وكرر وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، السبت الماضي، ما تحدث به قبل أيام رئيس النظام بشار الأسد، عندما قال في مؤتمر صحافي عقده في دمشق، إن على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، "التفاوض، أو اللجوء إلى العمل العسكري". وأضاف المعلم "لم نبدأ بعد التفاوض مع قسد حول المستقبل، ولا نزال نعتبرهم مواطنين يحرصون على بلدهم كما نحرص". وأشار إلى مدينة الرقة التي انتزعت "قوات سورية الديمقراطية" السيطرة عليها من تنظيم "داعش" العام الماضي، بدعم أميركي مباشر، قائلاً "الرقة ما زالت في قلوبنا ويجب إعادة إعمارها وتحريرها من أي وجود غريب عن سكانها". وكان الأسد قد توعد، الخميس الماضي، مقاتلين أكراداً، تدعمهم أميركا بالحرب، في حال فشلت المفاوضات معهم لتسليم شرقي نهر الفرات لقوات النظام، مطالباً الأميركيين بمغادرة سورية، ومقرّاً في الوقت نفسه بوجود ضباط إيرانيين. وقال الأسد، في حوار مع قناة روسية، إنّ "المشكلة الوحيدة المتبقية في سورية هي قوات سورية الديمقراطية"، لافتاً إلى أن نظامه "سيتعامل معها عبر خيارين، هما المفاوضات أو استعادة المناطق التي تسيطر عليها بالقوة". وهدد بأنه في حال لم يحدث خيار المفاوضات "سنلجأ إلى تحرير تلك المناطق بالقوة. ليس لدينا أي خيارات أخرى، بوجود الأميركيين أو بعدم وجودهم"، مطالباً القوات الأميركية بمغادرة سورية، إذ إن هذه القوات تحمي سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" على نحو ثلث مساحة سورية، فهي تسيطر على جل منطقة شرق الفرات التي تعد غنية بثرواتها المائية والزراعية والنفطية.
وتخضع غالبية محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، بالإضافة إلى غالبية محافظة الحسكة، لنفوذ "قوات سورية الديمقراطية"، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر القوات الكردية على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، ومدينة منبج وجانب من ريفها غربي النهر، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات، تمتد من مدينة الطبقة ذات الأهمية الاستراتيجية غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً. وحاول النظام استمالة الأكراد السوريين إلى صفه مع بدء الثورة السورية في العام 2011، إذ سمح لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، بإنشاء مليشيا الوحدات الكردية التي سرعان ما توسعت وبسطت نفوذها العسكري على مساحة كبيرة من سورية، بعد أن خرجت عن تحالف قوي جمعها مع النظام طيلة سنوات. ولطالما اعتبرت المعارضة السورية أن الوحدات الكردية قوات رديفة لقوات النظام، وأنها تنفذ أجندات خبيثة تستهدف تقسيم سورية. ومع حرب دولية للقضاء على تنظيم "داعش" تحولت "قسد"، التي شُكلت أواخر العام 2014، من ائتلاف مليشيات كردية وعربية وتركمانية غير متجانسة، إلى أداة برية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، وهو ما مكنها من فرض السيطرة على أغلب منطقة شرقي الفرات الغنية بالثروات، والتي تعد برأي مراقبين "سورية المفيدة".
ولم يتوقف وعيد النظام الإعلامي عند حدود تصريحات الأسد والمعلم، إذ يحاول النظام وإيران وضع عشائر عربية في منطقة شرقي الفرات "بوجه المدفع"، وهو ما يؤسس لحرب أهلية عربية كردية في هذه المنطقة. وحشد النظام، السبت الماضي، عدداً من رؤساء وأعيان عشائر عربية عقدوا مؤتمراً لهم في منطقة دير حافر بريف حلب الشرقي، تمخض عن تشكيل وحدات تحت اسم "المقاومة العشائرية الشعبية"، من المفترض أن تكون بمثابة قوات رديفة لقوات النظام السوري، وتهدف إلى "طرد القوات الأميركية والفرنسية والتركية من الأراضي السورية"، وفق بيان صدر عن المؤتمر. وزعمت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، أن ممثلي 70 عشيرة وقبيلة شاركوا في "المهرجان الشعبي الجماهيري"، الذي عقد تحت عنوان "العشائر السورية ضد التدخل الأجنبي والأميركي في الداخل السوري". كما أكد المجتمعون على التمسك ببشار الأسد "رئيساً لسورية، لأن بقاءه ضمان لبقاء الدولة السورية الموحدة وإفشال مشاريع التقسيم" وفق البيان.
وقللت مصادر محلية من أهمية هذا المؤتمر، مشيرة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المجتمعين "مجموعة مرتبطة بالنظام وإيران، ولا تمثل العشائر العربية في شرقي وشمال شرقي سورية"، وأن النظام "يحاول محاربة الجانب الأميركي إعلامياً"، موضحة أنه "لا يملك القدرة على مهاجمة مناطق قوات سورية الديمقراطية" على الإطلاق، لأنه إذا حاول فسيدفع ثمناً كبيراً كما حدث في مرات سابقة. واعترفت المصادر بوجود استياء شعبي من الوحدات الكردية في الرقة والحسكة وريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، خصوصاً لجهة محاولاتها الهيمنة على المنطقة، والعبث بهويتها العربية، و"لكن لم يصل هذا الاستياء إلى مرحلة مساعدة قوات النظام على العودة مجدداً إلى المنطقة". وأشارت المصادر إلى أن ما قامت به قوات النظام والمليشيات المرتبطة بها من عمليات انتقام واسعة النطاق في المناطق التي سيطرت عليها في سورية "يجعل من المستحيل على أبناء المنطقة الشرقية الموافقة على العودة لسيطرة النظام". وبات من الواضح أن النظام يحاول الحصول على تنازلات سياسية من جانب واشنطن من خلال توعده الأكراد بالحرب، خصوصاً أن قوات النظام غير قادرة على إحداث خرق عسكري من شأنه تغيير معادلات الصراع في الشرق السوري.