يتصاعد التوتر السعودي الإيراني، الذي يبدو أنه يدخل مرحلة جديدة، فبعد اتهامات الرياض لإيران بـ"شن عدوان عسكري مباشر ضد السعودية عبر اليمن"، إثر إطلاق الحوثيين صاروخاً بالستياً باتجاه الرياض، جاء الرد الأقوى من الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي دعا السعودية إلى الحذر من "قوة ومكانة إيران". مقابل ذلك، تقف الولايات المتحدة في الصف السعودي، رافعة سقف التحذير من الخطوات الإيرانية، فيما يبدو كدفع المنطقة إلى خلاف أكبر، يصبّ في صالح استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنسف الاتفاق النووي، وتشكيل جبهة دولية ضد إيران.
ورفع الرئيس الإيراني حسن روحاني سقف التحدي، أمس الأربعاء، بتصريحات وجّه فيها تحذيرات مباشرة للمملكة، من دون أن يتوقف فقط عند جدل إطلاق الصاروخ نحو الرياض، بل تطرق إلى الشأن اللبناني بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. وقال روحاني في كلمة أمام مجلس الوزراء الإيراني، إن السعودية تدرك مكانة وقوة إيران في المنطقة، محذراً إياها من سلوكها التصعيدي إزاء بلاده، معتبراً أن "هناك دولاً أقوى من السعودية لم تستطع مواجهة إيران، ومنها أميركا وأذنابها"، على حد وصفه.
واعتبر روحاني أن "على السعودية ألا تخلق مشاكل في المنطقة لتتجاوز أزماتها ومشاكلها الداخلية"، معلناً في الوقت نفسه أن طهران لا تعارض تعزيز العلاقات مع دول الجوار بما فيها المملكة. وحذر من أن "التقارب مع أميركا وإسرائيل مقابل معاداة إيران، خطأ استراتيجي"، قائلاً إن بلاده "لا تريد إلا تحقيق الأمن والاستقرار في دول المنطقة، من قبيل اليمن، العراق وسورية وحتى السعودية، وتعارض تقسيمها وترفض الاعتداء على شعوب الدول الجارة". واتهم روحاني بعض "الأطراف الغربية بالتخطيط لمؤامرة جديدة للضغط على إيران، وهي التي حاولت محاصرتها من خلال مسألة النووي، وتحاول الآن خلق فتنة إقليمية"، حسب قوله. كما أشار للعلاقات التي وصفها بالأخوية بين الشعبين الإيراني والسعودي، لكنه قال إن بعض الحكومات تريد بيع سلاحها ونهب أموال المنطقة، لذا تسعى جاهدة للحفاظ على بقاء أوضاعها ملتهبة.
واستغرب روحاني السياسات والتصريحات السعودية إزاء بلاده، مقابل "معاداة المملكة لليمن وقصف مناطقه وشعبه"، متسائلاً "ما رد الفعل الذي من الممكن أن يبديه الشعب اليمني مقابل كل هذا القصف؟ وكيف تريدون منهم ألا يستخدموا أسلحتهم؟"، مطالباً السعودية "بإيقاف عدوانها وهو ما سيقابله اليمنيون بإيجابية"، حسب رأيه. كما تساءل عن "أسباب عداء السعودية للشعبين السوري والعراقي، وسبب دعمها لتنظيم داعش". واتهم روحاني ضمناً القادة السعوديين بإرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، متسائلاً "لماذا تتدخلون في الشأن الداخلي لحكومة لبنان؟ لم نشهد في التاريخ أن بلداً يتدخل بهذا الشكل في شؤون بلد آخر ويجبر مسؤوله على الاستقالة. هذا غير مسبوق في تاريخ المنطقة".
وفي سياق التصعيد الإيراني - السعودي بعد إطلاق الحوثيين صاروخاً باتجاه الرياض، وجّه ممثل إيران لدى الأمم المتحدة غلام علي خوشرو، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي رفض فيها اتهامات الرياض لبلاده بتزويد الحوثيين بصواريخ باتت تُستخدم لقصف الأراضي السعودية، قائلاً إنه لا أساس لها من الصحة. وطالب المجتمع الدولي بممارسة الضغط على الرياض لوقف التصعيد واستخدامها لغة التهديد وهو ما سيؤدي لزعزعة أمن المنطقة. واعتبر كذلك أن ما تفعله السعودية يرمي لإبعاد الأنظار عن ممارساتها في اليمن.
