النصب العقاري... شركات تبيع الوهم للحالمين بالاستثمار في الكويت

25 اغسطس 2020
مبالغة في أسعار الوحدات وادعاءات بتحقيق أرباح سنوية (العربي الجديد)
+ الخط -

يتابع الخمسيني الكويتي ناصر الحسن، محاميه أسبوعيا، لمعرفة آخر مستجدات الدعوى التي رفعها ضد شركة للتطوير العقاري أوهمته بتملك وحدة في مشروع منتجعات ضخم بمدينة صباح الأحمد البحرية في منطقة الخيران جنوبي الكويت، خاصة أنه جمع مدخراته التقاعدية وحصل على قرض من أحد البنوك المحلية عام 2015، ليدفع مبلغ 65 ألف دينار كويتي (211 ألف دولار أميركي)، في مقابل امتلاك "شاليه"، وعدته الشركة المطورة بتأجيره ومنحه عائدا استثماريا سنويا وفق ما جاء في العقد، "الذي تحول إلى سراب، إذ لم تلتزم الشركة ببناء المنتجع، وتركته أطلالاً مهجورة" بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد".

ويعد الحسن واحدا من بين 11 ألف متضرر كويتي من الشركات العقارية بحسب إفادة المهندس حسن البحراني، المنسق العام لتكتل متضرري النصب العقاري وغسل الأموال (مجموعة ضغط تم تشكيلها في بداية 2017).

بيع الوهم

يُقسّم أصحاب الشركات العقارية مشاريعهم إلى مراحل، ويستهدفون في الأولى، الزبائن من الباحثين عن فرصة استثمار وتملك عقاري، عبر إغرائهم بالعوائد الإيجارية المرتفعة وتصميم مبهر لما ستكون عليه الوحدة المباعة كما يوضح صالح الحميدي، مسؤول تسويق أوّل سابق في شركة للتطوير العقاري.

وبعد بيع كافة وحدات المرحلة الأولى للمشروع، تشرع الشركات في إكمالها لتستخدمها كدلالة على جديتها، وجلب زبائن أكثر في المراحل التالية، عبر برنامج زيارات لكل من يرغب في الشراء وإطلاعهم على النماذج المبنية وفق ما قاله الحميدي لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن نسبة المشترين في المراحل التالية تزيد بشكل كبير، في انتظار بناء بقية الوحدات، وفق ما أكده الحميدي و7 ضحايا وثق معد التحقيق قضاياهم ومن بينهم حسين دشتي والذي اشترى عقارا في ولاية أوهايو الأميركية من شركة "إتش إم جي" العقارية العاملة بالكويت، بقيمة 30 ألف دينار (97 ألف دولار)، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه اكتشف بعد زيارة نجله، إلى المكان في عام 2016 أن العقار مهجور وغير صالح للسكن، ما جعله يتوجه إلى مقر الشركة في الكويت طالبا من مالكها استعادة أمواله وفق شروط العقد، لكنه رفض، ليتكرر الأمر مع آخرين اكتشفوا أن الوحدات العقارية التي اشتروها في أميركا ودول أخرى، غير موجودة، أو أنها غير مؤجرة كما بيعت بثمن عالٍ مقارنة بسعرها الأصلي الذي لا يزيد عن 50 ألف دولار وفق مصادر التحقيق.

الصورة
كويت 2

سر الإقبال على تلك المشاريع

يفسر البحراني إقبال الضحايا على شراء تلك العقارات بالأرباح المزعومة والتي يتم منحها للمشترين القدامي من أموال الجدد وهو ما يسمى احتيال "بونزي" (نسبة إلى محتال عقاري أميركي تنسب له الطريقة التي تتم عبر دفع أرباح للمستثمرين الأقدم من أموال الجدد)، لافتا إلى أن انتشار الظاهرة يرجع إلى أن المشاريع العقارية المعروضة، غير مملوكة للشركات، والتي يقتصر دورها على التسويق، في ظل مبالغة بعضها في أسعار الوحدات لجني الأرباح على حساب المستثمرين، بالإضافة إلى استغلال وجود سيولة في ظل تدني العوائد على الودائع البنكية وضعف مستوى البورصة، وعدم وجود مشاريع استثمارية قوية، وهو ما لاحظه الخبير الاقتصادي في بورصة الكويت، محمد جمال، قائلا : "وصلت العوائد الإيجارية المزعومة إلى 50% من قيمة العقار خلال فترات تصل إلى 3 أعوام".

