المنطقة وصراع المحاور إلى أين؟

03 اغسطس 2014
+ الخط -

تشتعل في فضاء المنطقة، وعلى مدى جيو ـ استراتيجي، يشمل ما بات يُعرف بالتوصيفات السياسية، منطقة الشرق الأوسط، حرب محاور ضروس، تشكل انعكاساً للتغيّرات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، على المستويين الاجتماعي والسياسي، وينذر ذلك الصراع، حسب تطور دينامياته وتفاعلاته واتجاهاته الراهنة، بمزيد من الاستقطاب والتوتر.

أظهرت الحرب في غزة، بشكل واضح، تركيبة تلك المحاور والأطراف المشكلة لها، وبات يمكن تعيينها بدقة، ضمن ثلاثة محاور رئيسية: محور إيران ـ حكومة المالكي ـ نظام الأسد ـ وحزب الله، ومحور السعودية ـ مصر ـ الإمارات، ومحور قطر ـ تركيا. وللمحاور الثلاثة قنوات تغذية مع البيئة الدولية، حيث تقف القوى الفاعلة في النظام الدولي في خلفية الصراع بين تلك المحاور، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وأوروبا.

تشمل جغرافية صراع المحاور منطقة واسعة، تمتد من البحرين شرقاً إلى ليبيا غرباً، وتشكل منطقة المشرق البؤرة الأكثر سخونة فيها، غير أن مستويات فاعلية تلك المحاور تختلف من منطقة إلى أخرى، ومعها تتفاوت مستويات التنسيق، حسب درجة أهمية كل منطقة في الحسابات الأمنية والمصلحية، لكل طرف داخل المحور نفسه. فبينما يرتفع مستوى التنسيق والتناغم بين السياستين السعودية والمصرية في الملف الفلسطيني، نجد أنه ينخفض في الملف السوري، ويكاد ينعدم، إن لم يتناقض، في الملف العراقي.

في المستوى الجغرافي أيضاً، وحده المحور المنضوي تحت لواء القيادة الإيرانية يملك جسماً جغرافياً متماسكاً، وهي ميزة منحته قوة تفاوضية أكبر، وحالة من البلورة تجعل منه شبه نظام إقليمي مستقل، يستند إلى مستويات مختلفة من التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والتبادل "الفني"، فضلاً عن وجود مساحة أمنية كبيرة، فيما تقتصر العلاقات داخل المحاور الأخرى على المجال الأمني، ما من شأنه إحداث تغييرات معينة في تركيبة تلك المحاور، نظراً لتبدّل المعطيات والقضايا التي تشكل أسباب الصراع.

وتشكل ثورات الربيع العربي وحالة نهوض الإسلام السياسي، القضايا (المحركات) الأساسية لصراع المحاور. ففي حين تراها أطراف بمثابة مصادر تهديد على أنظمتها السياسية، وعوامل تغيير خطيرة، تتطلب استراتيجيات مواجهة لوقف تداعياتها، تقيّمها أطراف أخرى بوصفها فرصاً سياسيةً، أتاحتها المتغيّرات، لتوسيع نفوذها، وتغيير المعادلات الإقليمية التي كانت سائدة في المرحلة السابقة.

إلى ذلك، تأخذ المرجعية الأساسية للصراع بين المحاور طابعاً سياسياً دينياً في كل الساحات، سواء كانت ذات طبيعة مذهبية، كما الحاصل في سورية والعراق، أو ذات طبيعة سياسية مثل حالة غزة.

لكن الأهم من ذلك كله، أن سياسات تلك المحاور وتوجهاتها تجد في مناطق الصراع بيئات اجتماعية حاضنة لها، ما يضمن حالة توازن القوة بين تلك المحاور، كما أن البيئات الاجتماعية نفسها أنتجت في مرحلة الصراع البيني فاعلين من غير الدول التي ينتمون إليها، وقد أصبح أولئك الفاعلون جزءاً أساسياً من معادلة الصراع، كما يشكلون واحدة من أهم مرتكزات المحاور الأساسية.

تعكس الحرب على غزة مواقف وسياسات المحاور الثلاثة، ذلك أن انفجار الصراع، بشكله العلني والواضح، هو انعكاس لحالة التباعد في العلاقات بين أطراف تلك المحاور، كما أنها تمثل فرزاً خالصاً وتعييناً دقيقاً للتموضعات النهائية للأطراف، غير أن هذا الانفجار، وبتلك الحدة التي بلغها، يؤكد حقيقة استراتيجية مهمة، هي أن صراع المحاور في الملفات الأخرى، وخصوصاً في سورية والعراق، وبدرجة أقل ليبيا، وصل إلى حدوده القصوى، ولا يمكن إضافة أي جديد عليه، كما أن باب التفاهمات في تلك الملفات صار مغلقاً، ما يعكس بدوره أزمة تلك المحاور في إدارتها الصراع في الملفات المذكورة.

ماذا يعني ذلك؟ في الأمد المنظور ليس هناك سوى تقدير واحد، هو أن المنطقة ستكون أمام مرحلة صراع إقليمي مديد وشرس، وأن هذا الصراع المتنقّل بين ساحات عدة سيبحث دائماً عن مناطق كباش جديدة أو سيسعى إلى إعادة صياغة الصراعات في مناطق الصراع التقليدية، وهذا الصراع مرشح للانتقال إلى مستويات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، تشمل منطقة الشرق الأوسط برمّتها. وتتّضح خطورة الأمر من كون المنطقة كلها تقع على صفيح أزمات ساخن، ما يجعل صراعات المحاور مرشحة بقوة لمواجهات متجددة على وقع الأزمات المتكاثرة.

ولعلّ ما يعزّز مثل هذا الاستخلاص حقيقة عجز أي من أطراف الصراع، راهناً وفي المستقبل المنظور، عن تحقيق حالة الحسم لصالحه، نظراً لحالة توازن القوى السائدة، وانطلاقاً من حقيقة أن الأطراف كلها جرّبت في الماضي تزخيم دينامية الصراع بشتى الأساليب والطرق، من دون الوصول إلى تغييرات مهمة في واقع السيطرة، من دون أن يعني ذلك الاستسلام والخروج من دائرة الصراع. فالمؤشرات تثبت أننا إزاء مرحلة تجريبية أطول، ستسعى في أثنائها الأطراف المتصارعة إلى إثبات قدرتها وفعاليتها، ما يلغي أي إمكانية حالية لوجود أفكار تعاونية، وهو ما سينتج عنه مزيد من الاضطراب في العلاقات الإقليمية، واتساع المسافات بين الدول، أطراف المحاور، في ظل انعدام وجود قنوات خاصة، أو مسارات موازية في إدارة العلاقات الإقليمية.

والسؤال الآن، هل يمكن أن يتطور الصراع بين المحاور إلى حالة من التصادم المباشر، أم يجري التفاهم على مجموعة محددة من قواعد التعامل التي يمكنها احتواء التدهور؟ تحيلنا الإجابة على هذا السؤال إلى جذر المشكلة الأساسي، وهو اهتزاز الأوضاع الداخلية في بلدانٍ أساسية في المنطقة، ذلك أن استمرار اشتغال دينامية تلك الإشكاليات سيشكل على الدوام مولّداً للصراع الإقليمي، ووقوداً دافعاً له، بغضّ النظر عن التعبيرات التي يتمظهر بها ذلك الصراع.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".