تحكّم المزاج السياسي على مرّ الحقب التاريخية في العراق، بملفات الهوّية التعريفية الخاصة بالبلاد، التي تشمل النشيد الوطني والعلم. ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وفي كل تغيير بنظام الحكم، كان النشيد يخضع للتغيير هو الآخر، بالإضافة إلى العلم، وتعايش العراقيون مع خمسة أناشيد وطنية من ذلك التاريخ حتى الآن، في حين برزت أخيراً توجهات جديدة لتبديل النشيد واختيار واحد جديد، بالتزامن مع الحكومة العراقية الرابعة عبر الانتخابات، بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ويصبح سادس الأناشيد الوطنية.
بالعودة إلى أول حكومة عراقية بعد تحويل البلاد من إقليم خاضع لسلطة الانتداب البريطاني إلى دولة مستقلة، وتنصيب فيصل الأول ملكاً، ألّف الضابط الإنكليزي الميجر جي. آر. موري، قطعة موسيقية على إيقاع مارش من دون كلمات، وعزف "السلام الملكي" لأول مرة من قبل جوق الحرس الملكي في مجلس الأمة وفي البلاط الملكي ومقر وزارة الدفاع عام 1924، وكان يعرض على شاشات السينما والأفلام ومع صورة الملك، حتى الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز عام 1958، بقيادة عبد الكريم قاسم، جرى تغيير جديد على السلام الملكي، فتحوّل إلى "السلام الجمهوري" بمناسبة تحويل العراق من مملكة إلى جمهورية.
وتكفل بإجراء التغيير الموسيقي العراقي لويس زنبقة، ليستمع العراقيون إلى لحن جديد موزع على آلات يُعرف بعضها ولا يُعرف بعضها الآخر، كونها عُزفت وسُجلت في فيينا عاصمة النمسا بلا كلمات أيضاً بعنوان "موطني"، وظلّت الموسيقى الجديدة الملحّنة بواسطة عراقي، معتمدة على مستوى الشعب والدولة حتى الثامن من فبراير/شباط 1963 وصعود حزب "البعث" إلى السلطة، لم يسلم حينها النشيد الوطني من التغيير، وسمع العراقيون نشيد "والله زمان يا سلاحي"، وهو من ألحان المصري كمال الطويل وكلمات الشاعر المصري صلاح جاهين، وغنّته المطربة أم كلثوم عام 1956، واعتُمد نشيداً وطنياً للجمهورية العربية المتحدة للفترة من 1960 إلى 1979، وقتها كان للعراق ومصر النشيد الوطني ذاته.
ورأى صدام حسين، بعد وصوله إلى سدة الحكم، أن من الضروري أن يكون هناك نشيد وطني يختص بالعراق دون مصر، فعمد النظام الحاكم حينذاك إلى إقامة مسابقة في دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الإعلام العراقية لإصدار نشيد جديد، وبعد تسجيل الأعمال الموسيقية الجديدة والاستماع إليها من قبل لجنة متخصصة، واختارت في النهاية نشيد "أرض الفراتين"، وهو من كلمات الشاعر العراقي شفيق الكمالي وألحان اللبناني وليد غلمية ليكون النشيد الوطني للجمهورية العراقية، وحصل على مرسوم جمهوري لاعتماده رسمياً عام 1981، وهو النشيد الوطني العراقي الأول الذي حظي بشعبية واسعة في البلاد، وكانت كلماته حماسية: "وطن مد على الأفق جناحا، وارتدى مجد الحضارات وشاحا، بوركت أرض الفراتين وطن، عبقري المجد عزماً وسماحا". وظل معتمداً حتى عام 2004 وغزو القوات الأميركية والأجنبية العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ليتغير للمرة الخامسة إلى نشيد "موطني"، من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وألحان الأخوين فليفل. واعتمد من دون قانون أو ورقة رسمية، وتم إطلاقه للمرة الأولى أمام الرئيس الأميركي المدني على العراق بول بريمر في قاعة مركز ثقافي بمدينة الأعظمية في العاصمة بغداد، التي كانت مستقراً له لفترة. وخلال الأعوام السبعة الماضية، طُرحت لأكثر من مرة فكرة تغيير النشيط الوطني في البرلمان العراقي، إلا أن كل المداولات بشأنه لم تصل إلى نتيجة بسبب اختلاف الأمزجة السياسية بين الكيانات والأحزاب، وجاءت أخيراً دعوة زعيم التيار الصدري إلى اعتماد أغنية المطرب العراقي كاظم الساهر "سلام عليك على رافديك"، بعد أن وجده وطنياً بحسب الفنان العراقي المقرب منه سنان العزاوي، وقال في تدوينة على فيسبوك إن "الصدر أشاد بالساهر، ووصف القصيدة التي غناها بالنشيد الوطني، ووجَّه من خلاله دعوة لأداء هذه الأنشودة الوطنية في الموصل لأنها آخر أرض حرّرت من تنظيم داعش الإرهابي". وعلى إثر ذلك، أعلنت كتلة "سائرون" البرلمانية التابعة للصدر تقديمها مقترحاً إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لإدراجها كفقرة للمناقشة في إحدى الجلسات المقبلة.
تشعر الأقليات بالغبن من النشيد الوطني الحالي، فهي تسعى ليكون ذكرها حاضراً في النشيد الوطني الجديد، هذا ما صرح به مسؤولون عن المكونات التركمانية والمسيحية والشبكية وغيرهم، مشيرين إلى أن "النشيد العراقي يجب أن يتضمن وجود أسماء القوميات، ويعتبر هذا الأمر من الحقوق الطبيعية، وهذا الموضوع ينسجم مع روح الدستور العراقي".
في هذا الإطار، قال النائب السابق في البرلمان العراقي محمد اللكاش إن "ملف النشيد الوطني العراقي، تم فتحه في كل الدورات البرلمانية، وربما سيُفتح مرة جديدة في الدورة الحالية، وهو من مسؤولية لجنة الثقافة والإعلام النيابية، وبما إن الملف هي قضية شعبية ووطنية، فلا بد من طرحه على أبناء الشعب العراقي بطريقة الاستفتاء"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة تختار بعض النصوص وتعرضها على الشعب، بعد اتفاق اللجنة البرلمانية مع شعراء وفنانين، لكي يتم قبوله. وأن يبتعد عن ذكر المكونات العراقية، والابتعاد عن اللهجة الطائفية والعرقية والتوصل إلى صيغة عراقية جامعة".
من جهتها، رأت عضو "ائتلاف النصر" في البرلمان العراقي، ندى شاكر، أن "البرلمان عليه خلال المرحلة المقبلة إصلاح مشكلات سياسية كثيرة ومعالجة أمور مرتبط بحياة الناس وأمنهم وأموالهم، والتفكير في ملف النشيد الوطني قد يكون في غير وقته حالياً"، مشيرة في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إلى أن "النشيد إذا أردنا تغييره فلا بد من اختيار ما هو أفضل من النشيد الحالي، وأكثر تطوراً منه وتأثيراً، لما له من علاقة بين الجانب الوطني والفني، وهو يمثل رمز الدولة". وأكملت، أن "البرلمان إذا اتجه واقعاً في فتح هذا الملف مجدداً فهو بحاجة إلى أكثر من فرقة متخصصة بالأناشيد، ولا بد من فهم ما هو مرتبط بالسياسة والجوانب اللغوية والموسيقية، وتفعيل دور النقاد، ويجب أن يكون للتغيير مبرراته، وليس باتباع أمزجة سياسية".
