المنظمات الصهيونية واليمينية لا تكلُّ في توظيف جريمة باريس

15 يناير 2015
الصهاينة يدعون اليهود للهجرة إلى فلسطين (ليور مزراهي/getty)
+ الخط -
لم تكد تمضي على الجريمة التي شهدتها شوارع العاصمة الفرنسية، باريس، سوى سويعات قليلة، حتى تزاحمت الأجندات السياسية. كما تدافعات القيادات السياسية في مسيرة باريس، بغرض تجيير دماء الضحايا، إلى أرصدة في حسابات سياسية تمتد من باريس إلى تل أبيب، مروراً بكل العواصم الأوروبية.   
ولم تترك قيادات المنظمات الصهيونية في أوروبا، ومن خلفها القيادات الإسرائيلية، أحداث باريس تمرّ بدون تجييرها لصالح المشروع الصهيوني ولحساب إسرائيل "الوطن القومي" ليهود العالم. وزاحم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حضر مسيرة باريس دون دعوة من الحكومة الفرنسية، الحضور من كبار الشخصيات العالمية ليتقدّم الصفوف، ثم دعا يهود فرنسا وأوروبا للهجرة إلى إسرائيل، هرباً من "معاداة السامية"، قائلاً لهم "إسرائيل ليست قبلة لصلاتكم فقط، بل هي وطنكم أيضاً". هذه الانتهازية السياسية عبّر عنها أيضاً وزير المالية الإسرائيلي السابق، يائير لبيد، بقوله "إن هجوم فرنسا يبرهن على أن لا مكان لليهود إلا إسرائيل".
والمفارقة الغريبة في هذا السياق، أن السفير الإسرائيلي لدى لندن، دانييل تايب، كتب رسالة إلى نائب رئيس الوزراء البريطاني، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، نيك كليغ، طالبه فيها بتأديب النائب البرلماني عن الحزب، ديفيد وورد، لأنه انتقد في تغريدة على "تويتر" مشاركة بنيامين نتنياهو في مسيرة باريس. واعتبر السفير الإسرائيلي ذلك "تسييسا للمعاناة".  

وتأمل المنظمات الصهيونية الأوروبية والقيادات الإسرائيلية، من وراء إطلاق دعوات "الهجرة" إلى اليهود، وسط عاصفة من الترهيب النفسي، أن تنجح في فتح الخزان الأكبر لليهود في أوروبا، وأن تدفع بالمزيد من يهود فرنسا وأوروبا للهجرة إلى فلسطين المحتلة. وتتوقع أرقام الوكالة اليهودية، المستندة إلى إحصائيات رسمية، أن يصل عدد المهاجرين اليهود من فرنسا إلى فلسطين المحتلة إلى 10 آلاف خلال العام الجاري، بعدما وصل إلى 7000 في العام الماضي، ولم يتجاوز 3500 في عام 2013. وتقول الوكالة إن 50 ألف يهودي (50 في المائة من يهود فرنسا) استفسروا عن إجراءات الهجرة إلى فلسطين المحتلة في العام الماضي.
وفي بريطانيا، نشرت صحيفة "إندبندنت" أمس الأربعاء أرقاماً لاستطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف"، تظهر أن 45 في المائة من يهود بريطانيا يرون أن لا مستقبل لهم في بريطانيا. وتكشف أرقام الوكالة اليهودية أنّ هجرة اليهود البريطانيين إلى فلسطين المحتلة زادت بنسبة 20 في المائة خلال العام الماضي، وأن 620 يهودياً بريطانياً هاجروا إلى فلسطين المحتلة في عام 2014 مقابل 520 مهاجراً في عام 2013.
ورغم أن هذه الأرقام تبدو بلا قيمة إذا ما قورنت بأرقام أخرى تظهر أن حوالى 2.5 مليون فرنسي، وأكثر من 5 ملايين بريطاني يعيشون خارج أوطانهم، بحثاً عن حياة أفضل بعد تراجع الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع مستوى الخدمات العامة. غير أن المنظمات الصهيونية تصرّ على أنّ العامل الأساسي وراء هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة، هو تنامي المشاعر المعادية للسامية في المجتمعات الأوروبية.

تصاعد اليمين
لكن في المقابل، وجدت أحزاب وحركات اليمين المتصاعد في أوروبا في جريمة باريس، ومن ثم انتهازية القيادات الصهيونية، فرصة للانقضاض على اليهود والمسلمين وكل المهاجرين، إذ لم يتأخر زعيم حزب "الاستقلال" البريطاني، نايجل فراج، بالتصريح لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية أن المهاجرين أقاموا "غيتوز" (معازل) في كبريات المدن الأوروبية، تُمارس فيها طقوس ومشاعر وقوانين دينية، لا تقوى السلطات على منعها.
وقد سبق للزعيم اليميني أن حمل مسؤولية أحداث باريس لـ"طابور خامس" من المسلمين الذين يعيشون في معازل اجتماعية لا يدخلها غير المسلمين، وتمارس فيها الكثير من الطقوس المخالفة للقوانين الوطنية من قبيل زواج القاصرات، وختان الإناث، والتقاضي طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، حسب ادّعاءاته.
وكانت منظمة "حملة أمل لا كراهية" البريطانية المناهضة للعنصرية، قد ذكرت في تقرير صدر قبل أحداث باريس، أن بريطانيا، التي يبدو أنها تشهد انقساماً في الحركات اليمينية التقليدية، تشهد تنامياً في صفوف النازية الجديدة بين الشباب. وقال أحد المشاركين في إعداد تقرير "الكراهية" السنوي، ماثيو كولنز، إنّ مجموعة "العمل الوطني" اليمينية الصاعدة هي أول مجموعة بريطانية تصرح بهويتها وأهدافها النازية، وتقوم ببث الدعاية المناهضة لليهود والمسلمين والمهاجرين. ومن المرجح أن توظف هذه المجموعة أحداث باريس لاستنهاض الرأي العام البريطاني ضد الإسلام والمسلمين أولاً، ومن ثم ضد اليهود وغيرهم من المهاجرين.