23 يونيو 2017
الموت القادم إلى الفلوجة
أحمد القثامي (السعودية)
الفلوجة فصل جديد في كتاب العراق الأسود، وحكاية انتقام بطوفانٍ من الموت الذي ستنزل حممه جحيماً ملتهباً على رؤوس أكثر من 100 ألف نسمة، يرزحون تحت حصار خانق، منذ ما يربو على العامين، إذ كابدوا من فاقة الجوع والقصف الذي يحصد من الأرواح البريئة لأطفال ونساء وشيوخ، والتهمة دائماً هي داعش، التنظيم المتطرّف الذي أوجدته طائفية نظام بغداد السياسي المتآكل، والذي أغرق العراق في مستنقع كبير من الفوضى والدمار والمذهبية الكريهة، تيسيراً لمهمة الآخرين، ليعبثوا فيه كيفما شاءوا، حيث أمسى بلد الحضارات يُحكم من أرذل مجرمي نظام طهران الدوغمائي ذي العقلية المتحجرة.
أكذوبة محاربة داعش بتدمير المدن، وقتل المئات وتهجير عشرات الآلاف، ليست إلا محاولة لترميم نظام سياسي كرتوني متداعٍ، تُحركه إرادة مليشيات طائفية بوصلتها إيران، ليس للشعب العراقي، بمختلف قومياته ومذاهبه، أي مصلحة في كل ما يحدث، بل لا يمتلك القدرة على التعبير عن معاناته، حتى تلك الاحتجاجات التي شهدتها بغداد أخيراً، لم يكن محرّكوها يبتغون إلا الضغط للحد من هيمنة تيار نوري المالكي المتحكم في السلطة، فهم جزء من المنظومة الحاكمة، ومن السذاجة الاعتقاد أنهم يسعون إلى إسقاطها، أو أن الحياة البائسة للمواطن حرّكت مشاعرهم الوطنية ضد جمهورية الفساد القائمة.
تنظيم الدولة ومليشيا الحشد الشيعية، وجهان لعملة واحدة، لا تعرف سوى الإرهاب، فأي مكسبٍ تراه تحقق لسني أو شيعي من وجودهما؟ لكن عين العالم عوراء لا ترى سوى داعش، بل تُمعن في الجوْر، وتساعد المليشيا الشيعيّة في القصف، وتترك الباب مشرعاً للإيرانيين، ليمدّوها بالعدة والعتاد والمقاتلين أيضاً.
وليس خافياً أنّ وجود الطيران الأميركي هو كلمة السر لسقوط أي مدينةٍ بيد المليشيات الطائفية التي لا تظهر لها بسالةٌ تذكر إلا على المدنيين العزل، فتعاملهم بمنطق الغزاة المحتلين، حيث لا حصانة لمقدس، فتطبق أشنع أشكال التطهير الطائفي، ويعاقبون الرهينة ويفلت الخاطف.
لم يعد الأمر مجرد مسخ لهوية العراق، ومحو أي جامع وطني لشعبه، بل الإفناء المتعمد لأي مكونٍ لا يمتثل لرغبة التفتيت الممنهج الذي سيبلغ ذروته بالتقسيم، وأهم استراتيجية تُتبع في سبيل ذلك هو التدمير النفسي، حتى يكون شعور المواطن الابتهاج بالانفصال، حينما يكون الخيار المتاح هوالحصول على كانتون مذهبي أوعرقي، فيصبح عدوه الأكبر هو من كان يوماً شريكاً في وطن انمحى واندثر.
لن يعود هناك لدى إنسان مقهور، يستشعر الخطر على وجوده، لمجرد انتمائه الديني أو العرقي، أي معنى لقضايا الأمة أو التفكير بديمقراطية، بل ستكون أعظم أمنياته مجرد الحياة بأي لون أو طعم متاح، فمن يُغذّي الكراهية الدينيّة والتمييز العنصري، يعلم يقيناً أنه وباءُ متفشٍّ كالنار في الهشيم، سيطال المنطقة بأكملها، في ظل نظام عربي رسمي عاجز وفاقد للإرادة، حتى الغرب تخلى عنهم، لأنه يدرك أن العمر الافتراضي لهذه الأنظمة الوظيفية انتهى، فمن ترك داعش تنمو وتتضخم كان يستبقيها لهذه اللحظة، ليس من قبيل البراعة في رسم المؤامرة، بقدر ما هو استغلال للظروف السيئة لبلاد لم تعرف، في تاريخها المعاصرة، سوى النكبات والهزائم والقمع على يد الغزاة والطغاة، فالفلوجة ليست آخر حكايات الموت الجماعي والتشريد، بل القادم في جعبته من المرارة أكثر.
