في وقت ترتفع فيه معدلات الموت في العراق إلى أعداد غير مسبوقة، بسبب سيطرة التنظيمات المسلحة والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة على أغلب مدن البلاد، تنتعش مهن من يعتاشون من موت الآخرين.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قتل 1232 عراقياً، وأصيب 2434 آخرين، بحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، فيما قتل بحسب البعثة نفسها، أكثر من 1273 عراقيا وأصيب 2010 آخرين خلال المواجهات المسلحة وأعمال العنف في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبذلك فإنّ الشهرين الأخيرين يعتبران الأكثر دموية في العراق عام 2014 بعد أن صعدت فيهما أرقام الموت إلى نسبة تزيد عن 10 بالمائة عن الأشهر السابقة.
كما أعلن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ميلادينوف، أنّ أكثر من 12 ألف شخص قتلوا في العراق منذ بداية العام الجاري. بينما أصيب ما لا يقل عن 22 ألف شخص. وهي حصيلة يبررها القتل اليومي المنتشر في أنحاء البلاد، إنْ في المواجهات المسلحة أو في العمليات الإرهابية من هجمات وسيارات مفخخة وقصف وسوى ذلك.
لكنّ الموت رغم مرارته كان سبباً في انتعاش بعض المهن المرتبطة به، ومنها حفر القبور، وغسل الموتى، وبيع الأكفان، وتأجير السيارات المخصصة لنقل الموتى، بالذات إلى محافظة النجف في جنوب العراق.
وعن ذلك يقول أبو حيدر، الذي امتهن حفر القبور في مقبرة النجف (المقبرة العامة لشيعة العراق)، إنّه لم يكن يفكر يوما أن يصبح حفارا للقبور، كون هذه المهنة غير مستحبة، ولا يفضلها المجتمع العراقي، لكنّ الفقر الذي تعاني منه المحافظات الجنوبية دفعه للعمل في هذه المهنة الشاقة. ويضيف أنّه يضطر أحياناً للذهاب الى المناطق الساخنة، والبحث عن الجثث التي أوصاه عليها أهل الضحية، لينقلها بعدها الى مقبرة النجف.
ويوضح أبو حيدر في حديثه مع "العربي الجديد" أنّه يتقاضى 150 ألف دينار عراقي (120 دولاراً أميركياً) عن كل قبر. ويلفت إلى أنّ "كثرة حوادث القتل، واستقبال المقبرة مئات الجثث يوميا دفع بعض المتنفذين في المحافظة للسيطرة على أمور الدفن عبر مكاتب خاصة بهم نعمل من خلالها، ويتقاضون بين 30 و50 بالمائة من أجور الدفن".
ويضيف أنّ وجوده في المقبرة بشكل دائم، أتاح له كذلك تعلم مهنة أخرى هي غسل الموتى، التي يتقاضى عليها أجراً إضافياً غالبا ما يكون بعيداً عن أعين مكاتب دفن الموتى.
منافسة إيرانية
يشتكي أبو حيدر من استقدام بعض المكاتب عمالاً إيرانيين، من بينهم عدد كبير ممّن يعملون في دفن الموتى في النجف وكربلاء. ويشير إلى أنّ هؤلاء الوافدين يحظون بأولوية العمل لحفر القبور وغسل الموتى وبيع الأكفان، فضلاً عن عملهم كسائقين للحافلات التي تقل جثث الموتى من المحافظات الجنوبية إلى مقبرة النجف.
وفي السياق نفسه، كشف نائب محافظ كربلاء، علي الميالي، عن استعداد المحافظة لاستقبال 2000 عامل إيراني، وعدد من الآليات اللازمة من أجل عملهم في العراق. وأكد في بيان أنّ المحافظة أنهت كافة الاستعدادات لدخول الكوادر والآليات الإيرانية بعد توفير أماكن المبيت والفراش والبطانيات والطعام الذي يكفي لثلاث وجبات يومية.
ويوضح مسؤول مكتب الجنوب لدفن الموتى لـ"العربي الجديد" أنّ العمليات العسكرية، التي تشهدها مدن العراق، ضاعفت الجهود على العاملين في المقابر، وخصوصاً بعد استقبال مقبرة النجف للمئات من عناصر الجيش والشرطة والحشد الشعبي (قوات شعبية موالية للحكومة) التي ترد من ساحات القتال، بالإضافة إلى الجثث المجهولة، التي يتم العثور عليها في الطرق والساحات العامة. ويشير إلى أنّ العمل في المقبرة يعتمد على التمويل الذاتي ولا يحظى بأي دعم حكومي ما تسبب بارتفاع تكاليف حفر القبور وغسل الموتى ودفنهم.
في المقابل، صوت مجلس محافظة النجف في وقت سابق على تخصيص أراضٍ في مقبرة النجف لدفن قتلى الحشد الشعبي من أبناء المحافظة. وقالت رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في المجلس، سناء الموسوي، إنّ هذا القرار "لن يشمل شهداء باقي المحافظات". وأوضحت ان المجلس صوت أيضاً على تخصيص 25 مليون دينار (22 ألف دولار) للتكفل بأجور غسل ودفن قتلى الحشد الشعبي من محافظة النجف.