إلا أن وقف تصاعد الأزمة، لا يبدو أنه توجّه واشنطن، التي أكدت وقوفها في صف الرياض بمواجهة طهران. ودان البيت الأبيض، في بيان أمس، "هجمات الحوثيين الصاروخية على السعودية، والتي يتيح الحرس الثوري الإسلامي في إيران تنفيذها"، معتبراً أنها "تهدد الأمن الإقليمي، وتقوّض مساعي الأمم المتحدة للتفاوض على نهاية للصراع". وأشار إلى أن مثل هذه الصواريخ "لم تكن موجودة في اليمن قبل النزاع"، وجدد دعوة "الأمم المتحدة إلى التدقيق في الوقائع التي تثبت أن النظام الإيراني يطيل النزاع في اليمن بهدف تحقيق طموحاته الإقليمية".
اقــرأ أيضاً
التصعيد الأميركي ضد طهران، قوبل بموقف فرنسي داعم، إذ أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، أنها تتعامل بجدية مع اتهامات الولايات المتحدة لإيران بإمداد الحوثيين بصاروخ أطلقوه باتجاه السعودية. وقال المتحدث باسم وكيل وزارة الخارجية الفرنسية ألكسندر جورجيني، في إفادة صحافية أمس: "نأخذ هذه الإشارات الأميركية على محمل الجد، ونولي أهمية قصوى لامتثال إيران لجميع التزاماتها الدولية بما يشمل حظر نقل الأسلحة الذي جاء في قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2216 و2231". ولم يرد جورجيني عند سؤاله عن دعم باريس لاحتمال اتخاذ إجراءات حيال الأمر في مجلس الأمن.
التوجّه الأميركي لتصعيد المواجهة السعودية ضد إيران، تحدث عنه المحلل والكاتب الأميركي توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث لفت إلى أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولمواجهة إيران، "دفع رئيس الوزراء اللبناني للاستقالة، خلال زيارته للرياض، متهماً إيران وحلفاءها الشيعة بجعل لبنان غير قابل للحكم، فضلاً عن تلقّي بلاده هجوماً صاروخياً من اليمن". وأعرب فريدمان عن قلقه من أنّ "أولئك الذين يحثّون بن سلمان على أن يكون أكثر عدوانية في مواجهة إيران، مثل الولايات المتحدة، (الرئيس دونالد) ترامب، و(صهره) جاريد كوشنر و(رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، سيدفعونه إلى حرب في الخارج وفي الداخل بالوقت نفسه، ويمكن حينها أن نرى السعودية والمنطقة كلها تدور خارج نطاق السيطرة"، خاتماً بالتحذير "كما قلت... أنا قلق".
إزاء هذه الأزمة المتصاعدة يومياً، برزت "رغبة عراقية" لتحرك يستهدف تخفيف التوتر بين البلدين، من دون أن يتضح مدى قبول الرياض وطهران بمسعى كهذا. وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في الحكومة العراقية، لـ"العربي الجديد"، عن "رغبة عراقية" في التحرك لتخفيف التوتر بين طهران والرياض بمبادرة من رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد تجميد الرياض طلباً سابقاً تقدّمت به منتصف أغسطس/ آب الماضي، لأداء العراق دور وساطة مع طهران، بحسب ما قال حينها وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، عقب عودته إلى بغداد من زيارة قصيرة قام بها إلى السعودية.
وقال مسؤول عراقي في مكتب العبادي لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة العراقية تسعى إلى تخفيف التوتر بين الرياض وطهران الذي بلغ ذروته بعد الاعتداء الصاروخي الذي نفذته المليشيات الحوثية على الرياض قبل أيام. وأوضح أن أوساطاً عراقية ستبدأ التحرك والتواصل مع مسؤولين عراقيين وايرانيين بهذا الشأن، واصفاً الأزمة بأنها "الأخطر والتي قد تؤدي إلى تفجير صراعات أكبر في المنطقة، خصوصاً مع استقالة سعد الحريري بضغط سعودي، وهو ما فهمته إيران بأنه رسالة موجّهة لها بالدرجة الأولى"، على حد وصفه، مضيفاً أن "العراق يعتبر أن اتساع الحرب الباردة بين إيران والسعودية سيؤثر عليه سياسياً وأمنياً". ورفض دبلوماسي بارز في السفارة السعودية في بغداد الإجابة عن سؤال لـ"العربي الجديد" حول مدى قبول الرياض الوساطة العراقية الجديدة في حال أعلن عنها رسمياً.
