المواجهة: هل غياب الموازنة يؤثر على الاستثمارات في لبنان؟

04 فبراير 2015
+ الخط -
أدت الصراعات السياسية إلى وقف إقرار الموازنة العامة في لبنان منذ العام 2005، بحيث يتم الإنفاق بطريقة مخالفة للدستور. فهل يؤثر ذلك على القرارات الاستثمارية؟

فؤاد زمكحل: لا علاقة للموازنة بالاستثمارات
يقول رئيس تجمع رجال الأعمال في لبنان، فؤاد زمكحل، إن لبنان دخل سنته العاشرة من دون إقرار الموازنة العامة في البلاد، حيث يعيش اللبنانيون بلا موازنة قانونية منذ العام 2005. ويشرح زمكحل، لـ"العربي الجديد"، أن الموازنة ترتبط بالاستثمارات الداخلية العامة، حيث تقوم الحكومات منذ عشر سنوات بالإنفاق من دون أية ضوابط دستورية أو قانونية، ومن دون تنفيذ مشاريع عامة ذات إنتاجية أو ذات مردودية على النمو الاقتصادي.
ويفتقر اللبنانيون، منذ 2005، إلى مشاريع الطرقات الجديدة والمستشفيات العامة والمدارس وغيرها، إذ يعمل الوزراء على إنفاق اعتمادات العام 2005 إضافة إلى زيادة على شكل سلف من الخزينة. وباختصار، يمكن القول إن الجو الاستثماري العام غير مناسب، والإنفاق العام غير مدروس. ولكن في ما يتعلق بالاستثمار الخاص، يقول زمكحل إنه لا يمكن إيجاد علاقة مباشرة بين تراجع الاستثمارات وغياب الموازنة العامة. فالاستثمارات الخاصة ترتبط بالثقة العامة بالبلد وبالاستقرار السياسي والأمني، لا بالإدارة الداخلية للنفقات. ويشرح زمكحل أن الاستثمارات الخارجية الخاصة في لبنان انخفضت من حوالي 4.83 مليارات دولار في العام 2009، الى 2.69 مليار دولار في العام 2013، مع توقعات أن تبيّن أرقام العام 2014 انخفاضاً إضافياً إلى حوالي 2.5 مليار دولار. وكذلك شهد التدفق المالي في العام 2014 تحقيق 7.2 مليارات دولار، وسط مخاوف من أن يتراجع هذا التدفق في العام 2015 نتيجة تأثيرات انخفاض أسعار النفط على السيولة. وفي رقم صادم آخر، يضيف زمكحل، تظهر الأرقام أن حجم الاستثمارات المنتجة، "Greenfield"، والتي تخلق الوظائف وتحسّن بيئة الاعمال، كانت في 2009 حوالي 218 مليون دولار، لتنخفض في أواخر 2014 إلى 114 مليون دولار، أي بما يوازي النصف تقريباً. وفي المحصّلة، يمكن القول إن القرار الاستثماري لا يتأثر بموضوع الموازنة العامة، سواء أُقرّت أم لا، فالمستثمر الذي يأتي الى لبنان يعرف الأزمة السياسية الحاصلة، بحيث لا يمكن الربط بين الموازنة والاستثمار. أما التأثيرات المباشرة على الاستثمار فترتبط بالحالة الامنية التي تؤثر مباشرة على الثقة. ويشرح زمكحل أن المستثمر يريد استثماراً منتجاً ويريد أن يعرف مصير أمواله. وتقول الأرقام إنه في العام 2009 حققت ثقة المستهلك والمستثمر في لبنان 90 نقطة، وفي 2014 انخفضت الثقة إلى 30 نقطة. وعليه، يضيف زمكحل، فقد تحوّل لبنان من الاقتصاد غير المستقر الى وضعية اقتصاد الحرب، وسط المشكلات والازمات الأمنية شبه اليومية على الحدود، التي ينخرط بها الجيش الرسمي، حتى لو كانت الجماعات التي تقوم بهذه العمليات غير لبنانية. وبالتالي، يؤكد زمكحل، أن هذا الموضوع وحده يشكل عاملاً حاسماً في اتخاذ أي قرار استثماري. أما النقطة الأخيرة، وفق زمكحل، والتي تؤثر على الاستثمارات أكثر من كل ما تقدم، فهي غياب رئيس الجمهورية. فالمستثمر الخارجي، خاصة الاجنبي، يرى أن هناك بلداً لا يحترم دستوره، ولا يحترم مبادئ الديمقراطية، أو آليات الانتخاب، فكيف سيحترم حقوق المستثمرين فيه؟

لويس حبيقة: غياب الموازنة يطرد المستثمرين
رى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أن غياب الموازنات في أي دولة في العالم، يرسم صورة قاتمة عن الأداء المالي والاقتصادي لهذه الدولة. وفي لبنان، وفي ظل غياب الموازنات اللبنانية منذ سنوات، تأثر الاقتصاد بشكل كبير. ويؤكد حبيقة أن غياب إقرار موازنة سنوية للبلاد يجعل سمعة الدولة على المحك أمام المجتمع المالي العالمي. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لأي مستثمر التطلّع نحو بلد ما تغيب عنه الموازنات، ولا يعي حجم الدين العام، أو الناتج المحلي أو الآفاق الاقتصادية لهذا البلد؟ ويقول، لـ"العربي الجديد": "منذ 10 سنوات، لم يقر مجلس النواب أي موازنة، ما أجبر على الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية والتي تستند إلى الارقام الواردة في آخر موازنة عامة صدّقها المجلس في العام 2005، وفي كل عام يقوم وزير المالية بإعداد مشروع الموازنة، وبسبب عدم التوافق السياسي، لا يصار الى إقرارها، فهل من المعقول البقاء على أرقام موازنة تم التصديق عليها منذ 10 سنوات تقريباً؟". ويضيف حبيقة: "لا شك أن غياب إقرار الموازنة عاماً بعد عام، يشكّل عامل طرد للمستثمرين، إذ كيف يمكن لأي مستثمر أن يضخ أمواله في اقتصاد غير واضح الملامح اقتصادياً. فالقاعدة الرئيسية في الاستثمار عند أي رجل أعمال تتعلق بدراسة الأوضاع الاقتصادية للبلد المنوي إقامة مشاريع استثمارية فيه، وعند وضع دراسة جدوى اقتصادية لمعرفة مدى نجاح المشروع أو فشلة، تلعب البيئة الاقتصادية والمالية للبلد دوراً رئيسياً لتحديد خيارته. وبالتالي في ظل غياب أهم القوانين المالية والاقتصادية في الدولة، وهي إقرار قانون موازنة عامة سنوية، والوقوف عند حجم الانفاق، وحجم الايرادات، والدين العام، والناتج المحلي، والنمو، لا يمكن للمستثمر أن يضع ثقته في هذا البلد، وبالتالي أن يضخ الاستثمارات فيه". ويلفت حبيقة إلى أنه صحيح أن الظروف السياسية في البلاد، والظروف الاقتصادية، لم تكن مشجعة، ولكن لا يمكن أن ننكر أن القوانين المالية والتشريعات الخاصة لجذب المستثمرين، بالإضافة إلى غياب الموازنة، عوامل لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في طرد المستثمرين الأجانب، وخاصة الخليجيين. إذ إنه، ووفق الاحصاءات الرسمية، لم يتم تسجيل أي مشروع استثماري خلال السنوات الماضية، بل إنه في المقابل، هناك العديد من المشاريع التي جرى إيقافها بعد البدء بتنفيذها، بسبب غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة في البلاد، ومنها غياب الموازنات العامة.
المساهمون