ماجد الصوري: لا أزمة عربية شاملة
يرى الخبير الاقتصادي العراقي ماجد الصوري أن حصول أزمة اقتصادية عربية أمر مستبعد في الوقت الحالي، بالرغم من انخفاض أسعار النفط عالمياً. ويعود السبب في ذلك إلى رضى الدول المنتجة للنفط بخفض الإنتاج والأسعار.
ويشرح الصوري لـ"العربي الجديد" بالقول: ساهم انخفاض أسعار النفط في الفترة الأخيرة في انتعاش اقتصادات دول عديدة، خاصة الدول المستوردة للنفط، والدول التي تعتمد في ميزانياتها على دعم المشتقات النفطية. فمصر ولبنان والأردن دول تستورد النفط، وتستفيد بشكل أساسي من خفض الأسعار.
ومن المرجح أن تشهد هذه الاقتصادات تحسناً ملحوظاً، مما سيترك آثاراً واضحة على ميزانياتها. من جهة أخرى، فإن دول الخليج، خاصة الدول المصدرة للنفط، والتي من المرجح أن تتأثر ميزانياتها بسبب الاعتماد الكلي على الواردات النفطية، لن تشهد أزمة اقتصادية تذكر. فالمملكة العربية السعودية، أعلنت مراراً أنها ماضية وملتزمة بهذا القرار، كذلك الأمر بالنسبة إلى بقية الدول الخليجية مثل الكويت وقطر.
وبالتالي فإن ذلك يعني أن هذه الدول تمتلك قوة تجعلها بمنأى عن ارتدادات انخفاض أسعار النفط عالمياً. أضف إلى ذلك، فإن الكويت وقطر وغيرها من الدول أيضاً لم ترفض قرارات خفض الإنتاج وبالتالي خفض الأسعار، وربما يعود السبب في ذلك إلى قوة هذه الاقتصادات وقدرتها على تحمل هذه الأسعار، وإلا لما كانت قد قبلت بهذه السياسة. في المقابل، فإن العراق الذي يعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية، ولا يملك أي موارد مالية أخرى، سيشهد تدهوراً في اقتصاده بشكل كبير.
فالعائدات النفطية تشكل أكثر من 92% من أساس الموازنة العراقية، وبالتالي لن يتمكن من توفير الأموال اللازمة في حال بقاء الأسعار منخفضة. ومن المرجح أن تبدأ أزمة اقتصادية في العراق بشكل أساسي، ويمكن أن تمتد إلى إيران والجزائر، حيث تعتمد هذه الدول فقط على العائدات النفطية، ولا تمتلك فوائض مالية، أسوة بدول الخليج، تجعلها بمنأى عن أي أزمة. وعليه، فإن أزمة ستضرب دولاً معينة، فيما ستبقى دول أخرى بعيدة عن تأثيرات أسعار النفط. وبالتالي، إذا أردنا الحديث عن مجمل الاقتصاد العربي، وعن إمكانية حصول أزمة تطال الاقتصاد برمته، سيكون أمراً مبالغاً فيه ومستبعداً.
وأكرر أنه من المرجح أن تضرب أزمة اقتصادية دولا معينة، لكنها لن تطال المنطقة العربية بشكل أساسي. في المقابل، فإن انخفاض أسعار النفط لا يعني ألا تتشكل ملامح أزمة عالمية. فقرارات خفض الإنتاج، أو خفض الأسعار ستترك آثاراً واضحة على اقتصادات العالم، خاصة روسيا. حيث من المتوقع أن تلوح في الأفق أزمة عالمية تشكل عنوان المرحلة المقبلة، خاصة إذا استمر انخفاض الأسعار إلى أكثر من عام.
فدول مثل فنزويلا وروسيا، ستتأثر سلباً بانخفاض الأسعار على المدى الطويل، كما أنها لن تتمكن من مواجهة قرارات أوبك، وبالتالي سيبدأ اقتصادها تدريجياً في الانهيار. وعليه، يمكن الحديث عن أزمة عالمية تلوح في الأفق على المدى البعيد، أكثر مما يمكن أن تحدثه على مستوى الدول العربية.
جاسم سعدون: أزمة بعيدة
يعتبر الخبير الاقتصادي الكويتي جاسم سعدون أن حدوث أزمة اقتصادية عربية جراء انخفاض أسعار النفط عالمياً، جائز ومحتمل، ولكن على المدى البعيد. إذ إنه من المرجح أن تنشأ خلافات بين الدول المنتجة للنفط، خاصة العراق إيران والجزائر، التي ستتأثر موازناتها المالية بشكل واضح، الأمر الذي سيؤدي ربما إلى حدوث أزمة سياسية ترافقها أزمة اقتصادية.
ويقول لـ"العربي الجديد": اتفقت الدول المنتجة للنفط على المحافظة على الأسعار عند مستوى معين، فالمملكة العربية السعودية والكويت وقطر وغيرها من الدول النفطية الكبيرة، لن تتأثر بخفض الإنتاج أو خفض الأسعار، بل هي ماضية في تنفيذ هذه السياسة كما تم الإعلان عنه في العديد من المناسبات.
فالدول الخليجية الكبرى لن تتأثر بخفض الإنتاج، ولن تشهد موازناتها أي ارتدادات كبيرة، نظراً للفوائض المالية لديها، والاحتياطات النقدية التي تتمتع بها. كما أن دول الخليج لن تتأثر لو انخفض السعر أقل من 70 دولاراً، ووصل إلى عتبة الـ55 دولاراً للبرميل. فهي ستبقى بمنأى عن أي تأثير سلبي ولكن لفترة زمنية محددة، تصل إلى عامين كأبعد حد، فمعدل تضرر اقتصادات هذه الدول في حال بقاء الأسعار منخفضة سيكون ما بين عام وعامين كأبعد تقدير وليس أكثر.
ولكن السيناريو الأسوأ الذي من الممكن أن يشعل أزمات اقتصادية وسياسية، هو عدم التزام دول مثل الجزائر العراق وإيران بخفض الإنتاج، وبالتالي ضخ كميات من النفط تعرض الأسعار إلى الهبوط لأكثر من 55 دولاراً، وبالتالي في حال هبطت الأسعار إلى 30 أو 20 دولاراً، عندها ستهتز ميزانيات الخليج.
لا شك أن سيناريوهات عديدة تفرض نفسها في هذا المجال، خاصة أن العراق أو إيران لن يتمكنا من الصمود في وجه خفض الأسعار لمدة تزيد عن ستة أشهر، وفي أحسن الظروف يمكنها الصمود لمدة عام. ولكن بعد ذلك، لا شك أن أزمة اقتصادية عميقة ستواجه الدول العربية في جملها.
والتاريخ شاهد على حدوث هذه الأزمات، عندما هبطت أسعار النفط إلى مستويات متدنية، وكيف تعرضت اقتصادات الدول إلى الاهتزاز. وبالتالي فإن الاتجاه نحو خفض الأسعار، أو تقليص الإنتاج، هو سيف ذو حدين، لن تتمكن دول في الخليج مثل سلطنة عمان من الحد من تأثيراته، وعليه فإن الأزمة ستتخذ أشكالاً متعددة، تبدأ سياسية، بين معسكر الخليج من جهة والعراق وايران من جهة أخرى، ثم تمتد إلى أزمة اقتصادية تطال اقتصادات المنطقة برمتها.