يتوقع مسؤولون رفيعون ومحللون إسرائيليون انفجار مواجهة جديدة بين إسرائيل وحركة حماس بشكل أسرع من كل التوقعات، بسبب فشل الجيش الإسرائيلي في ردع الحركة خلال الحرب الأخيرة، ونتيجة الأوضاع المعيشية بالغة القسوة التي يعيشها أهالي قطاع غزة في هذه الأثناء.
وتحذر هذه القيادات من أنه على الرغم من "تواضع" قدرات المقاومة في غزة، مقارنة مع بقية أعداء إسرائيل، لكنّها تمثل حالياً مصدر الأنشطة العدائية الرئيسي ضد إسرائيل. وفي هذا الصدد، يقرّ وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بأنّ إسرائيل فشلت في ردع حركة حماس خلال الحرب، ما يعني أنّها لن تتردّد في شنّ حرب على إسرائيل في الوقت الذي تراه مناسباً.
ويوجّه ليبرمان انتقادات حادة إلى زميله وزير الأمن، موشيه يعالون، بسبب "تباهيه" بتحقيق الردع ضد "حماس"، قائلاً: "نتائج الحرب الأخيرة تحقق العكس تماماً من الردع". ونقلت صحيفة "ميكور ريشون"، في عددها يوم الجمعة الماضي، عن ليبرمان قوله إن "إسرائيل لم تفشل خلال الحرب الأخيرة فقط في ردع حماس، بل شجعت أطرافاً أخرى على المسّ بإسرائيل". ويعتبر أنّ "سلوك حزب الله الأخير كان نتاج أداء إسرائيل الإشكالي في الحرب الأخيرة".
من ناحيته، يذهب القائد الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، الجنرال عاموس جلبوع، إلى حدّ اعتبار غزة "التهديد الاستراتيجي الرئيس" الذي تواجهه إسرائيل حالياً، والمصدر الرئيسي للتحدّيات الأمنيّة والسياسيّة والدعائيّة التي تواجهها تل أبيب في الوقت الحالي.
ويصف، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" قبل أيام، غزة بأنها "برميل بارود قابل للاشتعال بسرعة"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من أن الجبهة الشمالية أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل، لكنّه منذ انسحاب إسرائيل منها عام 2005، أصبحت غزة تمثل قاعدة لانطلاق معظم العمليات العدائية ضد إسرائيل".
ويعيد جلبوع إلى الأذهان حقيقة أنّ غزة هي التي "أجبرت إسرائيل على خوض غمار ثلاث حروب، وهي التي جعلت قطاعات واسعة في العالم تتهم تل أبيب بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانيّة وإبادة شعب، وقتل أطفال، وتحميلنا المسؤوليّة عن الحصار والتجويع". ولعلّ ما يجعل الوضع بالغ التعقيد، وفق جلبوع، حقيقة أنّ حركة حماس التي تسيطر على غزة، ترفع "شعار إبادة إسرائيل، وغير مستعدة لأن تكون جزءاً من أية تسوية سياسية للصراع".
ويوضح أنّه على الرغم من تلقي حماس والجمهور الفلسطيني في غزة، ضربة قويّة خلال الحرب الأخيرة، لكنّ هذه الحرب لم تحلّ المشكلة الاستراتيجيّة التي تمثلها غزة. ويرى أنّ "الحصار الخانق، وانهيار آمال أهالي القطاع السريع في إمكانية الشروع في عملية إعادة إعمار ما تمّ تدميره خلال الحرب، يقلّص هامش المناورة أمام حماس ويدفعها إلى المواجهة".
ويزيد السلوك المعادي الذي يظهره نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأمور تعقيداً، وفق جلبوع الذي يقول إنّه يزيد فقط من خطورة انفجار الأوضاع. وفي هذا الصدد، يلفت معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، الأنظار إلى أنّ "كل الدلائل تشير إلى أنّ مشكلة الأنفاق الحربيّة التي مثلت أكبر خطر على الأمن الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة لا تزال قائمة".
ويضع، في مقال نشره الخميس الماضي، إعلان الجيش أخيراً، اكتشاف نفق بالقرب من مستوطنة "ناحل عوز"، في إطار التدليل على أنّ الجيش الإسرائيلي "بالغ في احتفائه بالقضاء على خطر الأنفاق". ويشدد على أن "حماس" معنيّة بمواصلة تطوير الأنفاق وتحسين شروطها؛ لأنها تدرك أنها وسيلة استراتيجية تمكّنها من تقليص آثار التفوّق الإسرائيلي البري والجوي. وينقل ميلمان عن محافل عسكريّة قولها إنّ "اندلاع مواجهة جديدة مع حماس هي مسألة وقت فقط"، مشيراً إلى أن "هناك إجماعاً بين الجيش وكل الأجهزة الاستخباريّة على أن كتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، تقوم حالياً باستخلاص العبر من الحرب الأخيرة وتعمل على تعزيز قدراتها بشكل كبير".
ويقول ملمان إنّه "لا يكاد يمر أسبوع بدون أن تقوم "كتائب القسام" بتجارب على إطلاق صواريخ، باتجاه البحر"، لافتاً إلى أنّ "اتجاه حماس لتطوير وإنتاج صواريخ بإمكانيّات محليّة وذاتيّة، يرجع إلى الجهود التي يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي جعلت إمكانيّة تهريب الصواريخ عبر الأنفاق مستحيلاً".
ويكشف ميلمان النقاب عن أنه قد توفّرت معلومات استخباريّة تفيد بنجاح طواقم الهندسة لدى حماس ببناء أنفاق قوية، حتى من دون استخدام الإسمنت والحديد.
في موازاة ذلك، يُظهر مسح أجرته منظمة "يتسيلم" الحقوقيّة الإسرائيليّة، أن 70 في المائة من الفلسطينيين الذين قتلوا في غارات نفذها جيش الاحتلال واستهدفت بيوتا خلال الحرب الأخيرة، هم من المدنيين الذين لا علاقة لهم بالمطلق بالمقاومة الفلسطينية. ونقلت صحيفة "هآرتس" أخيراً عن المنظمة قولها إن هذه المعطيات تنسف مزاعم الجيش بأنه استهدف فقط قادة وعناصر الجناح العسكري لحركة حماس.