الموصل: الانتقال للساحل الأيمن في أسبوعين والحسم قبل 2017

14 نوفمبر 2016
في حي كركوكلي داخل الموصل أمس الأحد(أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت معارك اليوم الثامن والعشرون بمدينة الموصل تطورات جديدة لمصلحة القوات العراقية، تمثلت بحسم القتال في عدد من الأحياء السكنية والانتقال إلى أحياء أخرى تعتبر ذات أهمية استراتيجية ومعنوية في معركة استعادة الموصل من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وفي حين تخشى قيادات عسكرية عراقية من مفاجآت للتنظيم بدوافع انتقامية في حال وصوله إلى الرمق الأخير داخل المدينة، تكشف مصادر عسكرية وأخرى سياسية في بغداد، أن الخطة تقضي بأن تتمكن القوات العراقية من اجتياز الساحل الشرقي للموصل، وأن تعبر نحو الساحل الأيمن، في غضون أسبوعين، وأن تنتهي معركة الموصل بالكامل قبل بداية عام 2017.

وتقدم الجنود العراقيون في أحياء الموصل تحت غطاء واسع من مروحيات أميركية وأخرى من طراز "مي 35" الروسية التابعة للجيش العراقي. وأمام هذا الزحف غير المألوف بالنسبة لقيادات "داعش"، أمر هؤلاء بزج أعداد إضافية من عناصر التنظيم المعروفين باسم "كتائب الانغماسين" في المعركة، أملاً بوقف تقدم القوات المهاجمة. ولعل المفارقة التي أحدثتها هذه القوات ناجمة عن ارتفاع عددها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إلى أكثر من 30 ألف مقاتل، مدعومين بوحدات خاصة مدربة على يد المستشارين الأميركيين، والتي تتمثل مهمتها بإيقاف العمليات الانتحارية عبر القذائف الحرارية المحمولة على الكتف، والتي تعتبر أحدث الأسلحة التي سلمتها واشنطن لبغداد.

وقال مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى لـ"العربي الجديد" إن "القوات العراقية قد تتمكن من عبور الساحل الأيسر وهو الأكثر أهمية والأكبر مساحة، الذي يتميز بثقل سكاني، خلال أسبوعين أو أقل، لتعبر بعدها إلى الساحل الأيمن عبر نهر دجلة". وأضاف أن "السيطرة على الساحل الأيسر الذي يضم المباني الحكومية والمنشآت السيادية والمدينة الأثرية هي بمثابة سيطرة على المدينة"، معرباً عن اعتقاده أن "داعش" سينهار بعد سيطرة القوات المهاجمة على الساحل الأيسر "وقد ينسحب بسرعة من جانب المدينة الأيمن"، وفق قوله. ووصف الوضع في المدينة حالياً بأنه "حرب شوارع مستمرة"، لافتاً إلى أن "داعش يحاول تأخير حسم المعركة". وتوقع الجنرال العراقي وهو أحد القادة الميدانيين في المعركة، مفضلاً عدم ذكر اسمه لحصر حكومة بغداد التصريحات الرسمية بخلية الإعلام الحربي، أنه "في مطلع عام 2017 لن تكون هناك أي آثار للتنظيم في الموصل أو ضواحيها".

وحول المعارك والتطورات الميدانية، تحدث العقيد الركن من اللواء الرابع بقوات الجيش الذي ينتشر في حي الزهراء شرقي الموصل، سالم الجوعاني، لـ"العربي الجديد"، مبيناً أن القوات المهاجمة باتت تسيطر على نحو 15 حياً سكنياً، بشكل مطلق، وأن هناك أربعة أحياء تدور فيها اشتباكات عنيفة من أجل السيطرة عليها. وأضاف أن أحياء الشيماء والميثاق والوحدة والسلام والقدس والكرمة وعدن والزهراء والإخاء والسماح والانتصار والتلفزيون وكوكجلي والملايين وسادة بعويزة، بات تحت إشراف القوات المنخرطة في معركة تحرير الموصل، وهي تقع في مناطق شرق وشمال شرق وشمال الموصل عبر الساحل الأيسر، فيما لا تزال المعارك ساخنة في أحياء عربجية والقادسية والبكر والمثنى، وغير محسومة، بحسب قوله. وتابع أن "داعش يستخدم هجمات خاطفة وعمليات انتحارية بكثافة لوقف هذا التقدم".


إلا أن مصادر أخرى في الجيش العراقي أكدت أن السيطرة على بعض الأحياء التي ذكرها الضابط الجوعاني غير محسومة وتكاد تكون بالتناوب، إذ ينسحب منها الجيش العراقي ليلاً ويعود إليها نهاراً، بسبب الهجمات الليلية التي ينفذها "داعش"، والتي تستنزف القوات العراقية. وشهد أمس الأحد، وفقاً للمصادر ذاتها، تنفيذ أكثر من 20 عملية انتحارية تمكنت القوات المشتركة من صد 7 منها، وتفجير العربات المفخخة قبل وصولها إلى الهدف.

