المهاجرون في المغرب... أرباب عمل يستغلون الباحثين عن عمل

20 أكتوبر 2019
المجتمع المدني يضغط لاحترام حقوق المهاجرين الأفارقة (العربي الجديد)ا
+ الخط -
تعرض العامل السنغالي أحمدو للحرمان من أجرته بعد الانتهاء من عمله في مقهى بالعاصمة المغربية إذ رفض المالك منحه المبلغ المالي المتفق عليه وهدده بتسليمه للشرطة، "لو لم يغرب عن وجهه"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا وعيناه غارقتان بالدموع:" لقد عاملني كالعبد".

تكررت معاناة احمدو مع الغاني ألفاندرو والذي رفض هو الآخر الكشف عن اسمه بالكامل خوفا من الملاحقة الأمنية، إذ جرى تخييره بين عدم تسديد مكافآة عمله، أو إبلاغ الشرطة عن وضعه غير القانوني، لكونه واحدا من بين "20 ألف مهاجر غير نظامي يقيمون بشكل غير شرعي فوق التراب الوطني"، بحسب تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الحكومي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، بعنوان "الهجرة وسوق الشغل"، والذي ذكر أن عدد العمال المهاجرين بالمغرب بلغ 26283 عاملا حتى نهاية العام 2017 بواقع (31.4 في المائة من الإناث و69.6 في المائة من الذكور).


استغلال ممنهج

يتجمع قُرب المحطة الطرقية بحي "القامرة" في قلب الرباط يوميا، عشرات العمال المهاجرين، إذ أحصى معد التحقيق عبر جولة ميدانية 50 عاملا من جنسيات أفريقية مختلفة يتوزعون بين ثنايا "المُوقَف"، يجلسون في انتظار أن يقع اختيار رب العمل عليهم ونقلهم إلى مراكز العمل التي تختلف من حيث مكانها وطبيعة العمل فيها ما بين أنشطة البناء، أو النظافة، أو الصباغة، وحمل المواد الثقيلة، وما أن تصل السيارة أو الشاحنة المملوكة لرب العمل حتى يهرعوا مسرعين نحوها ويتصايحوا طلبا لاختيارهم، وغالبا ما يختار رب العمل الأشخاص ذوي البنية الجسمانية القوية، أو كما يسميهم ألفاندرو بـ"الكوستو"، قائلا :" نعمل بشكل غير منتظم وبنصف أجرة زملائنا المغاربة وننام على الأرصفة". وهو ما يعانيه يوسف الذي يزاول مهنة البناء كما يقول لـ"العربي الجديد"، مردفا: "يُمكن أن نشتغل أكثر من عشر ساعات في اليوم دون توقف في البناء مثلا، ونُكلَّف منذ الوهلة الأولى بحمل المواد الثقيلة جدا، لكني أتحصل على نصف أجرة العامل المغربي".

يوسف أصيب بجرح في يده اليمنى أثناء مزاولته لعمله في ورشة للبناء بالرباط، ولم يحصل على أي تعويض أو علاج أو حتى متابعة إنسانية لحالته من لدن مشغله، بل تم طرده من العمل بمجرد العلم بالحادث كما يقول، متابعا:" حتى عند ذهابي إلى المشفى، تم رفض استقبالي في المرة الأولى لعدم توفري على وثائق الإقامة".



"يحدث ذلك رغم أن العمل في المغرب يخضع لقانون مدونة الشغل الصادرة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2011. لكن التمييز بين الطرفين قائم ومستشرٍ، خصوصا في مهن البناء والزراعة بحسب تأكيد فرانك إيانغا، الخبير والمسؤول النقابي عن حقوق العمال المهاجرين في المنظمة الديمقراطية للشغل (نقابة تعنى بشؤون العمال في المغرب) والذي قال لـ"العربي الجديد" إن "السبب الأول لغياب المساواة والتمييز هو كثرة اليد العاملة الأفريقية، وهشاشة الوضعية القانونية لها".

وتنص المادة 516 من مدونة الشغل على أن "كل مشغل يرغب في تشغيل أجنبي، عليه أن يحصل على رخصة من قبل السلطات الحكومية المكلفة بالشغل تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل"، ما يعنى أن ما يجري عبارة عن مخالفة واضحة للقانون، تصفها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) بـ"الاستغلال الممنهج" الناتج عن معاناة البطالة.