من جهته، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، رزاق الحيدري، لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى الآن لا يوجد شيء رسمي يتعلق بوساطة عراقية بين الرياض وطهران، لكن هناك حديثاً على نطاق ضيق مجدداً حول هذا الدور العراقي، خصوصاً أن السعودية سبق أن طرحت هذا الموضوع قبل أشهر على العراقيين". وتابع: "بغداد مهيأة للقيام بهذا الدور بسبب علاقاتها الجيدة مع إيران وكذلك السعودية، ونأمل أن يتم تخفيف التوتر سريعاً بين البلدين".
في موازاة ذلك، برز أمس موقف لافت لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي طالب بوقف الحرب في اليمن وسورية، محذراً من جر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، في أول تصريح للصدر الذي زار المملكة العربية السعودية في يوليو/ تموز الماضي وعقد لقاءات مع المسؤولين فيها، من بينهم ولي العهد محمد بن سلمان، اعتبرت حينها ضمن سياسة سعودية تهدف إلى سحب زعيم التيار الأقوى شعبياً بالجنوب العراقي مقتدى الصدر إلى جانبها.
(العربي الجديد، فرانس برس)
اقــرأ أيضاً
ورفع الرئيس الإيراني حسن روحاني سقف التحدي، أمس الأربعاء، بتصريحات وجّه فيها تحذيرات مباشرة للمملكة، من دون أن يتوقف فقط عند جدل إطلاق الصاروخ نحو الرياض، بل تطرق إلى الشأن اللبناني بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. وقال روحاني في كلمة أمام مجلس الوزراء الإيراني، إن السعودية تدرك مكانة وقوة إيران في المنطقة، محذراً إياها من سلوكها التصعيدي إزاء بلاده، معتبراً أن "هناك دولاً أقوى من السعودية لم تستطع مواجهة إيران، ومنها أميركا وأذنابها"، على حد وصفه.
واستغرب روحاني السياسات والتصريحات السعودية إزاء بلاده، مقابل "معاداة المملكة لليمن وقصف مناطقه وشعبه"، متسائلاً "ما رد الفعل الذي من الممكن أن يبديه الشعب اليمني مقابل كل هذا القصف؟ وكيف تريدون منهم ألا يستخدموا أسلحتهم؟"، مطالباً السعودية "بإيقاف عدوانها وهو ما سيقابله اليمنيون بإيجابية"، حسب رأيه. كما تساءل عن "أسباب عداء السعودية للشعبين السوري والعراقي، وسبب دعمها لتنظيم داعش". واتهم روحاني ضمناً القادة السعوديين بإرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، متسائلاً "لماذا تتدخلون في الشأن الداخلي لحكومة لبنان؟ لم نشهد في التاريخ أن بلداً يتدخل بهذا الشكل في شؤون بلد آخر ويجبر مسؤوله على الاستقالة. هذا غير مسبوق في تاريخ المنطقة".
وفي سياق التصعيد الإيراني - السعودي بعد إطلاق الحوثيين صاروخاً باتجاه الرياض، وجّه ممثل إيران لدى الأمم المتحدة غلام علي خوشرو، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي رفض فيها اتهامات الرياض لبلاده بتزويد الحوثيين بصواريخ باتت تُستخدم لقصف الأراضي السعودية، قائلاً إنه لا أساس لها من الصحة. وطالب المجتمع الدولي بممارسة الضغط على الرياض لوقف التصعيد واستخدامها لغة التهديد وهو ما سيؤدي لزعزعة أمن المنطقة. واعتبر كذلك أن ما تفعله السعودية يرمي لإبعاد الأنظار عن ممارساتها في اليمن.