في هذا السياق، قال محافظ نينوى، نوفل العاكوب، إن "مساحة الأحياء المحررة تقدر بـ25 في المائة من مساحة الساحل الأيسر لنهر دجلة". وأوضح في تصريحات صحافية أن أكثر من مليون مدني محاصرون داخل الموصل، ونصفهم في الساحل الأيسر، وأن المعارك تجري قرب منازلهم، لافتاً إلى أن ذلك "أجبر القوات العراقية على التخلي عن الأسلحة الثقيلة في المعارك ووقف القصف الذي تشنه المقاتلات عليها".

ووصف عضو مجلس مدينة الموصل المحلي، واثق العيدي، الوضع داخل أحياء المعارك بأنه مخيف ومقلق. وقال في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المعارك تجري بين الأزقة وداخل شوارع وأحياء المدينة وهناك عائلات ونساء وأطفال داخلها"، مشيراً إلى أن "المعارك الآن أشبه بعملية جراحية معقدة لاستئصال ورم خبيث من جسم معافى". وبيّن أن "التنظيم بات يثير الهلع في نفوس السكان لدفعهم إلى الخروج من المنازل على شكل موجات بشرية، باتجاه قوات الأمن، وهو تكتيك لم نكن نتوقعه من قبل"، وفق تعبيره. وأوضح أنه في السابق كان "داعش" يتخذ المدنيين دروعاً بشرية، لكنه الآن "يريد الدفع بهم باتجاه القوات المهاجمة لإرباك الخطوط كلها".

وارتفع عدد الفارين من الموصل لغاية مساء أمس الأحد، إلى أكثر من 50 ألف مدني، غالبيتهم من النساء والأطفال. ووصلت نحو 200 عائلة أمس إلى مخيمات عدة حول الموصل. وكان بين النازحين أكثر من 40 جريحاً بعد سقوط قذائف هاون يقول الجيش العراقي إن تنظيم "داعش" هو من أطلقها بعد فرار العائلات من أحياء الموصل الشرقية.

وأكدت مصادر أخرى أن "داعش" بدأ يملأ الساحات العامة والحدائق والشوارع بالنفط الأسود في الوقت الذي سارع فيه إلى تفخيخ كل شيء متاح أمامه خلال اليومين الماضيين. ويتعلق الأمر بورقة أخيرة سيستخدمها التنظيم على ما يبدو، حال انهيار قواته المقاتلة على الأرض، وهو ما يجعل المدينة وساكنيها أمام مخاطر محدقة.

اقتحام النمرود
وبعيداً عن أحياء الموصل الشرقية، نجحت القوات العراقية وتحت مظلة جوية واسعة لمقاتلات "التحالف الدولي"، في اقتحام مدينة النمرود، أحد أبرز مدن العراق الأثرية والواقعة على بعد 30 كيلومتراً جنوب الموصل، وسط دمار كبير لحق بها وبمعالمها التاريخية التي تمتد لآلاف السنين. وقال قائد عمليات الجيش العراقي في معركة الموصل، الفريق الركن عبد الأمير رشيد، في بيان صحافي، إن "القوات العراقية المشتركة حرّرت بلدة النمرود في المحور الجنوبي الشرقي للموصل بالكامل، ورفعت العلم العراقي فوق مبانيها"، مؤكداً "تكبيد داعش خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات".

لكن مسؤولاً آخر في الجيش العراقي، العقيد محسن الخالدي، أكد لـ"العربي الجديد" أن "المعركة لا تزال مستمرة في أطراف المدينة الغربية حيث يتحصن مقاتلو داعش". وأضاف أن 90 في المائة من المدينة بما فيها الموقع الأثري باتت تحت سيطرة القوات العراقية المشتركة. وذكر أن المعارك والعمليات الإرهابية لـ"داعش" دمرت أغلب معالم المدينة بما فيها المعبد الآشوري وبرج الغفران والثيران المجنحة والزقورات وغيرها من الآثار الآشورية للمدينة، بما فيها سور المدينة الذي يصل طوله إلى 8 كيلومترات ويطلق عليه "الحامي".

وأفادت مصادر محلية عراقية داخل المدينة بأن عددا كبيرا من العائلات العراقية لا تزال في البلدة، في وقت تجري فيه عمليات تفتيش لتطهير المنطقة بسرعة، مؤكدة أن جزءا من دمار المدينة الأثرية جاء بسبب القصف الجوي للطائرات خلال المعركة.

وتعدّ مدينة النمرود من أبرز المواقع الأثرية في العراق، وهي مدينة أثرية آشورية كانت تعرف باسم كالخو، بنيت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على ساحل نهر دجلة، وأصبحت في القرن التاسع قبل الميلاد عاصمة الإمبراطورية الآشورية الحديثة في زمن الملك آشور ناصر بالي الثاني. وبعد احتلالها من قبل تنظيم "داعش" في العاشر من يونيو/حزيران 2014، عمد إلى تدمير التماثيل والنصب وسرقة أخرى، لا أحد يعلم ما هو مصيرها حتى الآن. ونشر التنظيم فيديو لعناصره وهم يدمرون المدينة، مستخدمين آليات ثقيلة ومطارق كبيرة، ومن ثم فجّر المدينة وسواها بالأرض.