المواجهة: السرية المصرفية تجذب الاستثمارات أم تطردها؟

22 أكتوبر 2014
لبنان يتمسك بالسرية المصرفية(جوزيف براك/فرانس برس/getty)
+ الخط -



الكثري: الأموال القذرة لا تبني الاقتصاد

يرى الخبير الاقتصادي التونسي، فاضل الكثري، أن السرية المصرفية لعبت دوراً اساسياً في السابق لجذب الاستثمارات، لكن غيابها أو رفعها لا يعني هروب المستثمر. ويتبنى الكثري نظرية ضرورة رفع السرية المصرفية، منعاً لدخول الأموال القذرة في الدورة الاقتصادية. ويقول الكثري، لـ"العربي الجديد": نجحت السرية المصرفية في الدول التي تعتمد هذا النظام، على تشجيع المستثمرين لضخ أموالهم، سواء من خلال مشاريع اقتصادية، أو من خلال التوظيفات التي يقومون بها في القطاع المصرفي، حيث يجذب القطاع المصرفي الذي يعتمد السرية المصرفية رؤوس أموال ضخمة، نظراً لما يقدمه من طمأنينة للمودع. ساهمت السرية في إدخال عملات صعبة الى الاقتصاد، لكنها في الوقت عينه، شكلت أداةً لدخول الاموال القذرة والمجهولة المصدر الى العديد من الدول، الامر الذي انعكس سلباً على سمعة الدول وصحة اقتصادها. فصحيح أن السرية المصرفية نجحت في جذب المستثمرين خلال العقود الماضية، وشجعت المستثمر لضخ أمواله، بعد تأكده من أن الخصوصية التي تقدمها السرية المصرفية على بياناته الشخصية، وحساباته المصرفية، تشكل عامل تشجيع قوي للقيام بمشاريع إنتاجية، أو خدماتية، وقد قام العديد من رجال الاعمال بضخ أموالهم في اقتصادات تعتمد على السرية المصرفية، لكنه في الوقت عينه، لا يمكن الاعتماد على السرية المصرفية فقط كأداة لجذب الاستثمارات، لأن جذب الاستثمارات يعتمد على مجموعة كبيرة من العوامل، منها البيئة الاقتصادية، والتنويع في الانشطة التي تقدمها الدول. وبالتالي لا يمكن ربط الاستثمارات بالسرية المصرفية، لأن العديد من الدول لجأت الى الغاء السرية المصرفية، وبالرغم من ذلك، ما زالت تحظى باستثمارات هائلة. ساهم مفهوم السرية المصرفية في إرساء نوع من الامن والامان لدى المستثمر، إلا أنه بات من الضروري رفع السرية المصرفية، خاصة في الدول التي تشهد تحولات سياسية، نظراً لدخول أموال مجهولة المصدر في الدورة الاقتصادية. وقد نجحت تونس في رفع السرية المصرفية، بالرغم من معارضة بعض أعضاء المجلس التأسيسي بسبب الخوف من هروب الاستثمارات، إلا أن هذه الخطوة، ستساهم في توجيه التوظيف المالي للاستثمارات بشكل صحيح في الدورة الاقتصادية، كما أن الخطوة التي قامت بها تونس ستصب في مصلحة الاقتصاد، حيث دخلت أموال سياسية غير معروفة المصدر، وبالتالي تحاول الحكومة العمل على توظيف الاموال الجديدة بالشكل الصحيح.





حبيقة: السرية المصرفية ضرورة اقتصادية

يدافع الخبير الاقتصادي اللبناني، لويس حبيقة، عن أهمية السرية المصرفية في الاقتصادات النامية، كونها تشكل هوية الاقتصاد، بسبب غياب الطاقات الانتاجية والصناعية والزراعية، التي تسمح لهذه الدول الدخول في دورة الاقتصاد العالمي. ويعتبر حبيقة أن السرية المصرفية التي تتمتع بها دول عديدة، ومنها لبنان على سبيل المثال، تعدّ العنصر الرئيسي والاول، والركيزة الفعالة في الاقتصاد، خاصة الاقتصادات التي تعتمد على القطاع المصرفي كمحرك رئيسي لباقي القطاعات. هكذا، يفسّر حبيقة رأيه، لـ"العربي الجديد": استفاد لبنان، خلال السنوات الماضية، من السرية المصرفية التي ساهمت في تعزيز النمو، وادت الى جذب المودعين من كافة الدول، خاصة من الدول العربية. كما أن القطاع المصرفي أثبت قدرته على مواجهة كافة التحديات العالمية، جراء السرية المصرفية التي يتمتع بها. ولو أن القطاع المصرفي خسر هذه الميزة، لكان مصيره ككافة القطاعات الاقتصادية في لبنان. أما بالنسبة الى الدول التي تعتمد سياسة التخلي عن السرية المصرفية، فإن ذلك يعدّ امراً خطيراً بالنسبة لاقتصاداتها، وخاصة إذا كانت دولاً نامية، مثل تونس أو لبنان، لأن اقتصادات هذه الدول لا تتمتع بالثقة العالمية التي تجعلها تُقدِم على خطوة رفع السرية المصرفية، فهي لا تملك قدرات إنتاجية أو مالية ضخمة تجذب المسثتمر إليها، كما أن مواردها محدودة نسبياً مقارنة مع دول رفعت سريتها المصرفية، وبالتالي فإن المستثمر يعمد دوماً الى اللجوء الى الدول التي تتمتع بالسرية المصرفية بشكل قوي لضخ أمواله في استثمارات كبيرة. صحيح أن الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا تملك سرية مصرفية، لكنها تملك ثقة عالمية تجعلها في غنى عن مميّزات السرية المصرفية، على عكس دولنا. وتعدّ السرية المصرفية أمراً ضرورياً في الدول النامية، لأنها المفتاح الرئيسي لجذب الاستثمارات، وبالتالي، فالتخلي عنها يؤدي الى هروب المودعين من المصارف بالدرجة الاولى، بالاضافة الى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في هذه الدول. فالسرية في دول عديدة، ومنها لبنان، شكلت هويته الاقتصادية. فنحن لا نملك طاقات إنتاجية ولا موارد طبيعية، كالغاز والنفط، بالشكل الذي يسمح لنا بجذب الاستثمارات الى اقتصادنا. وبالتالي، فإن العلاقة بين السرية المصرفية والاستثمار وطيدة جداً، وإنْ بدت بطريقة غير مباشرة. إذ إن الاستثمار يبحث دوماً عن بيئة حاضنة، واجواء سياسية وأمنية واقتصادية جيدة ومؤاتية. كما أنه ينظر إلى السرية المصرفية بالقدر نفسه الذي ينظر فيه الى الاداء الاقتصادي العام في البلاد. ولذا، تعدّ السرية المصرفية داعمة للثقة في الاقتصادات العربية، أو اقتصادات الدول النامية. وعليه، فإن مجرد التفكير برفع السرية المصرفية، يعني انهيار اقتصادات قائمة على هذه الركيزة. وحين ينهار الاقتصاد، لا يعود هناك أيّ بيئة لجذب المستثمر، وبالتالي تتقلّص الاستثمارات. الاقتصاد يعيش في دائرة متكاملة ومترابطة العناصر، واي خلل في هذه الدائرة، يعني أنه سيحدث خلل في الدورة الاقتصادية برمّتها.

 

 

 



  

 


المساهمون