إلا أن وقف تصاعد الأزمة، لا يبدو أنه توجّه واشنطن، التي أكدت وقوفها في صف الرياض بمواجهة طهران. ودان البيت الأبيض، في بيان أمس، "هجمات الحوثيين الصاروخية على السعودية، والتي يتيح الحرس الثوري الإسلامي في إيران تنفيذها"، معتبراً أنها "تهدد الأمن الإقليمي، وتقوّض مساعي الأمم المتحدة للتفاوض على نهاية للصراع". وأشار إلى أن مثل هذه الصواريخ "لم تكن موجودة في اليمن قبل النزاع"، وجدد دعوة "الأمم المتحدة إلى التدقيق في الوقائع التي تثبت أن النظام الإيراني يطيل النزاع في اليمن بهدف تحقيق طموحاته الإقليمية".
التصعيد الأميركي ضد طهران، قوبل بموقف فرنسي داعم، إذ أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، أنها تتعامل بجدية مع اتهامات الولايات المتحدة لإيران بإمداد الحوثيين بصاروخ أطلقوه باتجاه السعودية. وقال المتحدث باسم وكيل وزارة الخارجية الفرنسية ألكسندر جورجيني، في إفادة صحافية أمس: "نأخذ هذه الإشارات الأميركية على محمل الجد، ونولي أهمية قصوى لامتثال إيران لجميع التزاماتها الدولية بما يشمل حظر نقل الأسلحة الذي جاء في قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2216 و2231". ولم يرد جورجيني عند سؤاله عن دعم باريس لاحتمال اتخاذ إجراءات حيال الأمر في مجلس الأمن.
التوجّه الأميركي لتصعيد المواجهة السعودية ضد إيران، تحدث عنه المحلل والكاتب الأميركي توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث لفت إلى أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولمواجهة إيران، "دفع رئيس الوزراء اللبناني للاستقالة، خلال زيارته للرياض، متهماً إيران وحلفاءها الشيعة بجعل لبنان غير قابل للحكم، فضلاً عن تلقّي بلاده هجوماً صاروخياً من اليمن". وأعرب فريدمان عن قلقه من أنّ "أولئك الذين يحثّون بن سلمان على أن يكون أكثر عدوانية في مواجهة إيران، مثل الولايات المتحدة، (الرئيس دونالد) ترامب، و(صهره) جاريد كوشنر و(رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، سيدفعونه إلى حرب في الخارج وفي الداخل بالوقت نفسه، ويمكن حينها أن نرى السعودية والمنطقة كلها تدور خارج نطاق السيطرة"، خاتماً بالتحذير "كما قلت... أنا قلق".
إزاء هذه الأزمة المتصاعدة يومياً، برزت "رغبة عراقية" لتحرك يستهدف تخفيف التوتر بين البلدين، من دون أن يتضح مدى قبول الرياض وطهران بمسعى كهذا. وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في الحكومة العراقية، لـ"العربي الجديد"، عن "رغبة عراقية" في التحرك لتخفيف التوتر بين طهران والرياض بمبادرة من رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد تجميد الرياض طلباً سابقاً تقدّمت به منتصف أغسطس/ آب الماضي، لأداء العراق دور وساطة مع طهران، بحسب ما قال حينها وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، عقب عودته إلى بغداد من زيارة قصيرة قام بها إلى السعودية.
من جهته، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، رزاق الحيدري، لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى الآن لا يوجد شيء رسمي يتعلق بوساطة عراقية بين الرياض وطهران، لكن هناك حديثاً على نطاق ضيق مجدداً حول هذا الدور العراقي، خصوصاً أن السعودية سبق أن طرحت هذا الموضوع قبل أشهر على العراقيين". وتابع: "بغداد مهيأة للقيام بهذا الدور بسبب علاقاتها الجيدة مع إيران وكذلك السعودية، ونأمل أن يتم تخفيف التوتر سريعاً بين البلدين".
في موازاة ذلك، برز أمس موقف لافت لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي طالب بوقف الحرب في اليمن وسورية، محذراً من جر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، في أول تصريح للصدر الذي زار المملكة العربية السعودية في يوليو/ تموز الماضي وعقد لقاءات مع المسؤولين فيها، من بينهم ولي العهد محمد بن سلمان، اعتبرت حينها ضمن سياسة سعودية تهدف إلى سحب زعيم التيار الأقوى شعبياً بالجنوب العراقي مقتدى الصدر إلى جانبها.
(العربي الجديد، فرانس برس)