ومنذ ساعات الصباح الأولى لليوم الأربعاء، شهدت سماء الموصل تحليقا مكثفا لطائرات التحالف الدولي بمختلف أنواعها على وقع أصوات الاشتباكات العنيفة التي كانت تخوضها القوات العراقية على أكثر من جبهة، بينما واصلت مئات الأسر فرارها من مناطق القتال في ظروف بالغة الخطورة.
ووفقا لمصادر عسكرية عراقية، فإن "محاور الموصل باتت خطوط تماس بين القوات الأمنية العراقية وعناصر تنظيم "داعش"، ولا يفصل بينهما في بعض محاور القتال أكثر من خمسين مترا"، مؤكدة أن "القوات العراقية تخوض معارك شرسة للغاية في أحياء الموصل ضد مقاتلي "داعش"، الذين استخدموا آلاف المدنيين دروعا بشرية".
ويحاول التنظيم وقف تقدم القوات العراقية بـ"تفخيخ كل شيء، من السيارات والبنايات والشوارع، فضلا عن نشر عشرات القناصة الذين يختبئون في أماكن يصعب إيجادها في مناطق سيطرة التنظيم".
وقد عبّر ضباط في الجيش العراقي عن تفاؤلهم الكبير بحسم معركة الساحل الشرقي لمدينة الموصل خلال الأيام القليلة المقبلة، مستغلين حالة الانهيار الكبير والتراجع في قوة دفاع عناصر التنظيم عن الأماكن التي يتواجدون فيها.
وقال العقيد حسين كاظم، من قوات مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حالة انهيار واضحة وتراجعا كبيرا في إصرار مقاتلي تنظيم "داعش" على الاحتفاظ بمواقعهم في مناطق شرق الموصل، بسبب التقدم السريع للقوات العراقية، والدعم الكبير الذي حصلت عليه خلال تقدمها واستعادتها للعديد من المناطق خلال الأيام الماضية".
من جانبه، قال اللواء معن السعدي، قائد العمليات الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية تمكنت هذا اليوم من السيطرة على أحياء المالية وسبعة نيسان"، مضيفا أن "قوات مكافحة الإرهاب تخوض حاليا معارك عنيفة في أحياء الصديق والعدالة"، مرجحا "تمكن القوات العراقية من السيطرة على هذين الحيين خلال الساعات المقبلة".
وأكد السعدي، أيضا، أن "قوات مكافحة الإرهاب تقف على مقربة من موقع ضريح النبي يونس، والمجمع الحكومي في منطقة المجموعة الثقافية شرقي الموصل"، موضحا أن "نحو 80 في المائة من مساحة الساحل الشرقي باتت تحت سيطرتنا".
وفي جنوب الموصل، أعلنت قوات الشرطة الاتحادية عن تمكن قواتها من استعادة السيطرة على حيي السلام والساهرون، الواقعين جنوب شرق المدينة، بينما تواصل قوات أخرى من الجيش العراقي عمليات البحث والتفتيش في مناطق فلسطين ودوميز، المستعادة أخيرا من قبضة تنظيم "داعش".
ومن جنوب الموصل إلى شمالها، تواصل قوات الجيش العراقي خوضها لمعارك عنيفة ضد عناصر "داعش" في حي الحدباء شمال المدينة بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي.
وقال قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، والذي أسند إليه مؤخرا قيادة المحور الشمالي في الموصل، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الجيش العراقي تمكنت من السيطرة على أجزاء واسعة من حي الحدباء، فضلا عن إخلاء مئات الأسر التي كانت محاصرة في المنطقة".
وأكد الجبوري أن "قوات الجيش العراقي تخوض حاليا معارك ضارية في أجزاء من حي الحدباء"، مؤكدا "تمكن طائرات التحالف الدولي من تدمير خمس عجلات مفخخة يقودها انتحاريون من تنظيم "داعش" كانت تحاول استهداف قطعات الجيش التي تحاول التقدم في المنطقة".
في غضون ذلك، فتحت قوات الجيش العراقي محورا جديدا للهجوم على مناطق شمال الموصل، بعد تباطؤ قوات الجيش في تحقيق تقدم في هذا المحور منذ انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المدينة.
وأعلن العميد علي المحمداوي أن "قوات الجيش العراقي من "الفرقة 73" وقوات جهاز مكافحة الإرهاب تمكنت، في عملية عسكرية انطلقت خلال ساعات الليل أمس، من اقتحام حي الصديق، الواقع شمال شرق الموصل، والسيطرة عليه بوقت قياسي".
ولفت المحمداوي إلى أن "فتح محور جديد في المناطق الشمالية للموصل سيسهم في تسريع العمليات العسكرية، ودعم قوات الجيش التي تخوض معارك في حي الحدباء، بعد تباطئها في التقدم خلال الفترة الماضية".
من جهة ثانية، وصلت إلى مخيم الخازر، خلال اليومين الماضيين، أكثر من ثلاثة آلاف عائلة من سكان الموصل، بعد نجاحها في الخروج من مناطق شرق المدينة، التي مازالت تشهد اشتباكات عنيفة بين القوات الأمنية العراقية وعناصر تنظيم "داعش".
وأكد موظفو إغاثة يعملون في مخيم الخازر، لـ"العربي الجديد"، أن "مدينة الموصل تشهد نزوح أكثر من ألف شخص يوميا باتجاه مناطق شرق المدينة، هربا من العمليات العسكرية المستمرة".
واضطرت أغلب العوائل التي نزحت خلال اليومين الماضيين إلى الهرب من منازلها والسير لمسافات طويلة نحو المناطق التي سيطرت عليها القوات الأمنية في وقت سابق، بينما أكد سكان محليون، لـ"العربي الجديد"، مقتل وجرح العشرات من المدنيين بالقصف المتبادل، ما أجبر ذويهم على دفنهم في ملاعب كرة القدم، أو داخل حدائق المنازل، بعد تعذر نقلهم إلى مدافن المدينة".
وأفاد صالح المتيوتي، النازح من حي المالية شرق الموصل، لـ"العربي الجديد"، بأنه شاهد جثث عشرات القتلى في الشوارع التي مر بها أثناء فراره مع أفراد عائلته نحو منطقة كوكجلي.
وأوضح أن "بعض الجثث تعود لعناصر "داعش" وأخرى لمدنيين قتلوا خلال محاولتهم الهرب نحو المناطق الأكثر أمنا في شرق المدينة"، مؤكدا "غياب الدور الحكومي في إنقاذ العوائل المحاصرة أو محاولة إسعافها ونقل الجرحى وإيصال المساعدات الإنسانية لهم".
وكانت مصادر عسكرية عراقية قد تحدثت عن سعي القوات العراقية إلى فتح ممرات آمنة للعوائل المحاصرة في المناطق التي تشهد حاليا عمليات عسكرية، إلا أن مصادر محلية أخرى أكدت استحالة فتح هذه الممرات بسبب ضراوة القتال والقصف العشوائي المتبادل الذي يستهدف كل شيء في الموصل.