وتقدم 3 آلاف متضرر بشكاوى إلى وزارة التجارة والصناعة، ضد 63 شركة عقارية مرخصة في الكويت خلال الفترة من 2014 وحتى 2018 وفقا للبحراني، مؤكدا أن تكتله نجح في الإيقاع بملاك 3 شركات عقارية، منهم "إتش إم جي"، بعد تشكيلهم فريقاً قانونياً ساعد الأجهزة الأمنية على ضبطهم، وتقديم الأدلة على تورطهم في قضايا النصب، إذ استولت شركة "إتش إم جي" على 42 مليون دينار (136 مليون دولار) باستعمال "طرق احتيالية لإيهام الضحايا بوجود مشروع كاذب، وإحداث الأمل بالحصول على ربح وهمي، وقاموا بنشر إعلانات في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والرسائل عبر الهواتف النقالة والمشاركة في المعارض العقارية عن فتح الاستثمار في المجال العقاري والمتمثلة في بيع وشراء وتأجير واستئجار وحدات سكنية والحصول على عوائد ربحية خيالية"، وفق ملف القضية رقم 8 لعام 2017 جنايات غسل أموال، وقضية رقم 393 لعام 2017، حصر أموال عامة.

وثيقة مشاع

وتمنح شركات عقارية، لزبائنها وثيقة ملكية "مشاع" (يشترك فيها مجموعة من الأشخاص المتجاورين في ملكية أرض أو عقار بنسب محددة) ولا تخول صاحبها بيع العقار أو التصرف فيه دون إذن من الملاك المجاورين له في المشروع بحسب الحميدي، مضيفا أن هذا الأمر يجعل وزارة العدل تحجم عن نقل ملكية العقار إلى جهة أخرى، فضلا عن عدم وصول خدمة الكهرباء والمياه للوحدة، بسبب عدم وجود ملف في وزارة الكهرباء والماء.

وهو ما حدث مع سعود الزيد الذي فوجئ أن الوحدة السكنية التي اشتراها في مدينة صباح الأحمد البحرية لا يمكن بيعها بعد دفع ثمنها، لأن وثيقة التملك التي حصل عليها "مشاع" كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا :"اكتشفت أن العوائد الإيجارية غير كبيرة كما أوهموني، فيما تخلت الشركة عن وعدها بتأجير الوحدة السكنية".

الصورة
تحقيق الكويت 4

ضعف الرقابة الرسمية

استغلت الشركات العقارية ضعف رقابة وزارة التجارة، إذ تمكنت من إنشاء شركات فرعية وطرح مشاريع عقارية داخل الكويت وخارجها على الجمهور من خلال المعارض العقارية المرخصة من وزارة التجارة، أو من خلال الدعايات المرخصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون والإذاعات بحسب البحراني.

وتنص المادة السابعة من القرار الوزاري رقم 639 لسنة 2017 الخاص بتنظيم آلية المعارض الداخلية والخارجية على "التزام الشركات والمؤسسات المشاركة بالمعرض والتي ترغب بعرض أو تسويق عقارات محلية أيا كان نوعها بتقديم طلب لإدارة العقار للحصول على الترخيص المشار إليه مع تقديم مستندات، من بينها وفق ما جاء في الفقرة الخامسة من هذه المادة "استصدار ترخيص بالإعلان عن العقارات أو المشاريع المراد تسويقها أو عرضها داخل المعرض بعد استيفاء الشروط الواردة بالقرار الوزاري 252/2016 المشار إليه بالمادة السابقة على أن يذكر بالإعلان رقم ترخيص المشروع الصادر من بلدية الكويت.

