أهم ما يميز احتفالات المولد التي تمتد شهرا كاملا، المدائح النبوية التي تقام لها فعاليات في أماكن مفتوحة، وعلى وقع رقصات شعبية وألعاب فلكلورية.
في الزوايا الصوفية، تقام ليال عامرة بالابتهالات والمدائح النبوية والأذكار، حيث يتحلق المريدون حول الشيخ، ينشدون ميمية البوصيري في المديح، وأشعار ابن الفارض وغيره من شعراء الصوفية.
فى حفلات المديح، يحضر "الطبل" التقليدي فقط، دون أدوات موسيقية أخرى، وتختار الكلمات وفق أوزان خاصة بالشعر الشعبي المعروف بـ"لغن". يختار المدّاحون الليالي المقمرة لبدء جلسات المديح التي يحضرها المئات، ويتنافس الشعراء في ارتجال الأبيات و"الكيفان" تفاعلا مع المنشدين والمداحين.
وقالت الكاتبة فاطم بنت محمد فال، لـ"العربي الجديد": "قديما، كان الناس يحيون ليلته بالمديح والفلكلور، ويمضون يوم فرح مضمخ بمحبة الرسول، حيث يتحلق الجميع حول المداحين، ومنهم من يقصد بيوت الفنانين ليعيش أجواء احتفالية".
وتضيف بنت محمد فال، أن "بين عادات الاحتفال بالمولد أن يأخذ طلاب المدارس الأهلية (المحاظر) عطلة ثلاثة أيام قبله، وتعرف بـ(قرود)، ويرتدي الرجال ملابس جديدة، وتتخضب النساء بالحناء، ويتزيَّنَّ بمختلف أنواع الزينة، وتختار المرأة (الملحفة)، وهي الزي النسائي من نوع (النيله) لونها أسود فاحم، أو(صفانه)، أما الآن فمن أنواع مختلفة وبألوان متنوعة".
وتؤكد أن إحياء ليالي المولد بالمديح هو السمة الأبرز، "السهرات تقام تحت ضوء القمر وقرب الموقد (الحفرة) والمقطوعات الشعرية باللهجة الحسانية تعتمد وقائع السيرة النبوية والغزوات والشمائل المحمدية".
ويقول اباه ولد بداه، وهو إمام مسجد وباحث في العلوم الشرعية، لـ"العربي الجديد": "ذكرى مولد النبي عزيزة على كل المسلمين، ويحرص كثيرون على تخليدها، وفي المجتمع الموريتاني تتنوع أساليب تخليد الذكرى، فهناك من يبدأ تخليدها مطلع شهر المولد بمدارسة السيرة في المساجد والبيوت بحضور الكبار والصغار، وتشمل تلك المدارسة قراءة بعض الكتب الشهيرة مثل (قرة الأبصار) و(سيرة ابن هشام) وكتاب (الشفاء) للقاضي عياض، والشمائل لولد متالي، ومنهم من يحيي شهر المولد بمدارسة قصائد المديح وحفظها، ومنهم من يبدأ تخليده يوم المولد بلبس الثياب الجديدة وتوزيع الحلوى وزيارة الأهالي".
ويقول الهادي المنير، وهو باحث مهتم بالتراث، لـ"العربي الجديد": "تخلد ذكرى المولد النبوي في موريتانيا بمجالس المديح تبدأ مع أول ليالي ربيع اﻷول، وتصل ذروتها في ليلة 12 من الشهر. ويختلف مضمون الجلسات وسهرات المديح من منطقة ﻷخرى حسب الجهة وحسب الاتجاه الفكري أو الطريقة الصوفية، فتشدوا حناجر المنشدين بقصائد المديح، مثل الميمية للبوصيري والهمزية وقصائد شعراء القطر، مثل تهنئة الربيع لبدي بن سيدينا، وصلاة ربي للشيخ محمد اليدالي، وغير ذلك من المدائح، إضافة إلى إنشاء الشعراء قصائد مديح يلقونها في مثل هذه الحلقات".
وأكد ولد المنير أن هناك تقليدا راسخا لدى "المحاضر الشنقيطية، وهو أن تتوقف الدروس العلمية أيام ربيع الأول، وتخصص الأيام لسيرة النبي والليالي للمديح، وفي يوم 12 يلبس الصغار الجديد ويتزاور الكبار. ولا توجد عبادة مخصوصة تقام فيه. وفي المناطق الشرقية من موريتانيا، تبدأ المظاهر الاحتفالية من يوم 12 وتستمر أسبوعا كاملا".
ويعتبر المنير أن الجدل الذى تشهده موريتانيا موسميا بشأن مشروعية الاحتفال بالمولد لم يكن موجودا فى السابق، "كان يوجد شبه إجماع في موريتانيا على إحياء ذكرى المولد، لكن في العقود اﻷخيرة، ومع ظهور التيار السلفي، أصبحنا نلاحظ في كل سنة جدلا كبيرا، خصوصا في الأوساط العلمية. ويتجاوز هذا الجدل في كثير من أوقاته حدود اﻷخلاق الإسلامية بكيل كل طرف التهم للطرف الثاني من الابتداع والضلال، ولا شك أن لذلك اﻷثر الكبير على الساحة".