الناشطات الصوماليات وتهمة الأنوثة

09 يوليو 2015
الدكتورة حواء عبدي وابنتها (Getty)
+ الخط -
هل تتصور يوماً ما أن تقضي حياتك في بلاد بلا أي مؤسسات.. حيث لا حكومة ولا برلمان ولا شرطة ولا قضاء؟ في الصومال عاش الناس عقداً من الأناركية، حيث العاصمة مقسمة وفق مناطق نفوذ يسيطر عليها زعماء فصائل عشائرية مسلحة، وترتكز قوة العشيرة وتأثيرها على ما تملكه من سلاح، وعلى عدد شبابها المنخرطين في المليشيات. ويكون معيار القوة هو جسارة أفراد المليشيا على ارتكاب أي نوع من الجرائم من دون أن يرفّ لهم جفن.

في ظل هذه الظروف، ظهرت مجموعة من الناشطين والنّاشطات، هدفهم هو إحداث التغيير بدون ضجيج، وكانت الخطة في البداية فتح مدارس ومعاهد لتعليم اللغات والمهن والحرف، لسحب الشبيبة من المليشيات ودمجهم في عملية السلام.


لم يكن دربهم سالكاً، فالتّهم كانت لهم بالمرصاد، وأكبرها "الكفر والتبشير بالنصرانية" في مجتمع مسلم 100%، وهذه كافية لقتل الإنسان بدون محاكمة، إذ لا أحد يرحب بالمحاكمات في ظل الأناركية الحاكمة وقتها. وكان الأستاذ "ألمن علي أحمد" في منتصف التسعينيات قد قتل بتهمة التبشير بالنصرانية، وكان الدليل الأكبر في إزهاق روحه هو إطلاق شعره وتضفيره، وتعهده بألا يحلقه إلا أن يعود الاستقرار للبلاد.

وفي "جالكعيو" عاصمة محافظة "مدغ"، أسست الناشطة "حواء آدن" المعروفة بـ"ماما حواء" مركزا للتنمية والسلام وخصّته بالنازحات، وهو مركز لمحو الأمية والتعليم المهني، ورعاية الأم والطفل في المساء، وفي الصباح مدرسة لبنات العائلات الفقيرة من المدينة، وبنات الأسر النازحة، ووفرت ملاجئ لرعاية ضحايا العنف الجنسي.

صُدم أبناء المدينة بهذه المؤسسة وارتابوا فيها، وهاجمها الخطباء من منابرهم، وقاد الشيوخ مظاهرات حاشدة ضدها، ورموها بالحجارة، ونشروا الشائعات حول الناشطة، وناشدوا الآباء بعدم إرسال فتياتهم للمدرسة، لأنها توزع عليهم حقائب مدرسية عليها صلبان وفيها أناجيل، ووسط التحريض نُهبت المدرسة وحطّمت سيارتها.

الجدير بالذكر أن هذه المدرسة الآن من أكبر المدارس في "بونتلاند"، وحازت في عام 2012 جائزة "نانسين" للاجئين التي تقدّمها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة سنويا.

وبعد سنوات من عمل النشطاء في مجالات التعليم والصحة، بدأ المجتمع المحلي يتقبلهم إلى حدّ ما، فقد حاصر مقاتلو "حركة الشباب" في ذروة قوتهم، مجمع الدكتورة "حواء عبدي"، ولكنهم غادروا بعد تصدّي السّكان لهم، ورفضها المغادرة، ووقف العمل في المجمع الذي يضم مستشفى يحمل اسمها ومخيماً لإيواء النازحين، وكانت تديره مع ابنتيها، وكلتاهما طبيبتان. 
وفي عام 2011م، حين ضربت موجة الجفاف والمجاعة جنوب البلاد، استضاف المجمّع 90 ألف شخص. لم تتركها "حركة الشباب" تواصل أعمالها، إذ أجبرتها على وقف عملها، واضطرت إلى مغادرة البلاد في عام 2012. وتقديراً لجهودها، رشحت لنيل جائزة نوبل للسلام. وسبق لمجلة غلامور أن اختارتها وابنتيها للقب "woman of the year" في عام 2010.

إن الفرق بين النشطاء في الصومال وبين أقرانهم في العالم يكمن في أنّهم يمارسون نشاطهم على أرض الواقع، ولا يبدؤون حملاتهم في العالم الافتراضي. ومع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، بادر النشطاء من كلا الجنسين إلى الانضمام لهذه الشبكات، للتواصل. وهنا تعرضن لمضايقات، ليس بسبب نشاطاتهن فحسب، بل لكونهن إناثا. فقد ذكرت "سَغَل عبدالرزاق" في أحد منشوراتها على فيسبوك، أن الشرطة أوقفت سيارتها ووبّخت سائقها، لأنه راضٍ بالعمل تحت امرأة. "سغل" مستشارة الشؤون الدستورية تقول: إن الشرطة لا تسمح لها بالمرور، وإن كان لها أسبقية المرور، لأنها وفق المصطلح الصومالي لا تساوي سوى "50 ناقة"، بينما السائق الآخر يساوي "100 ناقة"، إشارة للدية المفروضة للمرأة والرجل، وفق العرف الصومالي.

وقد يُعجب أحدهم بفكرة لكاتبة صومالية فيعلق: "سبحان الله! كلامها منطقي مع أنّها امرأة"، أو قد تستفزّه مقالة لامرأة فيعلق: "صوت المرأة عورة.. ألا يوجد في عائلتك رجل يؤدّبك؟".
أما الشاعرة "زهراء كوشن" الحائزة على ثلاث جوائز أدبية أوروبية، وكبيرة مستشاري وزارة التعليم البونتلاندية للشؤون الجنسانية Gender Issues فتشتكي من رسائل تصلها من رجال أزعجتهم ابتسامتها، وأحدهم يقول لها: "أنت لست امرأة صومالية، فالرجل الصومالي لا يحب المرأة التي تظهر أسنانها وتعرض صورتها وهي تضحك.. وكل امرأة صومالية تعرف ما هو المقبول وما هو غير المقبول.. أنت لست صومالية أصيلة".

إن الناشطات الصوماليات غالباً ما يكنّ سيدات في الخمسينيات أو الستينيات، بينما يكون دور الشابات أقل تأثيراً إلا إذا كن يعملن في إطار عائلي، كأرملة "إلمن" وابنتيها، وابنتي الطبيبة "حواء عبدي".

فهل سيكون التحسن الأمني الطفيف دافعاً لانخراط فتيات شابة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية؟ وهل بلغ المجتمع من النضج للقبول بالمرأة كعضو فاعل؟ هذا ما سنراه في النتيجة التي ستحصل عليها الدكتورة "فاطمة طيبط" خريجة هارفارد والمرشحة لانتخابات 2016، التي قد تنعقد أو لا تنعقد.

(الصومال)
المساهمون