إلى ذلك، شرح الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، طريقة اعتماد النشيد الحالي "موطني": "النشيد الحالي تم استخدامه لأول مرة أمام الحاكم المدني أثناء احتلال العراق بول بريمر، من دون أمر قانون أو ورقة رسمية حكومية، ما يعني أن استمراره الحالي هو غير قانوني، كذلك الحال مع العلم المعمول به حالياً الذي أزيلت منه النجمات السابقة في عام 2008، يستخدم حالياً دون قرار قانوني"، لافتاً إلى أن "تبديل النشيد أو التلاعب به يحتاج إلى قانون يصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) لأن الأمر يعتبر سياسيا ووطنيا وشعبيا".
اقــرأ أيضاً
وأردف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ملفات العلم والنشيد واليوم الوطني، ما تزال عالقة في العراق بسبب المزاج السياسي للكيانات والأحزاب. ولحد الآن لا يوجد في العراق يوم وطني مسجل قانونياً، وهو من المفترض أن يكون في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، في ذكرى تحويل العراق من إقليم خاضع للانتداب البريطاني إلى دولة في عصبة الأمم آنذاك"، مبيناً أن "للعراق شعراء يقدرون على تأليف نشيد وطني ثابت يحترم كل المكونات والأقليات".
وتكفل بإجراء التغيير الموسيقي العراقي لويس زنبقة، ليستمع العراقيون إلى لحن جديد موزع على آلات يُعرف بعضها ولا يُعرف بعضها الآخر، كونها عُزفت وسُجلت في فيينا عاصمة النمسا بلا كلمات أيضاً بعنوان "موطني"، وظلّت الموسيقى الجديدة الملحّنة بواسطة عراقي، معتمدة على مستوى الشعب والدولة حتى الثامن من فبراير/شباط 1963 وصعود حزب "البعث" إلى السلطة، لم يسلم حينها النشيد الوطني من التغيير، وسمع العراقيون نشيد "والله زمان يا سلاحي"، وهو من ألحان المصري كمال الطويل وكلمات الشاعر المصري صلاح جاهين، وغنّته المطربة أم كلثوم عام 1956، واعتُمد نشيداً وطنياً للجمهورية العربية المتحدة للفترة من 1960 إلى 1979، وقتها كان للعراق ومصر النشيد الوطني ذاته.
ورأى صدام حسين، بعد وصوله إلى سدة الحكم، أن من الضروري أن يكون هناك نشيد وطني يختص بالعراق دون مصر، فعمد النظام الحاكم حينذاك إلى إقامة مسابقة في دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الإعلام العراقية لإصدار نشيد جديد، وبعد تسجيل الأعمال الموسيقية الجديدة والاستماع إليها من قبل لجنة متخصصة، واختارت في النهاية نشيد "أرض الفراتين"، وهو من كلمات الشاعر العراقي شفيق الكمالي وألحان اللبناني وليد غلمية ليكون النشيد الوطني للجمهورية العراقية، وحصل على مرسوم جمهوري لاعتماده رسمياً عام 1981، وهو النشيد الوطني العراقي الأول الذي حظي بشعبية واسعة في البلاد، وكانت كلماته حماسية: "وطن مد على الأفق جناحا، وارتدى مجد الحضارات وشاحا، بوركت أرض الفراتين وطن، عبقري المجد عزماً وسماحا". وظل معتمداً حتى عام 2004 وغزو القوات الأميركية والأجنبية العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ليتغير للمرة الخامسة إلى نشيد "موطني"، من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وألحان الأخوين فليفل. واعتمد من دون قانون أو ورقة رسمية، وتم إطلاقه للمرة الأولى أمام الرئيس الأميركي المدني على العراق بول بريمر في قاعة مركز ثقافي بمدينة الأعظمية في العاصمة بغداد، التي كانت مستقراً له لفترة. وخلال الأعوام السبعة الماضية، طُرحت لأكثر من مرة فكرة تغيير النشيط الوطني في البرلمان العراقي، إلا أن كل المداولات بشأنه لم تصل إلى نتيجة بسبب اختلاف الأمزجة السياسية بين الكيانات والأحزاب، وجاءت أخيراً دعوة زعيم التيار الصدري إلى اعتماد أغنية المطرب العراقي كاظم الساهر "سلام عليك على رافديك"، بعد أن وجده وطنياً بحسب الفنان العراقي المقرب منه سنان العزاوي، وقال في تدوينة على فيسبوك إن "الصدر أشاد بالساهر، ووصف القصيدة التي غناها بالنشيد الوطني، ووجَّه من خلاله دعوة لأداء هذه الأنشودة الوطنية في الموصل لأنها آخر أرض حرّرت من تنظيم داعش الإرهابي". وعلى إثر ذلك، أعلنت كتلة "سائرون" البرلمانية التابعة للصدر تقديمها مقترحاً إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لإدراجها كفقرة للمناقشة في إحدى الجلسات المقبلة.
