الناشطون المصريون محبطون: زينب مهدي انتحرت

14 نوفمبر 2014
بعض ما انتشر على مواقع التواصل (تويتر)
+ الخط -

"تعبت... استهلكت... ومفيش فايدة... كلهم ولاد كلب... وإحنا بنفحت في ماية... مافيش قانون خالص هيجيب حق حد... بس إحنا بنعمل اللي علينا... أهه كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا في المراية من غير ما نتف عليها... مفيش عدل... وأنا مدركة ده... ومفيش أي نصر جاي... بس بنضحك ع نفسنا عشان نعرف نعيش". بهذه الكلمات اليائسة، ودّعت الناشطة زينب مهدي الحياة، قبل أن تصدم المجتمع المصري بأسره بخبر انتحارها شنقاً، بعد فترة عانت فيها من الاكتئاب والإحباط، من الحال الذي وصلت إليه الثورة المصرية، وحالة الانقسام التي تسود كل التيارات السياسية، وحال المعتقلين في ظل الحكم الحالي.

زينب تتمتع بعلاقات صداقة مع كل التيارات، فقد نشأت داخل جماعة "الإخوان المسلمين"، وانشقّت عنها هي ومجموعة من الشباب برفقة المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح عقب ثورة يناير. وكانت من رموز حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، وانضمّت لحزب مصر القوية الذي أسسه لاحقاً، وكانت من المعارضين للرئيس المعزول محمد مرسي. وعارضت الرئيس عبد الفتاح السيسي، وانضمت لاعتصام ميدان "رابعة" الشهير. واهتمت بملف الفتيات المعتقلات، قبل أن تدخل في حالة من الإحباط وتغلق حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتختفي عن الأنظار، وتفاجئ الجميع بخبر انتحارها.

الناشط عمار مطاوع، وهو أحد أصدقاء زينب المقربين، حاول نقل أجواء الإحباط والاكتئاب التي عاشتها، وأدّت بها لإنهاء حياتها بنفسها، فقال في تدوينة مطولة على حسابه على "فيسبوك": "حياة زينب كانت مدمرة على كل الأصعدة... نفسياً ومادياً ومعنوياً... الحلم والمستقبل كان قدامها مقفول من كل ناحية... فيه حاجات كتير ما ينفعش تتحكي وبتفضل سر مع صاحبها وبتموت معاه". وعلل مطاوع وآخرون حالة اليأس والإحباط التي أصابتها لاطلاعها على تفاصيل كثيرة خاصة بالمعتقلات في السجون المصرية، وما تعرضن له من اغتصاب وتعذيب وانتهاكات، نظراً لاهتمامها بهذا الملف في الفترة الماضية، وهو ما أوصلها للشعور بالعجز، والتوحد مع معاناتهم، والدخول في حالة نفسية سيئة.

انتحار زينب مهدي وضع المجتمع المصري بأسره في حالة من المكاشفة مع النفس، جمعت الإسلامي، واليساري، والفلول، والمؤيد للعسكر، ووضعتهم جميعاً في موضع المسؤولية عن مجتمع تقْدم فيه شابة آمنت بالثورة المصرية، وكان لديها طموحات كبيرة لبلدها كباقي الشباب الذي عايش الثورة، على إنهاء حياتها بإرادتها.

وعلى منصات التواصل سادت حالة من الحزن الشديد، والتعبير عن الإحباط الذي وصل إليه الشباب المصري، وكاد أن يصل به لنفس مصير زينب مهدي. فعبرت عنه شيرين غيث قائلة: "‏موت زينب مهدي يقتلني رغم أني لا أعرفها أو لا أتذكرها. ربما تقابلنا لكن هي رمز لحالة اكتئاب عام لكل من شم رائحة الحرية وسُرق منه هذا الحلم". وتعاطف معها الإعلامي زين توفيق في إحدى تغريداته قائلاً: "‏رحم الله الناشطة زينب مهدي التي كانت تعمل في ملف البنات المعتقلات. يبدو أنها انتحرت من هول ما رأت وعرفت".

وسادت حالة متاجرة عبر مواقع التواصل بانتحار زينب مهدي، حاول البعض استغلالها لخدمة توجهه السياسي.
حالة الإحباط التي سادت مواقع التواصل، والتي تبدو مقصودة لدرجة كبيرة لكل متابع ومحلل، دفعت البعض لبث روح التفاؤل والشد من أزر الشباب، وكان على رأسهم محمد محسوب الذي قال: "رحم الله ‫زينب مهدي، لا تمكّنوا سدنة معبد الظلم والقمع من إحباطكم. تمسكوا بالأمل فستنتصر ثورتكم، وتكتبون مستقبلاً تفاخرون به. وستذكرون ما أقول لكم"، ولفت ناشط آخر  لأمر أخطر: "أخاف على الوعي الجمعي الشبابي من التأثر بالتعاطف الرهيب مع زينب مهدي، فيكون بذلك مسوغاً للانتحار".

وعكس كل اتجاه الرأي العام الذي تقبل الواقعة ومرت على تفكيره، لم يستبعد المستشار عماد أبو هاشم رئيس محكمة المنصورة الابتدائية وعضو المكتب التنفيذي لحركة "قضاة من أجل مصر" الشبهة الجنائية في الحادث، وعبر عن دهشته من لجوء فتاة رقيقة مثل زينب مهدي للانتحار. وعبر أبو هاشم في تدوينة له نشرت على نطاق واسع، عن ذهوله من حيثيات الواقعة التي لا يجدها منطقية حسب خبرته، ولم يستبعد محاولة التخلص من زينب مهدي، على غرار ما حدث مع سليمان خاطر، المجند المصري الذي قتل جنوداً إسرائيليين على الحدود، إبان عهد مبارك، ووجد مشنوقاً في غرفته في المستشفى.

وفي حالة فريدة من نوعها، وصفها الناشطون بالخسة والتدني، لم يفوت عمرو عمارة منسق ما يدعى "تحالف المنشقين عن الإخوان"، والمعروف أنه تأسس على يد الأجهزة الأمنية، الحادث، ولوى الحقائق بعنف للطعن في الإخوان، وهو الهدف الذي رجحه المراقبون لإنشاء التحالف. وصرح لإيمان الحصري على قناة "المحور"، بأن انتحار زينب مهدي يرجع لما يعرف بفترة تأديب وعزلة من قبل جماعة الإخوان، حكمت عليها بها الجماعة، بعد إعلان رغبتها العودة لها، تقتضي اعتزالها العمل السياسي، وإغلاقها حساباتها على مواقع التواصل، كشرط لعودتها للجماعة، وهو ما لم تتحمله نفسياً، وأدى بها للانتحار.

واستمر استغلال الحادث لتصفية الحسابات السياسية، فقام الإعلامي أحمد موسى بتحميل المرشح الرئاسي السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، مسؤولية انتحار زينب مهدي، وهدده عبر برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد" قائلاً: "لو لسه عندك دم اطلع يا أبو الفتوح وقول عن سبب انتحارها.. لو عندك شجاعة اطلع وبرّد نار أهلها، ولو ماقولتش ليوم الأحد القادم، هطلع أنا للناس وأقولهم وافضحك، لو أنت راجل اطلع قول إيه الموضوع، وخليك شجاع".

المساهمون