاعاً عن نفسها، وأنها ستبحث عن الجناة الحقيقيين وراء كل مذبحة. وفي آخر شهر من حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي، وتحديداً في 1 يونيو/حزيران 2013، كانت محكمة جنايات الإسكندرية تحكم ببراءة المتهمين في قتل خالد سعيد، وإلغاء الحكم الذي صدر بحقهم من قبل بـ7 سنوات سجن.

وبعد 30 يونيو وإسقاط حكم محمد مرسي، خرج عبد الفتاح السيسي والرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، ليعلنا أنه لا عودة لأي من الأنظمة البائدة، وأن المستقبل للشباب الذين سيعمل النظام المصري من أجل تحقيق أحلامهم وشعارات ثورتهم، لكن يبدو أن الشعار الأول، الذي قرر النظام تطبيقه للشباب، هو أن يحقق لهم حلمهم في أن يصبحوا جميعاً خالد سعيد، كما نادوا من قبل.

وتوالت المذابح الدموية واحدة تلو الأخرى، الحرس الجمهوري، المنصة، فض اعتصامي رابعة والنهضة، رمسيس، لكن وفي كل مرة كانت تخرج التصريحات الرسمية لتؤكد أنها لم تكن إلا تظاهرات لجماعة إرهابية مسلحة، وتم التعامل معها، والقتلى وقعوا بفعل إخوانهم الإرهابيين، الذين أرادوا جذب استعطاف العالم من خلال مشاهد الدم، وأوجد النظام مبرراً لقتلهم بالمئات ووجد معه من يفتيه ومن يؤيده ويقول له "أفرم يا سيسي واحنا معاك".

لكن يبدو أن النظام لم يكتف فقط بإبلاغ الإخوان بأنهم منذ 3 يوليو وكلهم خالد سعيد، بل أراد أن يرسل الرسالة نفسها إلى كافة معارضيه، وبخاصة الشباب منهم، فكان إلقاء القبض على المتظاهرين ضد براءة قتلة خالد سعيد، ثم الحكم عليهم بالسجن عامَيْن، وإلقاء القبض على الناشط السياسي، أحمد دومة، واتهامه بحرق المجمع العلمي ومجلس الوزراء، والحكم عليه بـ 25 سنة سجناً، ودفع مبلغ 27 مليون جنيه، تكلفة التلف، ومِن بين مَن حكم عليهم أيضاً الحكم نفسه، هند نافع، الفتاة التي تم سحلها والاعتداء عليها من قبل ضباط الجيش أمام مجلس الوزراء، ثم إلقاء القبض على الناشط السياسي، علاء عبد الفتاح، وآخرين، بتهمة خرق قانون التظاهر، بعدما دعوا لتظاهرة أمام مجلس الشورى لرفض مادة أثناء تعديل الدستور 2013، تتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ثم القبض على متظاهري قصر الاتحادية، ومنهم الناشطة سناء سيف، وذلك أثناء تظاهرهم اعتراضاً على إلقاء القبض على متظاهري مجلس الشورى.

أضف إلى ذلك، إلقاء القبض على نشطاء ذهبوا للاحتفال بأسبوع فتاة وضعتها أمها داخل السجن، وطلاب جامعات تظاهروا تنديداً بمقتل زملاء لهم داخل الحرم الجامعي، القبض على شاب وزوجته بحجة أنهما أعلنا إلحادهما، وسلاسل لا تنتهي من الاعتقالات العشوائية اليومية من المنازل والشوارع.

وعلى صعيد القتلى، فهم يسقطون يومياً بفعل النظام المصري، أبرزهم ثلاثون شاباً قتلوا مختنقين بالغاز المسيل للدموع، الذي ألقي عليهم من قبل ضباط وزارة الداخلية داخل سيارة ترحيلات، بالإضافة إلى شهداء لا يتوقف تعدادهم، إما أثناء تظاهرات سلمية، مثل سندس وشيماء الصباغ، أو داخل السجون من آثار التعذيب، أو بقتل عشوائي يمارسه ضباط الشرطة، كالذي أصاب عاملاً بخمس طلقات أدت إلى قتله في الحال.

وحتى مَن تجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع الداخلية، لم يسلم من انفجارات لا تستطيع الدولة حماية مواطنيها منها، أو الموت بسكتة قلبية عقب استطاعته الحصول على أنبوبة بوتوغاز بعد انتظار دام طويلاً، أو الموت في حريق قطار، أو سقوط طائرة أو غرق مركب هجرة، أو ربما تجنب الشاب المصري كل طرق الموت تلك، لكن انتهى به الحال إلى إحباط أدى إلى الانتحار.

لكن المشهد الأخير كان أشدها فجاجة في ما يريد النظام إيصاله من رسائل، فأمام أستاد الدفاع الجوي سقط شباب مصري كانت جريمتهم أنهم صدقوا خبراً أذاعته وسائل الإعلام عن أن حضور المباراة مجانيّ، فذهبوا لتشجيع ناديهم، فقامت قوات الأمن بتكديسهم داخل ممر حديدي تدافعوا فيه، وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع والخرطوش، فماتوا مختنقين، ورغم ذلك استمرت المباراة، واللاعب الوحيد الذي رفض المشاركة، احتراماً لدماء جمهوره تم إيقافه عن اللعب ثم فصله من النادي.

تأتي الحادثة ومبارك حكم ببراءته، وكل رموز عهده خارج السجون ويستعدّون لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، والإخوان ورموز المعارضة في السجون، أو مطارَدون، أو ممنوعون من السفر.

وانتهج الإعلام المصري منهاجه نفسه حين استشهاد خالد سعيد، فانطلق واصفاً شهداء الدفاع الجوي بـ"البلطجية، الفوضويين، عملاء الإخوان" وخرج رموز الرياضة والإعلام شامتين في مقتلهم ومطالبين بالسير على جثثهم من أجل استقرار الوطن.

وسار على النهج نفسه وزير الداخلية، الذي أصدر بياناً يؤكد فيه أن الداخلية لم تطلق خرطوشاً، وأن الضحايا سقطوا أثناء تدافعهم خلال محاولة اقتحام الملعب بدون دعوات، ثم ما لبث أن خرج رئيس مصلحة الطب الشرعي، هشام عبد الحميد، ليؤكد ما قاله وزير الداخلية ويعلن أنهم سقطوا من التدافع ولا آثار لغاز أو خرطوش، لتصبح الرسالة واضحة تماماً من النظام االمصري إلى الشعب، وتحديداً الشباب: "عدنا لعصر مبارك، وكلكم خالد سعيد".


(مصر)

المساهمون