قد يكون من مفارقات الحالة الليبية أن يدعو قيادي بارز في مليشيات طرابلس إلى حل أزمة البلاد عبر "الانتخابات وتطبيق الدستور بالذهاب إلى ملتقى وطني جامع". هكذا يقول عاطف بالرقيق أبرز قادة مليشيات "ثوار طرابلس"، التي اتهمها وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، بـ"الفوضى الأمنية التي أدت إلى تهجير مئات الأسر وخلفت 16 قتيلاً جنوب شرق العاصمة"، قبل أن تتوصل قبائل إلى إقناع المتقاتلين بوقف القتال. ويعتبر بالرقيق أن "الحلول التي وضعت في اتفاق طرابلس ليست حلولاً حقيقية للأزمة، إنما هي مسكنات، والحل يكمن في الانتخابات وإقامة الدستور بالذهاب إلى ملتقى وطني جامع".
الواقع الليبي يؤكد أن الحديث عن المليشيات يعني الحديث عن حرب لم ولن تنتهي. وهنا تبرز أسئلة حول من يطيل عمرها، إذ إن بالرقيق ورفاقه مجرد أدوات تنفيذ، ومن يغذيهم هم أصحاب هذه المليشيات. تصريحات باشاغا، وهو قيادي سابق في مليشيات "فجر ليبيا"، والتي اتهم فيها المليشيات بأنها السبب وراء "الفوضى الأمنية"، بل حذر من المزيد منها، تزامنت مع تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، الذي بشر البلاد بـ"نزاع وشيك" بسبب نفوذ المليشيات، ليفتتحا العام 2019 على خلاف ما وعدا به البلاد من "ضح دماء جديدة" في جهود رأب الصدع السياسي والأمني المتأزم في البلاد.
لماذا لا يفصح كل هؤلاء، وعلى رأسهم وزير الداخلية، الذي جاهر للمرة الأولى من وسط العاصمة بعدائه للمليشيات، عن ماهية المقاتلين؟ بالإضافة إلى أن المبعوث الأممي يتبجح بـ"نجاح البعثة" في عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بين المليشيات في العاصمة. فمن هؤلاء المتفاوضون ثم المتفقون؟ فـ"اللواء السابع" القادم من ترهونة لا يُعرف قادته على وجه التحديد، واختلف موقف الحكومة منه عدة مرات. فبعد أن نفت صلتها به خلال هجومه على طرابلس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاد الوزير وكلفه بتأمين مقر مطار طرابلس بعد شهرين. أما مليشيات طرابلس الأربع الكبرى، فقد انصهرت فيما عرف بـ"قوة حماية طرابلس"، وغاب قادتها عن الأنظار كلياً، حتى لم يعد أحد يذكرهم. فمن كان يقاتل من؟ يقول بالرقيق إن "المليشيات تطورت واكتسبت خبرة وقادتها يطمحون لأدوار سياسية"، في إشارة إلى دور جديد من الأدوار المليشياوية التي تجاوزت طموح الحصول على المال والنفوذ إلى طموح المناصب السياسية. وما المانع فباشاغا قيادي سابق في عملية "فجر ليبيا"، ووزير الدفاع، المهدي البرغثي، قائد مليشيا في عملية "الكرامة".