المقاومة بالضحك.. ديموقريطس بيننا

24 يونيو 2015
سلافة حجازي/ سورية
+ الخط -

خُصّ الضحك منذ العصور القديمة بعناية فلسفية وفكرية، استمرت لغاية القرن العشرين مع ظهور كتاب هنري برغسون الذي يعتبر تتويجاً يليق بهذا السلوك الإنساني الخالص.

وقد افتتح الفيلسوف اليوناني ديموقريطس هذا الاهتمام بالضحك -ضداً على أَسى هيراقليطس ودموعه التراجيدية - بوصفه أداة ناجعة لتفسير أُحجية الحياة ومحاولة جدّية لمقاومة الناموس العبثي الذي تتصف به. وحاول خصومه -من المثاليين خصوصاً- النيل من أسلوبه هذا، لأن ديموقريطس كان من أنصار النزعة المادية.

وإن كان واقع ديموقريطس في ذلك العصر يختلف عن واقع العالم العربي اليوم، فإن بعض مواطني هذا العالم الجريح يحاولون بطريقتهم استحضار الروح الضاحكة لهذا المفكر.

مع تمدّد الحركات المتطرفة وانزوائها المشبوه بأحلام التغيير العربي، انبرى حَمَلَة هذا الحلم المغدور للتصدي لهذا التمدد، الذي تغذى ونَما على هامش الديكتاتوريات القمعية التي تواترت على ربوع الوطن العربي، مستعينين بوسائل متباينة لعلّ من أشدها لفتاً للنظر تلك التي اتخذت من السخرية والضحك وسيلة للمقاومة.

يستخدم هذا الشكل المقاوم الوسائط الجديدة للإعلام، مثل مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، من أجل إرساء ما يشبه كوميديا سوداء تحاول بطريقتها مساءَلة العبث الذي أصبح السمة الأبرز في يوميات الكثير من المواطنين؛ ورغم ما يشي به فعل الضحك من لاجدوى في نظر البعض بإزاء هذه الأحداث، إلا أنه يكشف في جوهره عن تمثّل لضحك ديموقريطس الذي يعدّ محاججة مجدية لمواقف تفرضها الحياة بتناقضاتها، ويساهم فيها الإنسان بإِشْكَالِه وعنفه في رسم لوحة اللامعقول الأشد قبحاً.

تحاول هذه المقاومة تعرية زيف التطرف، كاشفة بسخرية رمزية عن إسهامه في آلة الدمار مع الأنظمة التي تحسن التشبث بالسلطة أكثر من تشبثها بالحياة؛ وتكشف الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى فيديوهات كثيرة الطابع الهزلي الذي يحاكي به هؤلاء التطرف بطريقتهم. إذ إن هذه الظاهرة لا تعارضه بالتضاد والمناقضة بل تتماهى مع خطابه وتحاول بسخريتها إضاءة الزوايا المظلمة في هذا الفكر العنيف، مثل تعامله مع قضايا المرأة وحقوق الأقليات التي تختلف معه عقائدياً وعرقياً؛ محاولةً النأي بنفسها عن مواقع المقاومة التقليدية التي تُفضّل الصدمة والخلخلة، والتي أثبتت فشلها بل وتحالفها مع السلطة القمعية في كثير من الأحيان.

وإذ تنبع هذه المقاومة من الداخل، من أناس يصارعون التطرف ويعيشونه كتجربة يومية مريرة، فإنها تكشف عن تبصّر لجوهره وتطرح بوادر حلّ جذري، على مستوى الأفكار أساساً، بعد أن أبان الحلّ الأمني يوماً بعد آخر عن لاجدواه وقِصر يده في مواجهة هذا الورم.

ورغم تعذر مواكبة ظاهرة تعيش على هامش متن مُثقل بالجراح، إلا أن تأملها يكشف أن التغيير ما زال يعد بالبزوغ.

دلالات
المساهمون