بدأ المهاجرون الذين وافقت فرنسا على استقبالهم، يصلون إلى فرنسا ويتوزعون على المدن والبلدات فيها. في الدائرة الثالثة عشرة في باريس، نزل العشرات في مساكن للشباب عند بورت ديتالي (إحدى بوابات باريس). وتُعدّ هذه المحطة أولى وضرورية قبل أن يحصلوا على اللجوء وتصاريح الإقامة الدائمة ويتمكّنوا من إتمام لمّ الشمل (إحضار عائلاتهم)، خصوصاً هؤلاء الذين تركوا نساءهم وأبناءهم خلفهم في بلدانهم الأصلية أو في مناطق شتات مختلفة.
طالبو اللجوء ليسوا سوريين فقط، فهناك عراقيون أيضاً. محمد واحد من هؤلاء، يقول: "أنا عراقي من الأنبار، لكنني سوري أيضاً. الشتات والمنفى يوحّداننا. لقد خرجنا معاً من تركيا إلى اليونان ومن ثم إلى مقدونيا فالمجر والنمسا، قبل أن نبلغ ألمانيا وها نحن اليوم في فرنسا".
يقدّم هؤلاء صورة قاتمة عن الأوضاع في تركيا، حيث المهرّبون السوريون والعراقيون والأتراك "قساة وجشعون". هم يتقاضون ما بين 1250 و1500 دولار أميركي مقابل نقل المهاجر (الواحد) بحراً، من دون أخذ المخاطر بعين الاعتبار. ويخبر محمد: "بعدما انتظرنا طويلاً حتى يكتمل العدد، أحضروا لنا زورقين يتسعان لنحو 133 شخصاً، ما عدا الأطفال. ولما تدافعنا لأخذ أمكنتنا في الزورق، غرق ابني الذي لم يكن يبلغ سوى أربع سنوات، وقضى مع 32 آخرين. كان ذلك أسوأ يوم في حياتنا"، لافتاً إلى أن صغيره كان في سنّ قريب من الطفل عيلان الذي غرق بدوره، والذي انتشرت صورته حول العالم.
يتابع محمد: "حين وصلنا إلى إحدى جزر اليونان، واجهتنا ظروف أسوأ من تلك التي عرفناها من قبل. وبعد انتظار وعذاب، وصلنا إلى أثينا. أما الرحلة منها إلى الحدود المقدونية، فقد جرت في ظروف أفضل. لكننا لم نحصل ولا على عبوة مياه. وفي مقدونيا، تغيّر الوضع. استقبلتنا منظمات غير حكومية وقدّمت لنا الطعام والماء".
ويكمل سرده: "كان عددنا 500 شخص، فحجزوا لنا مقاعد في قطار، ودفعنا لقاء ذلك عشرة يوروات (11.30 دولاراً) عن كل فرد. عبرنا الحدود الصربية ووصلنا إلى العاصمة بلغراد، قبل أن نتوجّه إلى الحدود المجرية. لم نكن نتصور أن تكون المجر بتلك القسوة".
اقرا أيضاً: لاجئون سوريّون ينتظرون التفاتة في عراء باريس
ويلفت محمد إلى أنه في مقدونيا، تعرّفت مجموعته المؤلفة من 34 عراقياً وسورياً إلى "أنبل مهرّب. هو مجري، وقد طلب منا 250 يورو (285 دولاراً) عن كل فرد، واستثنى صغار السنّ. سار بنا مسافة ساعة وقطع سياج الحدود ليمكننا من العبور واحداً تلو الآخر إلى المجر. لا أنسى ما فعله. هو حقّق من هذه الصفقة نحو ثمانية آلاف يورو (9070 دولاراً)، وحين علم بوجود عائلتين بيننا لا تملكان شيئاً، منح كل واحدة منهما 500 يورو (567 دولاراً) ثم أعاد إلى كلّ فرد منا 50 يورو (57 دولاراً). وفي نهاية الأمر، لم يَجْنِ إلا 1500 يورو (1700 دولار) بعدما سدّد بدلات النقل ووزّع علينا ما تبقّى".
يضيف: "وبعد رحلة امتدّت على 170 كيلومتراً في السيارة، وصلنا إلى محطة القطارات، قبل أن نتوجّه إلى النمسا. دفعنا لقاء تذاكر القطار إلى النمسا، 35 يورو (40 دولاراً) عن كل فرد منا. لم يُقدَّم لنا أيّ شيء، ولا حتى كأس مياه، لا في تلك المحطة ولا في المجر ككلّ". ويشدّد محمد على أنهم لن ينسوا موقف السلطات المجريّة السيئ تجاههم "هو لا يشبه بشيء ما قام به ذلك المهرّب النبيل". ويخبر أنهم شاهدوا هناك "جثث لاجئين ملقاة بين الأشجار، بعدما تخلّص منها المهرّبون كذلك، سلبت أموال كثيرين".
يكمل محمد سرده قائلاً إن الأمر تغيّر ما إن وصلوا إلى محطة سكك الحديد النمسوية "هنا كان كلّ شيء مختلفاً. استقبلونا بالأحضان، وقدّموا لنا كل ما يلزم من طعام ومياه وثياب وأحذية وألعاب للأطفال وغيرها". من هناك، استقلوا القطار إلى ميونيخ في ألمانيا، حيث "كان الاستقبال جيداً. هم أيضاً لم يبخلوا علينا بشيء، حتى الفحوصات الطبية".
في ميونيخ بألمانيا، وبعد رحلتهم الطويلة، يروي محمد أنه "عُرِضَ على من يشاء إكمال الطريق إلى فرنسا. قيل لنا إن الظروف هناك أفضل، والحصول على اللجوء أسرع، أي في أقل من شهرين، وسوف يكون بمقدورنا لمّ شمل عائلاتنا. زوجتي ما زالت في بغداد، مع أبنائنا الثلاثة الآخرين". وبعد رحلة استمرّت 13 ساعة في الحافلة، وصلوا إلى العاصمة الفرنسية باريس.
ويعبّر محمد عن غضبه واستيائه، إذ إن "الصحافة الغربية قصدتنا واهتمت لأمرنا ومعاناتنا، في حين لم تفعل الصحافة العربية".
اقرأ أيضاً: سوريو فرنسا.. أمل بالانتقال إلى ألمانيا أو بلجيكا