الملفات الممنوعة في العراق: خطوط حمراء تهدد السياسيين

06 ديسمبر 2016
من تظاهرة ضد الفساد في بغداد(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
الأزمات السياسية، الوضع الأمني، سير المعارك، الفساد المستشري، وغيرها الكثير من الملفات، تشكّل خطوطاً حمراء في العراق يتخوّف مسؤولون عراقيون وسياسيون من التحدث عنها بشكل مباشر. ويأتي ردهم لدى سؤال صحافيين لهم عنها برفض ذكر اسمهم، أو التهرب من الإجابة بصورة غير مباشرة. هذا الأمر يعكس، بحسب مراقبين التقت بهم "العربي الجديد"، الصورة الواضحة لمتلازمة فشل التجربة الديمقراطية في العراق، وخوف متصدري المشهد في البلاد من تجاوز "الخطوط الحمراء" التي رُسمت لهم مسبقاً، وتهدد من يتجاوزها بالموت أو النفي من "نعيم المنطقة الخضراء". يستذكر أحد أعضاء البرلمان العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، عدداً من زملائه السابقين في البرلمان أو في الحياة السياسية، الذين صاروا ضحية تصريحات صدرت عنهم بحالة انفعال أو عاطفة، انتهت بهم ملاحقين من قِبل القضاء تحت خانة مواجهة الإرهاب أو الفساد، أو جثة هامدة بتفجير مفتعل، أو رصاصة مفاجئة وعادة ما تكون شماعة "الإرهاب" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حاضرة للتخلص من القضية، كما يقول.

ويضيف ضاحكاً: "لن أطلب ككل مرة عدم ذكر اسمي، لأنني هذه المرة سأتحدث عن سبب طلب عدم ذكر أسمائنا عند تناولنا مواضيع الخطوط الحمراء، لأننا لا يجب أن نتجاوز هذه الخطوط، وبعضها حتى رئيس الوزراء لا يستطيع تجاوزها". وعلى الرغم من أن أغلب تلك الملفات هي السبب الرئيسي في استمرار مأساة العراقيين اليومية، بدءاً بشلالات الدم اليومية، مروراً بتعثّر العملية السياسية وعزلة العراق عن محيطه العربي وحالة الفقر المدقع التي طاولت أكثر من ثلث العراقيين حتى ملف الفساد وانهيار قطاعات التعليم والصحة والقضاء والبنى التحتية، إلا أن أياً من المسؤولين لا يمكنه الإجابة عنها بصراحة، وإذا فعل كان مصيره السجن أو القتل، وإن حالفه الحظ سيتمكن من الفرار خارج العراق.

أما أبرز الملفات التي يُحظّر على المسؤولين العراقيين التحدث عنها بصراحة وكشف الحقائق حولها فهي:
1: الملف السياسي أو تحديداً ما يقول كثيرون في العراق إنه هيمنة إيرانية على مفاصل الدولة السيادية وعمليات الإقصاء السياسي على أسس طائفية، وفساد مفوضية الانتخابات وخضوعها للإملاءات الطائفية والحزبية، ودعم بغداد للنظام السوري وحزب الله اللبناني، وملف تعيينات أقرباء المسؤولين في السفارات العراقية خارج البلاد، ونظام المحاصصة الطائفي في توزيع المناصب، والجنسية الثانية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان و120 عضواً في البرلمان و11 وزيراً حالياً، وملف استيلاء الأحزاب والسياسيين على ممتلكات عامة تابعة للدولة.
2: الملف الأمني ويتركز على أسئلة مهمة ما زال العراقيون يبحثون عن إجابة لها، أبرزها مصير التحقيق بملف سقوط الموصل، وإحالة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، إلى القضاء، وصفقة الأسلحة وأجهزة كشف المتفجرات الفاسدة، وملف "الجنود الفضائيين" (فضيحة أظهرت وجود عدد كبير من أسماء عسكريين يتقاضون رواتبهم من دون أن يكونوا فعلياً في الخدمة العسكرية)، والوجود العسكري للحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وملف المجازر التسع في ديالى وبغداد والحويجة والأنبار وسامراء، وإخفاء أوراق تحقيق تفجير الكرادة الدامي، وإطلاق سراح عناصر إرهابية مقابل مبالغ مالية من سجون بغداد والأنبار والناصرية وبابل، والبحث في انسحاب قوات الجيش من الحدود مع سورية قبل يومين من اجتياح "داعش" للمدن العراقية.


