تُركّز العديد من الدراسات على العلاقة الجدلية بين العمارة والسلوك الإنساني، حيث الفرد يصمّم بناءه ليلعب بعد ذلك المعمار دوراً كبيراً في تشكيل شخصية ساكنه وهويته ووعيه، وتصبح المسألة مركّبة أكثر حين تصبح المباني العامة (المستشفيات والسجون والمؤسسات الحكومية) أو القصور موضع البحث والنقاش.
في هذا السياق، تُعقد عند السادسة والنصف من مساء بعد غدٍ السبت في "منزل علي لبيب" في القاهرة، ندوة بعنوان "النشأة وأثرها النفسي على العمارة: قصر الأمير محمد علي نموذجاً"، ويتحدّث خلالها الباحثان المعماريان محمد عبد الرحمن فرج ومحمد خليل عطية.
يناقش المحاضران نموذج القصر الذي شيّده الأمير محمد علي (1875 ـ 1954)، ثاني أبناء الخديوي توفيق، في منطقة المنيل وسط العاصمة المصرية، ويحاكي مدخله العمارة الفارسية، وساعته مستمدة من التصاميم الأندلسية، ومسجده مبني على الطراز العثماني، بينما تكسو جدرانه زخارف شامية وتركية، حيث يحتوي المكان عناصر متناقضة.
تتناول المحاضرة نشأة الإنسان وسنوات نضوجه والتأثيرات النفسية التي تصاحبها وكيف تؤثّر بشدّة على من حوله، وتتحكّم في تفاعلاته مع محيطهه وفي اختياراته الخاصة، ويمكن القول إن تلك النشأة بالأحرى تتحكّم في ما يشيّده الإنسان من عمائر؛ الخاص أو العام منها.
يشير تقديم الندوة إلى "أن نشأة الأمير أحمد بن طولون الأولى فى مدينة سامراء (سر من رأى) في العراق جعلته يتبنى الطراز المعماري لتلك المدينة في العمائر التي شيّدها في القاهرة، وبنى على خطاها الجامع المشهور الذي يحمل اسمه".
كما أن نشأة الخديوي إسماعيل الأوروبية، معيشة وتعليماً وثقافة، أثّرت فيه لدرجة جعلت يحلمه بتحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، وتبدّى ذلك في المنشآت التي أقامها، وعلى رأسها قصر عابدين الذي يخلو من أية تأثيرات إسلامية.
ينتقل الباحثان للحديث عن قصر الأمير محمد علي توفيق، الذي أشرف بنفسه على تصميمه، في محاولة للمقارنة بين التصميم وشخصية الأمير بما تحمله من تناقضات، حيث فرصه الضائعة المتوالية لتولي حكم مصر تجسدت فى قاعة العرش التي شيدها وكأنه كان في انتظار دائم لحدث سعيد لم يأت أبداً، وكذلك خلافاته الدائمة مع العائلة المالكة، وتناقضاته المستمرة مع القوى السياسية بكافة أطيافها جعلته يحيط القصر بسور عالٍ من الحجر الصلد غير المشذب الذي يخلو من أي شكل جمالي ويمثّل حالة نفسية طاردة، كما قد يعبّر اجتماع الطرز المتناقضة في القصر عن اضطراب ثقافي، إذ إنه خصّص للسكن لا لأن يكون متحفاً.