تشعر الأقليات بالغبن من النشيد الوطني الحالي، فهي تسعى ليكون ذكرها حاضراً في النشيد الوطني الجديد، هذا ما صرح به مسؤولون عن المكونات التركمانية والمسيحية والشبكية وغيرهم، مشيرين إلى أن "النشيد العراقي يجب أن يتضمن وجود أسماء القوميات، ويعتبر هذا الأمر من الحقوق الطبيعية، وهذا الموضوع ينسجم مع روح الدستور العراقي".
في هذا الإطار، قال النائب السابق في البرلمان العراقي محمد اللكاش إن "ملف النشيد الوطني العراقي، تم فتحه في كل الدورات البرلمانية، وربما سيُفتح مرة جديدة في الدورة الحالية، وهو من مسؤولية لجنة الثقافة والإعلام النيابية، وبما إن الملف هي قضية شعبية ووطنية، فلا بد من طرحه على أبناء الشعب العراقي بطريقة الاستفتاء"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة تختار بعض النصوص وتعرضها على الشعب، بعد اتفاق اللجنة البرلمانية مع شعراء وفنانين، لكي يتم قبوله. وأن يبتعد عن ذكر المكونات العراقية، والابتعاد عن اللهجة الطائفية والعرقية والتوصل إلى صيغة عراقية جامعة".
من جهتها، رأت عضو "ائتلاف النصر" في البرلمان العراقي، ندى شاكر، أن "البرلمان عليه خلال المرحلة المقبلة إصلاح مشكلات سياسية كثيرة ومعالجة أمور مرتبط بحياة الناس وأمنهم وأموالهم، والتفكير في ملف النشيد الوطني قد يكون في غير وقته حالياً"، مشيرة في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إلى أن "النشيد إذا أردنا تغييره فلا بد من اختيار ما هو أفضل من النشيد الحالي، وأكثر تطوراً منه وتأثيراً، لما له من علاقة بين الجانب الوطني والفني، وهو يمثل رمز الدولة". وأكملت، أن "البرلمان إذا اتجه واقعاً في فتح هذا الملف مجدداً فهو بحاجة إلى أكثر من فرقة متخصصة بالأناشيد، ولا بد من فهم ما هو مرتبط بالسياسة والجوانب اللغوية والموسيقية، وتفعيل دور النقاد، ويجب أن يكون للتغيير مبرراته، وليس باتباع أمزجة سياسية".
إلى ذلك، شرح الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، طريقة اعتماد النشيد الحالي "موطني": "النشيد الحالي تم استخدامه لأول مرة أمام الحاكم المدني أثناء احتلال العراق بول بريمر، من دون أمر قانون أو ورقة رسمية حكومية، ما يعني أن استمراره الحالي هو غير قانوني، كذلك الحال مع العلم المعمول به حالياً الذي أزيلت منه النجمات السابقة في عام 2008، يستخدم حالياً دون قرار قانوني"، لافتاً إلى أن "تبديل النشيد أو التلاعب به يحتاج إلى قانون يصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) لأن الأمر يعتبر سياسيا ووطنيا وشعبيا".