21 فبراير 2018
الملوك يتعبون أيضاً
كما دخل إلى القصر قبل 39عاماً، بشكل غير طبيعي على يد الجنرال فرانكو الذي أجبر الأب على التنازل عن العرش للابن، في مقابل إعادة الملكية إلى إسبانيا، خرج، الأسبوع الماضي، من قاعة العرش بشكل استثنائي، ووسط جدل سياسي حاد، وصل إلى درجة مطالبة اليسار الراديكالي بالتخلي عن النظام الملكي لصالح النظام الجمهوري. إنه الملك خوان كارلوس الذي فضل الذهاب إلى التقاعد، قبل القبر، وأن يضحّي بالمنصب، حتى لا تتآكل شعبية العرش.
واحداً تلو الآخر، أصبح ملوك أوروبا يختارون التقاعد، والتنازل عن العرش لأبنائهم الشباب، عوض التمسك بالتاج إلى آخر يوم في حياتهم، بعد هولندا وبلجيكا، جاء الدور على إسبانيا، الأسبوع الماضي، وفي بيان مقتضب، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، قرار الجالس على عرش آل بوربون، خوان كارلوس، التنحي عن العرش لابنه فيلبي.
لم يقل خوان كارلوس ما قاله جده سنة 1931، عندما تنازل عن العرش لخوان الأب، إنه "يشعر بأن الإسبان لم يعودوا يحبونه". لم يجرؤ على قول ذلك، لكن الجميع يعرف أن قرار نزول الملك عن العرش لم يكن بسبب السن (76 عاماً)، ولا بسبب أوضاعه الصحية، بل لأسباب سياسية أعمق، تتصل بنزول شعبية الملكية في إسبانيا، بعد سلسلة فضائح انفجرت في بيت العائلة الأولى في شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث، لأول مرة في تاريخ إسبانيا، يفتح القضاء تحقيقاً مع ابنة الملك، الأميرة كريستينا، وزوجها في قضايا فساد، وقبلها، أثارت رحلة الملك إلى أدغال إفريقيا لاصطياد الفيلة صخباً في إسبانيا المريضة بأزمة اقتصادية خانقة، غضب الإسبان من ملكهم، وقالوا: كيف يبدد مئات آلاف من الأوروهات في صيد الفيلة في بوتسوانا، ويترك البلاد فريسة للبطالة والركود الاقتصادي ومعاناة الناس، إنه ملك لا يحس بشعبه..
لم يخرجوا ليقولوا له ارحلْ، لأنهم يعرفون أن سلطته رمزية، وأن الخطب القليلة التي يلقيها في المناسبات لا يقرأها، قبل أن يوافق عليها رئيس الحكومة المنتخبة، ومع ذلك، اعترف الملك خوان كارلوس في خطابه للشعب بأنه سيتنحى عن العرش لابنه، من أجل دفع الملكية نحو الحداثة، ما يعني أنه يقر ضمنياً بأنه لم يكن قادراً على التخلص من الطابع التقليدي للعرش.
لم يغب الارتباك وتناقض التصريحات عن الحدث الأكبر في إسبانيا. ففي وقت قال فيه رئيس الحكومة إن الملك سيتنازل عن العرش، لأسباب صحية، نقلت "رويترز" عن مصدر في القصر الملكي قوله إن "الملك خوان كارلوس تنازل عن العرش لأسباب سياسية، وليست صحية، وإنه تنازل جراء تحديات جديدة تواجه إسبانيا، وإنه يعتقد أنه من الضروري إفساح الطريق أمام الجيل الجديد".
وعلى الرغم من هذا الخروج "المحرج" لخوان كارلوس من القصر، فإن الرجل يجر خلفه تاريخاً حافلاً بالإنجازات، ومنها قيادته أكبر انتقال ديمقراطي عاشه العالم في سبعينيات القرن الماضي، حيث وقف إلى جانب الديمقراطية بعد وفاة فرانكو، ورفض أن يتحالف مع أنصار الديكتاتور. وحتى عندما حاول هؤلاء الانقلاب على الحكم المدني، وإعادة السلطة إلى القصر رفض هذه الهدية المسمومة، وقال: "لا للرجوع إلى الوراء، مستقبل إسبانيا في النظام الديمقراطي، لا في النظام الديكتاتوري".
لا إجماع على الملكية في إسبانيا، فهناك يمين يحب الملكية والملك بعيون مغمضة، ويمين يحب الملكية ولا يحب الملك، ويسار يستلطف الملكية بعيون مفتوحة، ويسار راديكالي لا يحب الملكية ولا الجالس على عرشها، ويدعو إلى الجمهورية بديلاً عنها. ويتعايش هؤلاء في بيت الديمقراطية، وهذه الأخيرة تقبل بهم، وتصبر على اختلافهم.