غير أن المتضررين، أكدوا أن وزارة التجارة والصناعة جزء من المشكلة، لعدم تعديلها قانون الشركات، فضلا عن قيامها بترخيص الحملات الإعلانية لتلك الشركات في الصحف الرسمية، ومنهم الحسن، ودشتي وسعود الزيد. واعترفت الجهة الإدارية بوزارة التجارة والصناعة أثناء اجتماعها مع لجنة الشكاوى والعرائض في مجلس الأمة الكويتي بأن وزارتهم جزء من المشكلة ولا تتنصل منها، لكنها أشارت إلى توجهها بتقديم توصيات لتعديل قانون الشركات لتلافي الأخطاء القانونية الواردة فيه، فضلا عن قيامها بإحالة شركتين للنيابة العامة بعد فحص الملفات، مبررة صدور التراخيص لهذه العقارات على اعتبار أنها سكن خاص، غير أن بعض من صدرت لهم تراخيص، قاموا بتصميم السكن على شكل شقق ووحدات بخلاف المخطط كما توجد مخالفات أخرى كبناء مسبح، فضلا عن عدم وجود ملفات للشركات العقارية في وزارة الكهرباء والماء الكويتية وفق تقرير لجنة الشكاوى والعرائض في مجلس الأمة الكويتي رقم 4 المقدم لرئيس المجلس في 30 يناير/كانون الثاني 2019.

محاكمات قضائية

عقب عمليات النصب، وقع مالك "إتش إم جي"، رجل الأعمال عبد العزيز حوحو، مع 6 متهمين آخرين في قبضة القضاء، والذي حكم عليهم بعقوبة السجن لمدة 10 سنوات بتهمة النصب والاحتيال وفق الحكم الصادر في 2 إبريل/نيسان 2018، والذي ألزمهم بدفع 5 ملايين دينار (16 مليون دولار) كغرامة للدولة، وتحويل القضية إلى المحكمة المدنية التي ستأمر بتعويض المتضررين بعد تنفيذ الحكم.

الصورة
تحقيق الكويت 8

وتم محاكمة المتهمين السبعة وفقا لقانون رقم 62 لسنة 2007 الخاص بقمع الغش في المعاملات التجارية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 106 لعام 2013 الذي نص في مادته الـ 28 على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 10 سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن نصف قيمة الأموال محل الجريمة ولا تجاوز كامل قيمتها كل من ارتكب إحدى جرائم الأموال المنصوص عليها في المادة 2 من هذا القانون، إذا كان قد علم بأن تلك الأموال والأدوات متحصلة من الجريمة. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأدوات المضبوطة".

لكن ناصر الحسن يخشى من عدم استرداد حقه بعد فرار مالك شركة التطوير العقاري إلى وجهة غير معروفة خارج البلاد، وإخلاء موظف الشركة الذي وقع معه العقد مسؤوليته أمام النيابة العامة، كما يقول.

وأصدرت محكمة التمييز في أواخر شهر يوليو/تموز الماضي حكماً نهائياً بسجن 14 متهماً في شركة تيماس العقارية التي تورطت في قضايا نصب واحتيال عقاري وغسل أموال، وجاء الحكم بسجن المدان الأول، وهو سوداني الجنسية والذي عمل مديراً للشركة عشر سنوات، والإبعاد عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة، فيما قضت بالحبس 5 سنوات مع الشغل والنفاذ والإبعاد لبقية المتهمين، وهم 7 أردنيين ومصريان ولبنانيان وفلسطيني وعراقي. ونص الحكم على تغريم الشركة مبلغ 107 ملايين دينار كويتي (349 ملايين دولار) كما اشتمل على تغريم المتهمين مثل هذا المبلغ، لكنهم كانوا قد فروا خارج البلاد قبل أن تحوّل النيابة العامة الدعوى إلى القضاء، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، المحامي ناصر العنزي والذي ترافع عن عدد من المتهمين في القضية.