أكذوبة محاربة داعش بتدمير المدن، وقتل المئات وتهجير عشرات الآلاف، ليست إلا محاولة لترميم نظام سياسي كرتوني متداعٍ، تُحركه إرادة مليشيات طائفية بوصلتها إيران، ليس للشعب العراقي، بمختلف قومياته ومذاهبه، أي مصلحة في كل ما يحدث، بل لا يمتلك القدرة على التعبير عن معاناته، حتى تلك الاحتجاجات التي شهدتها بغداد أخيراً، لم يكن محرّكوها يبتغون إلا الضغط للحد من هيمنة تيار نوري المالكي المتحكم في السلطة، فهم جزء من المنظومة الحاكمة، ومن السذاجة الاعتقاد أنهم يسعون إلى إسقاطها، أو أن الحياة البائسة للمواطن حرّكت مشاعرهم الوطنية ضد جمهورية الفساد القائمة.
تنظيم الدولة ومليشيا الحشد الشيعية، وجهان لعملة واحدة، لا تعرف سوى الإرهاب، فأي مكسبٍ تراه تحقق لسني أو شيعي من وجودهما؟ لكن عين العالم عوراء لا ترى سوى داعش، بل تُمعن في الجوْر، وتساعد المليشيا الشيعيّة في القصف، وتترك الباب مشرعاً للإيرانيين، ليمدّوها بالعدة والعتاد والمقاتلين أيضاً.
وليس خافياً أنّ وجود الطيران الأميركي هو كلمة السر لسقوط أي مدينةٍ بيد المليشيات الطائفية التي لا تظهر لها بسالةٌ تذكر إلا على المدنيين العزل، فتعاملهم بمنطق الغزاة المحتلين، حيث لا حصانة لمقدس، فتطبق أشنع أشكال التطهير الطائفي، ويعاقبون الرهينة ويفلت الخاطف.
لم يعد الأمر مجرد مسخ لهوية العراق، ومحو أي جامع وطني لشعبه، بل الإفناء المتعمد لأي مكونٍ لا يمتثل لرغبة التفتيت الممنهج الذي سيبلغ ذروته بالتقسيم، وأهم استراتيجية تُتبع في سبيل ذلك هو التدمير النفسي، حتى يكون شعور المواطن الابتهاج بالانفصال، حينما يكون الخيار المتاح هوالحصول على كانتون مذهبي أوعرقي، فيصبح عدوه الأكبر هو من كان يوماً شريكاً في وطن انمحى واندثر.
لن يعود هناك لدى إنسان مقهور، يستشعر الخطر على وجوده، لمجرد انتمائه الديني أو العرقي، أي معنى لقضايا الأمة أو التفكير بديمقراطية، بل ستكون أعظم أمنياته مجرد الحياة بأي لون أو طعم متاح، فمن يُغذّي الكراهية الدينيّة والتمييز العنصري، يعلم يقيناً أنه وباءُ متفشٍّ كالنار في الهشيم، سيطال المنطقة بأكملها، في ظل نظام عربي رسمي عاجز وفاقد للإرادة، حتى الغرب تخلى عنهم، لأنه يدرك أن العمر الافتراضي لهذه الأنظمة الوظيفية انتهى، فمن ترك داعش تنمو وتتضخم كان يستبقيها لهذه اللحظة، ليس من قبيل البراعة في رسم المؤامرة، بقدر ما هو استغلال للظروف السيئة لبلاد لم تعرف، في تاريخها المعاصرة، سوى النكبات والهزائم والقمع على يد الغزاة والطغاة، فالفلوجة ليست آخر حكايات الموت الجماعي والتشريد، بل القادم في جعبته من المرارة أكثر.
مقالات أخرى
21 مارس 2017
30 ديسمبر 2016
13 نوفمبر 2016