الملكيات، كما الجمهوريات، تتعب وتحتاج إلى دماء جديدة، وتدفع ثمن أخطاء أبنائها وثمن التورط في الفساد. الملكيات، كما الجمهوريات، تستمع إلى صوت الشعب، حتى قبل أن يُسمع في الشوارع والميادين. الملكيات، كما الجمهوريات، تتعب وتحتاج، بين فينة وأخرى، إلى شجاعة للاعتراف بذلك. هذا هو درس المملكة الإسبانية، اليوم، لنادي الملكيات الأوروبية والعربية، فهل من مذكّر.
واحداً تلو الآخر، أصبح ملوك أوروبا يختارون التقاعد، والتنازل عن العرش لأبنائهم الشباب، عوض التمسك بالتاج إلى آخر يوم في حياتهم، بعد هولندا وبلجيكا، جاء الدور على إسبانيا، الأسبوع الماضي، وفي بيان مقتضب، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، قرار الجالس على عرش آل بوربون، خوان كارلوس، التنحي عن العرش لابنه فيلبي.
لم يقل خوان كارلوس ما قاله جده سنة 1931، عندما تنازل عن العرش لخوان الأب، إنه "يشعر بأن الإسبان لم يعودوا يحبونه". لم يجرؤ على قول ذلك، لكن الجميع يعرف أن قرار نزول الملك عن العرش لم يكن بسبب السن (76 عاماً)، ولا بسبب أوضاعه الصحية، بل لأسباب سياسية أعمق، تتصل بنزول شعبية الملكية في إسبانيا، بعد سلسلة فضائح انفجرت في بيت العائلة الأولى في شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث، لأول مرة في تاريخ إسبانيا، يفتح القضاء تحقيقاً مع ابنة الملك، الأميرة كريستينا، وزوجها في قضايا فساد، وقبلها، أثارت رحلة الملك إلى أدغال إفريقيا لاصطياد الفيلة صخباً في إسبانيا المريضة بأزمة اقتصادية خانقة، غضب الإسبان من ملكهم، وقالوا: كيف يبدد مئات آلاف من الأوروهات في صيد الفيلة في بوتسوانا، ويترك البلاد فريسة للبطالة والركود الاقتصادي ومعاناة الناس، إنه ملك لا يحس بشعبه..
لم يخرجوا ليقولوا له ارحلْ، لأنهم يعرفون أن سلطته رمزية، وأن الخطب القليلة التي يلقيها في المناسبات لا يقرأها، قبل أن يوافق عليها رئيس الحكومة المنتخبة، ومع ذلك، اعترف الملك خوان كارلوس في خطابه للشعب بأنه سيتنحى عن العرش لابنه، من أجل دفع الملكية نحو الحداثة، ما يعني أنه يقر ضمنياً بأنه لم يكن قادراً على التخلص من الطابع التقليدي للعرش.
لم يغب الارتباك وتناقض التصريحات عن الحدث الأكبر في إسبانيا. ففي وقت قال فيه رئيس الحكومة إن الملك سيتنازل عن العرش، لأسباب صحية، نقلت "رويترز" عن مصدر في القصر الملكي قوله إن "الملك خوان كارلوس تنازل عن العرش لأسباب سياسية، وليست صحية، وإنه تنازل جراء تحديات جديدة تواجه إسبانيا، وإنه يعتقد أنه من الضروري إفساح الطريق أمام الجيل الجديد".
وعلى الرغم من هذا الخروج "المحرج" لخوان كارلوس من القصر، فإن الرجل يجر خلفه تاريخاً حافلاً بالإنجازات، ومنها قيادته أكبر انتقال ديمقراطي عاشه العالم في سبعينيات القرن الماضي، حيث وقف إلى جانب الديمقراطية بعد وفاة فرانكو، ورفض أن يتحالف مع أنصار الديكتاتور. وحتى عندما حاول هؤلاء الانقلاب على الحكم المدني، وإعادة السلطة إلى القصر رفض هذه الهدية المسمومة، وقال: "لا للرجوع إلى الوراء، مستقبل إسبانيا في النظام الديمقراطي، لا في النظام الديكتاتوري".
لا إجماع على الملكية في إسبانيا، فهناك يمين يحب الملكية والملك بعيون مغمضة، ويمين يحب الملكية ولا يحب الملك، ويسار يستلطف الملكية بعيون مفتوحة، ويسار راديكالي لا يحب الملكية ولا الجالس على عرشها، ويدعو إلى الجمهورية بديلاً عنها. ويتعايش هؤلاء في بيت الديمقراطية، وهذه الأخيرة تقبل بهم، وتصبر على اختلافهم.
الملكيات، كما الجمهوريات، تتعب وتحتاج إلى دماء جديدة، وتدفع ثمن أخطاء أبنائها وثمن التورط في الفساد. الملكيات، كما الجمهوريات، تستمع إلى صوت الشعب، حتى قبل أن يُسمع في الشوارع والميادين. الملكيات، كما الجمهوريات، تتعب وتحتاج، بين فينة وأخرى، إلى شجاعة للاعتراف بذلك. هذا هو درس المملكة الإسبانية، اليوم، لنادي الملكيات الأوروبية والعربية، فهل من مذكّر.