3: الفساد المالي وكل ما يتعلق بمصير أموال النفط العراقية للسنوات العشر الماضية والتي تُقدّر بنحو 450 مليار دولار، فضلاً عن اختفاء أموال مشاريع المياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات، والتحقيقات بملابسات الآثار التي عُثر عليها في منزل المالكي، وملف غسل الأموال مع بنوك لبنانية وإيرانية، وميناء الفاو على الخليج العربي وملف البطاقة التموينية الشهرية للعراقيين.
4: ترسيم الحدود مع إيران وسيطرتها على حقول النفط المشتركة وتوليها حماية المراقد الدينية.
5: مصادر تمويل الأحزاب السياسية في العراق.
6: وثائق شهادات المسؤولين والسياسيين العراقيين الجامعية.
7: ملف الجثث المجهولة في بغداد والمحافظات المستقرة التي تستهدف مواطنين على أساس طائفي.
8: عمليات التعذيب والاغتصاب والاغتيال داخل السجون العراقية.
9: التغيير الديمغرافي في العراق على أساس طائفي في ثماني محافظات عراقية، من خلال حملات الطرد والتهجير التي تنفذها المليشيات بعلم الحكومة.
10: عائدات أموال المراقد الدينية، وكل ما يتعلق بدور المرجعيات بما يجري في العراق الآن.
11: قتلى المليشيات العراقية في سورية ومكاتب التجنيد في الأحياء الفقيرة.
12: استثمارات حزب الله اللبناني التجارية في بغداد ومدن جنوب العراق، وتواجده العسكري.
13: ثراء أعضاء مجلس القضاء الأعلى الفاحش في العراق، وملف شرائهم عقارات ضخمة وتجاوز بعضهم السن القانونية.
14: انتهاكات مليشيات الحشد الشعبي على الرغم من صدور 56 تقريراً عن منظمات أممية ودولية حقوقية خلال العام الحالي، إلا أن كلّ المسؤولين والسياسيين العراقيين يتجنبون التحدث عنها.
15: الجهات التي تقف خلف الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين في بغداد والجنوب.
16: ملف الطائرات التي قال المالكي إنه اشتراها من روسيا، لكن تبين أن تلك الطائرات هي الطائرات العراقية المحتجزة في إيران منذ حرب الخليج الأولى.
17: ملف البنوك الستة عشر الأهلية المزيفة في العراق وشرائها الدولار ونقله إلى إيران، وتعود بعضها لقيادات سياسية وحكومية بارزة.
18: قانون الأحوال الجعفرية وفقرات انتهاك حقوق المرأة والطفل.
19: ملف قضية اغتيال المرجع الخوئي في النجف.
20: الكشف عن ذمم المسؤولين المالية.

وحول الأسئلة العشرين وما تحويه من تفرعات، يقول الباحث في الشأن العراقي والأستاذ في جامعة صلاح الدين، طه العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الملفات يمكن لها ببساطة أن تفضح فشل التجربة الديمقراطية في العراق ونفوذ جهات تفرض سطوتها على المشهد العراقي العام بالدم". ويضيف أن "الإجابة بصدق عن هذه الأسئلة تودي بصاحبها في تهلكة، وهناك تجارب لشخصيات سنّية وشيعية وقعت ضحية إجابات صادقة عندما طُرحت عليها بعض تلك الأسئلة، أو تناولت بصدق مواضيع الفساد والأمن المفقود والتناحر السياسي أو هيمنة قوى خارجية على البلاد". ويشير إلى أن "هناك شخصيات شيعية عربية وطنية تعرضت للتهميش، وبعضها اغتيل في ظروف غامضة ونُسب مقتله إلى الإرهابيين"، معتبراً أن "الأمر لا يقتصر على أن طائفة ما أو طيفاً معيناً هو من يتعرض للتهديد بالقتل أو النفي السياسي إذا ما أجاب عن تلك الأسئلة".
ويواجه العشرات من الصحافيين العراقيين صعوبات بالغة في الحصول على تفاصيل ومعلومات تتعلق بملفات حساسة ومهمة في البلاد، وتحظى باهتمام الشارع العراقي والعربي على حد سواء، على الرغم من إقرار البرلمان خلال السنوات الماضية جملة من القوانين التي تُنظّم عملهم، من أبرزها قانون حق الوصول إلى المعلومة بالنسبة للصحافي وحماية مصادر الصحافي، إلا أن أيّاً من ذلك لا يعدو كونه حبراً على ورق.
وحول ذلك، يقول صحافي لبناني عمل في العراق لأكثر من ست سنوات، متنقلاً بين عدد من المحطات التلفزيونية والوكالات الإخبارية المحلية، لـ"العربي الجديد"، إنه نال نصيباً أكبر من المعلومات الصحافية خلال فترة عمله كونه أكثر قبولاً للسياسيين والمسؤولين من الصحافيين العراقيين، "لكن كالعادة بلا ذكر اسم صريح، بل نكتب مصدراً طلب عدم الكشف عن اسمه"، لافتاً إلى أن "بعض هذه المعلومات كانت من المالكي، الذي أراد تسريبها، فكان يتصل بي ويطلب مني نشرها من دون ذكر اسم". وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول عضو التيار المدني المستقل في العراق، محمد حمزة، لـ"العربي الجديد": "هذه خطوط حمراء وفتحها سيخلق مشاكل كثيرة لصاحبها، لذا يمكن اعتبارها أسئلة انتحارية، علماً بأن هناك أسئلة أخرى وكثيرة".

دلالات