النصر على أينشتاين

06 سبتمبر 2014

تمثال لأينشتاين في واشنطن

+ الخط -

على مدى عقود، كانت فكرة السفر عبر الزمن تأسر ألباب كثيرين، من العلماء والعامة. محاولات ونظريات كثيرة ظهرت، لوضع تصور لإمكان حدوث هذا الأمر علمياً أو موالياً بالاستعانة بوسائل دجل كثيرة.
لعل أشهر النظريات التي ظهرت في هذا المجال، تلك التي أطلقها ألبرت أينشتاين، وتتحدث عن إمكان السفر عبر الزمن إلى المستقبل، وليس إلى الماضي، إذا توصل الإنسان إلى وسيلة سفر توازي سرعة انتقال الضوء، وهو أمر لا يزال مستحيلاً علمياً.
لكن، مهلاً. من قال إن هذه هي الوسيلة الوحيدة، ومن قال إن أينشتاين ونظرياته، دائماً، على حق، سواء بالانتقال إلى المستقبل أو الماضي. ها نحن، اليوم، نثبت أن كل شيء ممكن "بقوة الإيمان"، وأن معادلات سرعة الضوء ما هي إلا ترهات وتخاريف، لا حاجة لها.
ها نحن اليوم نسافر، في أكثر من منطقة عربية، عبر الزمن، القريب والبعيد، متجاهلين كل قوانين الفيزياء التي أثقلتها علينا الكتب المدرسية من دون داعٍ. يكفي النظر إلى بعض البؤر العربية الساخنة، دائماً وأبداً، لتبيان هذه الحقائق، ومن دون الحاجة إلى تلك الإثباتات التي كنا نقوم بها لحل المعادلات الحسابية.
يمكن البدء بالعراق وسورية، حيث تسيطر "الدولة الإسلامية" على مساحات واسعة من الأراضي. "دولة" استطاعت العودة بالبشرية كلها، وليس المنطقة العربية وحسب، آلاف السنين إلى الوراء، سنوات منها ما هو مختص بعصور الدولة الإسلامية القديمة، ومنها المرتبط ما هو أقرب، ومرتبط بالقرون الوسطى والغزوات البربرية، سواء في أوروبا أو المنطقة العربية. وربما تمكنت هذه "الدولة" من التفوق على هذه الغزوات، عبر التقنيات التي لم تكن متاحة في ذلك الحين، وخصوصاً وهي تبث عمليات قطع الرؤوس على الهواء مباشرة، مستعملة أدوات العصر في أثناء الانتقال الذي تريده إلى العصور البائدة.
قطع الرؤوس ليس الدليل الوحيد على تمكن هذه "الدولة" من الغوص بعيداً في المراحل الهمجية من التاريخ، بل هناك ممارسات أخرى، تقوم بها في مناطق نفوذها تشير إلى عودة أدواتٍ، اندثرت على الزمن. لكن، ها هي العودة بالزمن باتت متاحة، وها هي "الجزية" تفرض من جديد على أتباع الديانات الأخرى في أجزاء من العراق وسورية. أما المتمنعون، فالقصاص في انتظارهم، تماماً كما هو حال الإيزيديين الذين كانوا مطاردين في جبال سنجار.
"الدولة الإسلامية" استطاعت إحياء عهود غائرة في القدم، والمزاوجة بينها وصهرها في بوتقة واحدة تحت شعار "الإسلام" و"إحياء السنّة النبوية"، حتى أنها أحيت عصر "الحرب على الإرهاب" الذي كان في أوج ازدهاره قبل نحو عشر سنوات، فها هي الولايات المتحدة تعلن تحالفاً جديداً، على غرار الذي شكله جورج بوش الابن، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
لكن تقنية العودة بالزمن ليست حكراً عليها، هناك دول أخرى عادت أيضاً، ربما إلى فترات أقرب كثيراً، لكنها بالنهاية تسجل في إطار السفر عبر الوقت. ربما مصر وسورية تمثلان أبرز نموذجين لهذا الأمر. في مصر، مثلا، وقبل أكثر من ثلاث سنوات، كانت هناك ثورة خلعت رئيس الجمهورية، حسني مبارك، وظنّت أنها قضت على حكمه ورجاله. لكن الأمور كانت مجرد ظنون، وها هو الزمن يعود في أرض الكنانة إلى الزمان الذي مضى، وها هو مبارك يعود إلى الحكم عبر كثيرين من رموز نظامه. مصر عادت بالزمن، ليس إلى السنوات الأخيرة من عهد مبارك، بل إلى أبعد، ربما إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين كان هذا النظام في ذروة سطوته في مرحلة ما كان يسمى "محاربة الإرهاب". الأمر نفسه في سورية، فنظام الأسد في طريقه اليوم إلى العودة إلى "حلف محاربة الإرهاب"، بغض النظر عن عمليات قتل الشعب السوري التي لا تزال تمارس يومياً.
إنه السفر عبر الزمن، بات واقعاً نعيشه، بصرف النظر عن أينشتاين ونظرياته.

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".