الملقي خلفاً للنسور برئاسة الحكومة الأردنية...إدارة الانتخابات البرلمانية أولاً

30 مايو 2016
يُعرف الملقي بحماسه للحدّ من نفوذ إيران(جوزف برّاك/فرانس برس)
+ الخط -

عاش الأردن، أمس الأحد، احتفالاً شعبياً عارماً، بعد صدور الإرادة (القرار) الملكي بحلّ مجلس النواب السابع عشر المُنتخب في 23 يناير/كانون الثاني 2013 دون أن يكمل مدته الدستورية ليتبعه استقالة حكومة رئيس الوزراء عبدالله النسور الذي تربّع على كرسي الرئاسة منذ 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2012. ويتزامن ذلك مع احتفالَين كبيرَين رسميّين في الأردن؛ الأول بمناسبة الذكرى السبعين لاستقلال المملكة في 25 مايو/ أيار الحالي، والثاني بمناسبة مائوية الثورة العربية المقررة في 2 يونيو/حزيران المقبل. وتلتزم الهيئة المستقلة للانتخاب بتحديد موعد إجراء الانتخابات بعد 10 أيام من صدور القرار الملكي بالدعوة لإجراء الانتخابات، والتي يحدد الدستور إجراءها خلال أربعة أشهر من تاريخ حل المجلس.

وكان الحلّ والرحيل مطلباً شعبياً منذ مدة طويلة. وسلّم النسور الرئيس المكلّف، هاني الملقي، مقر رئاسة الحكومة، ليكون رئيس الوزراء الواحد والأربعين في تاريخ الأردن الحديث. غير أنّ هذه التطورات السياسية المتوقّعة منذ مصادقة الملك الأردني عبدالله الثاني على قانون الانتخاب الجديد في 13 مارس/ الماضي، لم يأت تنفيذاً للإرادة الشعبية الغاضبة بشكل رئيسي من سياسيات حكومة النسور الاقتصادية التي أمعنت بالجباية، من دون قدرة ممثلي الشعب (مجلس النواب) على ردعها، واتهموا بالتواطؤ معها، بل استعداداً لمرحلة جديدة بعدما نفذ كل من مجلسَي الحكومة والنواب متطلبات المرحلة السابقة.

ومثّلت الاحتفالات الشعبية بحل المجلس ورحيل الحكومة ردة فعل عفوية لم تضع في حسابات اللحظة سيناريوهات المرحلة المستقبلية التي سيقوم خلالها الملقي بدور رئيسي، باعتباره يأتي من خلفية اقتصادية ومعروف بانحيازه للخصخصة ويؤمن بنهج النيوــ ليبرالي. وهو على استعداد لتنفيذ التوجه الرسمي الأردني الواضح نحو تعميق التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل. فقد شغل الملقي في الأعوام 1994 ـ 1996 رئيس المجلس الأردني في مفاوضات السلام (الاتفاقيات التفصيلية) مع إسرائيل.

لكن ما يفرح الأردنيين أن "بطل رفع الأسعار"، كما أُطلق على النسور، رحل، وأنّ مجلس النواب الذي ظهر في آخر مشهد من عمره في موقف المدافع عن إسرائيل حين وافق على مشاركة الشركات الإسرائيلية في صندوق الاستثمار السيادي قد حلّ. فيما تشير الدلائل، وفقاً لمراقبين، إلى أن سياسية رفع الأسعار لن تنتهي، خصوصاً أن الحكومة الجديدة سترث عن سابقتها ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإقرار برنامج التصحيح الاقتصادي الجديد للفترة بين 2017-2020، ويشترط الصندوق تحرير أسعار سلع أساسية. كما أن المؤشرات السياسية لنتائج الانتخابات النيابية المنتظرة خلال الأشهر القليلة المقبلة لا تشي بتغيير جوهري على تركيبة المجلس المقبل عن تركيبة المنحلّ بعدما ضمن القانون الجديد الذي ستجري على أساسه الانتخابات المقبلة عدم وصول أغلبية نيابية إلى قبة البرلمان.





والملقي (65 عاماً) هو نجل رئيس الوزراء الأردني الأسبق، فوزي الملقي، الذي شغل المنصب بين العامَين 1953-1954، وهو سوري الأصل، من مدينة حماة. قدم إلى الأردن عام 1900 وسكن مدينة أربد (شمال المملكة). وتولّى الرئيس المكلّف، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة النظم الصناعية من الولايات المتحدة، العديد من المناصب الاقتصادية، كان آخرها حتى تكليفه رئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وقبلها حمل العديد من حقائب الوزارات الاقتصادية كالمياه والطاقة والتموين والصناعة. انتقل من عالم الاقتصاد إلى السياسة، انخرط في السلك الدبلوماسي سفيراً للمملكة في القاهرة مرّتَين، ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، ومستشاراً للملك، ووزيراً للخارجية عام 2004.

أثناء توليه حقيبة الخارجية، تسبب الملقي بأزمة دبلوماسية بين بلاده وحليفتها التاريخية المملكة العربية السعودية، خلال مؤتمر القمة العربية المنعقد في الجزائر عام 2005، حين قدّم على جدول أعمالها مقترحاً أردنياً على مبادرة السلام العربية، فقوبل بممانعة سعودية عنيفة. ورأى فيه وزير الخارجية السعودي آنذاك، سعود الفيصل، أنه عبث بمبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، ورأى مندوبو الدول العربية في المقترح "مسعى أردنياً لتطبيع العرب مع إسرائيل". أزمة وصفها الملك الأردني بمقابلة صحافية، في وقت لاحق، بـ"سوء فهم" بين الفيصل والملقي، محمّلاً الأخير مسؤولية سوء الفهم لأنه "لم يفسر مضمون مقترحه بوضوح لنظيره السعودي".

الأزمة طويت في حينها، ولم تخلف هزات ارتدادية بين الحليفَين الاستراتيجيين في المنطقة، ولن يعاد نبشها بعدما أصبح الملقي رئيساً لوزراء الأردن، وهو الذي يعي حرص بلاده الكبير على علاقة متميزة مع السعودية التي تمثل اليوم طوق نجاة اقتصادي لبلاده الغارقة في مشاكلها، وفقاً لمراقبين. ويشفع للرجل أنه كان من أشد المتحمسين منذ كان وزيراً للخارجية للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة.

ويتوقّع مراقبون أنّ الملف الأكثر أهمية الذي ستشتبك فيه حكومة الملقي، إلى جانب الاقتصاد، هو إدارة الانتخابات النيابية المقبلة، والتي ستنتهي بتقديمه استقالة حكومته انسجاماً مع العرف القائم بأن تقدم الحكومة التي تجري الانتخابات استقالتها بعد الانتخابات، ليتضح حينها ما إذا كان الملقي سيعود رئيساً للوزراء أم سيكون فاصلاً دعائياً في عمر الدولة. ويأتي ذلك وسط ترجيحات محللين سياسيين عدة إلى أنّ الملقي سيمشي على خطى سلفه النسور الذي أُعيد تكليفه رئاسةَ الحكومة بعدما أجرت حكومته الانتخابات التي أفرزت المجلس المنحل، وبذلك يصبح الملقي عنواناً لمرحلة طويلة.