ربما تحمل مبادرة إسرائيل، اليوم الإثنين، بالكشف عن مناورة جوية كبيرة أجراها سلاح جوها مع سلاح الجو اليوناني، الخميس الماضي، في الأجواء اليونانية، ملامح رسالة لإيران.
وهناك ما يؤشر إلى أن الكشف عن هذه المناورة قد هدف إلى تحذير إيران بأن التلويح بالخيار العسكري لمواجهة برنامجها النووي صادق، في حال عمدت القيادة الإيرانية إلى التوجيه باستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم بالوتيرة نفسها التي كانت قبل التوصل للاتفاق بين طهران والقوى العظمى عام 2015.
وقد حرص الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على تصميم الإعلان عن هذه المناورة لكي تلمح إلى أن الكثير من مناشطها قد حاكت هجوما على إيران، حيث أشار إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي، الذي شاركت 40 من طائراته الحربية من عدة أسراب قتالية، قد تدرب خلال المناورة على الطيران لمسافات بعيدة جدا، ناهيك عن إشارته إلى أن "المناورة شملت التدرب على الطيران في أوضاع طبوغرافية وتضاريس لم يعهدها من قبل".
ومن أجل أن يزيد من المؤشرات على طابع المهام التي تم التدريب عليها، أشار الناطق العسكري الإسرائيلي إلى أن المناورة شملت أيضا تدريبا على قيام الطائرات بالتزود بالوقود أثناء التحليق.
وللمزيد من تعزيز مضامين هذه الرسائل، فقد حرص الجيش الإسرائيلي على تضمين الفيديو الذي عممه على وسائل الإعلام مقابلات مع بعض قادة الأسراب التي شاركت في المناورة، حيث قال أحدهم: "المناورة تدلل على أن سلاح جونا بإمكانه أن يصل إلى أبعد المسافات وهو جاهز لتلقي التعليمات وتنفيذ المهام".
والتهديدات المبطنة بضرب المنشآت النووية الإيرانية لا ترتبط فقط بمحاولة إسرائيل ردع طهران عن استئناف تخصيب اليورانيوم، بل ترمي في الوقت ذاته إلى تحذير إيران و"حزب الله" من القيام بأية محاولة ترمي إلى وضع حد لهامش الحرية شبه المطلق الذي تتمتع به إسرائيل في سورية، وضمن ذلك التشويش على الجهد الحربي الذي يستهدف الوجود الإيراني في هناك.
وقد ألمحت محافل تقدير استراتيجي مرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب إلى أن إسرائيل يمكن أن تستغل أية مواجهة شاملة مع إيران و"حزب الله" في سورية في تبرير قيامها بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
في المقابل، ربما يكون خاطئاً التعامل مع التهديدات الإسرائيلية المبطنة على أنها ترمي فقط إلى مراكمة الردع، فاستنادا إلى ما أقر به المزيد من قيادات الجيش الإسرائيلي و"الموساد" السابقين، فإن بنيامين نتنياهو لم يكن فقط متحمسا لشن هجمات على إيران، بل إنه أصدر بالفعل تعليماته عام 2011 للمؤسسات العسكرية والاستخبارية لوضع خطة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، إذ كشف رئيس الموساد السابق، تامير باردو، أنه شخصيا أحبط مخطط نتنياهو من خلال التهديد بتقديمه الاستقالة في حال صدرت التعليمات بتنفيذ الهجوم في النهاية.
ومن الواضح أنه في ظل وجود إدارة مثل إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تتبنى بشكل مطلق المواقف الإسرائيلية من إيران، فإن واشنطن ستوفر مظلة تسمح لتل أبيب بتنفيذ الهجوم في حال قررت ذلك.
ولا يمكن تجاهل حقيقة أن بعض المعلقين الأكثر قربا لدوائر صنع القرار في تل أبيب قد عمدوا، على مدى السنوات الثلاث الماضية، إلى لفت الانتباه إلى أن التدريبات التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اليونانية تهدف بشكل أساسي إلى "تعزيز قدراته على تنفيذ مهام في عمق إيران"، على اعتبار أن التحليق في الأجواء اليونانية تتيح للطائرات الحربية الإسرائيلية التحليق لمسافات بعيدة، وهو ما لا توفره المجال الجوي المحدود لفلسطين المحتلة.
إلى جانب ذلك، فإن حقيقة أن اليونان تمتلك منظومة الدفاع الجوي الروسية "S300"، وهي المنظومة نفسها التي زودت موسكو بها طهران مؤخرا، تسمح لسلاح الجو الإسرائيلي بالتدرب على تجاوز تأثير هذه المنظومة.