اتجار بالبشر

شهد المغرب موجات من المهاجرات الأفريقيات الباحثات عن عمل، غير أن بعضهن انتهى بها المطاف في معاناة في بيوت أسر مغربية، كما حدث مع لاورا فرانسيسكو (اسم مستعار خوفا من المجموعة التي سفرتها إلى المغرب) والتي استمر عملها بـ"السخرة" لأكثر من عام في إحدى "الفيلات" بحي كاليفورنيا الراقي بمدينة الدار البيضاء.

وتقول فرانسيسكو لـ"العربي الجديد" إنها تعرفت عن طريق صديقتها بساحل العاج، على مجموعة تتوسط لاستخدام العاملات المنزليات بالمغرب، مضيفة أن "عملاء المجموعة أخبروها بحجم راتب العمل الذي يُقدر بـ 500 أورو في الشهر. في حين كانت تتحصل في بلدها على 70 أورو شهريا، الأمر الذي أغراها للسفر".

استمرت فرانسيسكو في التواصل مع المجموعة سعيا لتحقيق أحلامها. وبسرعة، تم ترتيب السفر. ولدى وصولها إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء في العام 2017 تمت مصادرة جواز سفرها وكل الوثائق الشخصية التي تثبت هويتها من قبل المشغلين الذين ذهبوا بها إلى "الفيلا" لاحقا كما تقول.


لكن فرانسيسكو فوجئت، بعد فترة وجيزة أن كل ما قيل لها عن الأجر "الضخم"، وعطلة نهاية الأسبوع، وعدد ساعات العمل كان مجرد سراب وفق تأكيدها، مشيرة إلى أن سكان "الفيلا" كانوا لا يسمحون لها بالأكل، إلا عندما ينهضون من المائدة، فتأكل ما تبقى، ولا تتمتع بعطلة نهاية الأسبوع ولا حتى حقها في العمل ثماني ساعات في اليوم، بل تعمل من السادسة صباحا حتى الثانية بعد منتصف الليل وفق قولها.

ويدخل ما جرى مع فرانسيسكو ضمن ما جاء في الفصل 448-1 من القانون رقم 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والذي صدر في 25 أغسطس/آب 2016، إذ ينص على أنه "يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواءه أو استقباله أو الوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الهشاشة أو الحاجة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر بغرض الاستغلال".



لكن منذ دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، وثق مختصون حالة من الغموض والتضارب على مستوى طريقة تعامل الجهاز الإحصائي في رصد عدد حالات تطبيقه أمام المحاكم. فقد وجهت وزارة العدل (قبل استقلال النيابة العامة عنها) استبيانا إلى محاكم الاستئناف لاستطلاع الحالات التي طبّق فيها قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وجاءت نتائج الاستبيان سلبية ومخيبة للآمال، إذ نفت تسجيل أي قضية من هذا النوع بحسب ما قاله الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب، في مقال نشر في موقع المفكرة القانونية في 4 سبتمبر/أيلول 2018، بعنوان "قانون مكافحة الاتجار بالبشر بالمغرب... أي آليات لحماية حقوق الضحايا"؟ والذي أشار إلى أن تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2017، والذي صدر خلال شهر يونيو/حزيران 2018، لم يتضمن أي معطيات إحصائية حول عدد قضايا الاتجار بالبشر المسجلة بالمحاكم، رغم أنه تضمن معطيات إحصائية أخرى تتعلق بجرائم قد تدخل ضمن صور الاتجار بالبشر من بينها "استغلال دعارة الغير في إطار شبكة منظمة، استغلال النساء في الدعارة، تسهيل دعارة القاصرين، استغلال أطفال في التسول وفي المخدرات، وتهريب المهاجرين".



توجه حكومي لمواجهة الظاهرة

يقدر عدد طلبات تسوية وضعية المهاجرين التي تم قبولها بأزيد من 43 ألف طلب من إجمالي 56 ألف طلب تم التقدم بها لتسوية الوضعية بحسب تقرير"الهجرة وسوق الشغل" الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وأطلقت الحكومة المغربية، في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2014، "الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء"، والتي تهدف إلى تسوية الوضعية الإدارية للأجانب المقيمين بشكل غير قانوني بالمغرب، خاصة من دول أفريقيا جنوب الصحراء الذين توافدوا خلال العشر سنوات الأخيرة، إذ تعد المغرب بوابة للعبور نحو "الحلم الأوروبي".

ويقول سعيد الطبل، عضو المكتب المركزي المكلف بشؤون الهجرة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لـ"العربي الجديد": "تم إحداث هذه الإستراتيجية بعد ضغط المجتمع المدني على الدولة لاحترام حقوق هذه الفئة، وبعد أن قدمنا رفقة جمعية "كاديم" تقريرا لمجلس حقوق الإنسان بجنيف حول وضعية المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء".