النظام السوري يتفرّغ لمحاولة انتزاع المناطق المتبقية بيد المعارضة

16 ديسمبر 2017
قصف وغارات جوية يومية على الغوطة الشرقية (طارق المصري/الأناضول)
+ الخط -
يسعى النظام السوري إلى فرض سيطرته على كامل الأراضي السورية، خصوصاً بعد انتهاء "مرحلة داعش" تقريباً، إذ بات يصوّب أنظاره وقواته باتجاه المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في كل من إدلب وريف حلب الجنوبي، والغوطتين الشرقية والغربية، إضافة إلى الجنوب السوري، بالرغم من شمول هذه المناطق بما يسمى اتفاقيات "خفض التصعيد".

ومع عجز قوات النظام عن تحقيق اختراق في محيطها الأقرب، أي الغوطة الشرقية، ومنطقة جوبر، حيث تتكبّد خسائر فادحة لدى محاولاتها المتكررة لاقتحام هذا الحي، فإنها تلجأ إلى قصف المنطقة يومياً بالمدفعية والصواريخ والغارات الجوية، حيث قتلت امرأة وطفلتها وجرح أشخاص عدة جراء قصف مدفعي على مدينة عين ترما في الغوطة الشرقية المحاصرة، والذي طاول أيضاً بلدة زملكا، شرق دمشق.

والجبهة الأخرى التي تركّز عليها قوات النظام ومليشياتها هي الغوطة الغربية والتي تشنّ عليها منذ أسابيع هجمات متلاحقة، وحققت فيها بعض التقدّم، ما دفع فصائل المعارضة هناك إلى إعلان النفير العام لمحاولة الوقوف في وجه هذا الهجوم وإنقاذ المدنيين المحاصرين. وقد استهدفت قوات النظام من جديد بالمروحيات والقذائف الصاروخية مزرعة بيت جن الواقعة بريف دمشق الجنوبي الغربي، وسط اشتباكات بين الجانبين في محيط تلال بردعيا والتلال القريبة منها، في محاولة من قوات النظام للسيطرة على مزيد من المناطق التي لا تزال الفصائل وهيئة تحرير الشام تسيطر عليها، بغية تحقيق سيطرة كاملة على الدائرة المحاصرة في ريف دمشق الجنوبي الغربي.

وتتبع قوات النظام سياسة تقطيع المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في ريف دمشق الجنوبي الغربي، والفصل بينها، بغية إجبارها على الرضوخ لعرض "المصالحة" والقبول بإنهاء وجود تلك الفصائل بشكل كامل في تلك المنطقة القريبة من الحدود السورية – اللبنانية، ومن الجولان السوري المحتل.

يأتي ذلك بعد أن حقّقت قوات النظام والمليشيات المساندة لها تقدماً خلال اليومين الماضيين على حساب فصائل المعارضة ضمن المعارك التي بدأتها مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وذكرت وسائل إعلام النظام أن قوات الأخير سيطرت على تل مدور، جنوب تلال البردعية، وتل المقتول بريف دمشق الجنوبي الغربي، مشيرة إلى أن العمليات العسكرية مستمرة لفصل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف دمشق إلى قسمين.

وخلال الأيام الأخيرة، بدأت قوات النظام في استهداف بلدات ريف درعا الشمالي، خصوصاً زمرين وأم العوسج، وسط أنباء عن حشود كبيرة لقوات النظام و"حزب الله" في المنطقة التي تعرف بـ"مثلث الموت"، تحضيراً لمعركة قريبة تستهدف السيطرة على بعض البلدات والمواقع هناك في إطار سياسة القضم التي تتبعها قوات النظام، لتقليص المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة. غير أن مصادر عسكرية من الفصائل المقاتلة في الجنوب السوري قلّلت من أهمية الأخبار المتداولة عن تعزيزات وحشود عسكرية للنظام والمليشيات الإيرانية في المنطقة.

وكانت وسائل إعلام إيرانية تحدّثت أخيراً عن تفاصيل الهجوم المرتقب على منطقة "مثلث الموت" التي تمثّل التقاء أرياف درعا والقنيطرة ودمشق. وقالت وكالة "فارس" الإيرانية في تقريرٍ لها، إنّ النظام "يحضر للهجوم شمالي درعا، وتحديداً قرية زمرين، شرقي مدينة إنخل، وسيطاول الهجوم بلدتي الصمدانية والحمدانية بريف القنيطرة"، مشيرةً إلى أنّ النظام "نشر جنوده ومعداته في قاعدة جدية غربي مدينة الصنمين، مع استقدام نحو 400 عنصر وأسلحة ثقيلة من راجمات صواريخ ومدافع ميدان ودبابات".

وفي وسط البلاد وشمالها، تواصل قوات النظام والمليشيات الموالية لها هجماتها عبر محورين من ريف حماة وريف حلب الجنوبي، في محاولة للوصول الى مطار أبو الظهور، شرقي محافظة إدلب، وذلك بالتزامن والتنسيق على ما يبدو، مع هجمات مماثلة يقوم بها تنظيم "داعش" في المنطقة، بهدف توسيع مناطق سيطرته على حساب فصائل المعارضة. وقد تمكّنت قوات النظام والمليشيات المساندة لها، الخميس الماضي، من السيطرة على تلة سيرتيل وقرية رسم الكبارة، جنوب حلب، بينما تشهد المنطقة الشرقية من ريف حماة اشتباكات بين فصائل معارضة وتنظيم "داعش" قرب الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، وتحديداً في محيط قرية رسم الحمام.

وفي بيان له، أمس الجمعة، قال "المجلس الإسلامي السوري" إن الهجوم المتزامن لقوات النظام و"داعش" في ريف حماة الشرقي "يحمل دلالات التواطؤ والتآمر، ويخلّ باتفاقيات مناطق التهدئة التي كان الروس الضامن فيها. كما أنه خلّف عشرات القتلى ومئات الجرحى وهجّر الآلاف". وناشد البيان المقاتلين في تلك المناطق "بنصرتها والنفير لحمايتها"، مطالباً "بوحدة الصف والقيادة والحركة والعمليات المشتركة".

وتقاتل "هيئة تحرير الشام" في المنطقة إلى جانب فصائل من "الجيش الحر"، وهي "جيش النصر" و"جيش العزة" و"جيش إدلب الحر"، والتي أعلنت في الأيام الأولى انضمامها للمعركة ضد قوات النظام، بينما لم تتلقّ الهيئة سوى دعم محدود من "فيلق الشام" في معاركها مع "داعش".

وأعلنت حركة "أحرار الشام"، الخميس الفائت، النفير العام بين مقاتليها استعداداً للانخراط في معارك ريف حماة الشرقي، وذلك بعد أن أفرجت "تحرير الشام" في الأيام الأخيرة عن عشرات المقاتلين من الحركة، بينهم القيادي باسل شعبان، والذين اعتقلتهم خلال المواجهات بين الجانبين قبل خمسة أشهر.

من جهته، يحاول "داعش" تحقيق مزيد من التقدّم على حساب "هيئة تحرير الشام" في المنطقة، مستفيداً من قصف الطيران الروسي لمواقع الهيئة والمعارضة السورية المسلحة هناك.

وعزت مصادر عسكرية في المعارضة التراجع العسكري لمقاتلي المعارضة إلى اتفاق أستانة الذي أخرج الفصائل خارج نطاق العمل العسكري وأوقف بعض الجبهات، ما مكّن النظام من توجيه قواته إلى جبهات أخرى في الرقة ودير الزور ومن ثمّ إلى ريف حماة الشرقي.
وأضافت المصادر أن السبب الآخر هو تقدّم تنظيم "داعش" في المنطقة بالتنسيق مع قوات النظام، إضافة إلى ضعف تحصين مواقع المعارضة في المنطقة، ما جعلها مكشوفة نارياً، وهو ما اضطرها إلى الانسحاب للخطوط الخلفية، لافتةً إلى ضعف المؤازرة التي تتلقاها "هيئة تحرير الشام" في معاركها على جبهتي النظام و"داعش"، ما تسبب في حالة إنهاك وإرهاق لمقاتليها، خصوصاً في ظلّ الغارات الجوية الروسية المكثفة على المنطقة.

المساهمون