لم يحمل اجتماع وزيري الخارجية، الإيراني محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري، والذي عقد يوم السبت في جنيف، ذاك التفاؤل الذي يعقب اجتماعات من هذا القبيل؛ فلا التصريحات الإيرانية الصادرة بعد هذا اللقاء تشير إلى تقدم ملحوظ يتعلّق بالمفاوضات النووية التي تجريها إيران مع الغرب، ولا يبدو أن المقترحات المطروحة في الاجتماع قد حملت أي جديد لطاولة الحوار النووي الإيراني.
اقرأ أيضاً: لقاء إيراني أميركي مرتقب في جنيف
ونقلت وكالة أنباء "فارس" عن ظريف قوله إنه بحث كل المسائل المتبقية على طاولة الحوار مع نظيره الأميركي، قائلاً إن كل الخلافات لا تزال قائمة، دون أن يحدد ماهية الخلافات، مشيراً إلى أنه بحث اقتراحات جديدة تتعلق بمسألة طلب الغرب بتفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية، وهو ما ترفضه السلطة الإيرانية العليا الممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، وفق تصريحات رسمية صادرة عنه شخصياً.
وأضاف ظريف أن وفده المفاوض يعمل على تكثيف الحوار حول هذه المسألة وغيرها من الخلافات السياسية والفنية المتبقية خلال الأسابيع الأربعة المقبلة، ومن المفترض أن تنتهي هذه المفاوضات خلال شهر واحد ليعلن عن الاتفاق النووي النهائي المرتقب مطلع يوليو/ تموز المقبل (موعد انتهاء المفاوضات المتفق عليه أواخر يونيو/ حزيران)، وفق ما ينص اتفاق جنيف النووي المؤقت.
وكما ظريف، فإن مساعده عباس عراقجي وممثله في المفاوضات كرّر الكلام نفسه، بحيث أكّد على أن المفاوضات معقدة وصعبة، وأن ملفاتها ليست سهلة؛ فعراقجي خاض جولة مفاوضات مع ممثلين عن دول 5+1 خلال الأيام القليلة الماضية، ولا يبدو من هذه التصريحات أن حل المسائل المتبقية سيكون سهلاً.
وما يدل على ذلك هو تصريحه في لقاء مع التلفزيون المحلي الإيراني الأسبوع الماضي، حين قال إن "ما يهم البلاد هو التوصل لاتفاق جيد واضح المعالم ويحل كل المسائل، وليس المهم هو الجدول الزمني المحدد"، مشيراً إلى "احتمال تمديد المفاوضات إلى ما بعد الثلاثين من يونيو الجاري". لكن القيادة الأميركية نفت أن تكون هناك أي نية للتمديد.
رغم ذلك، يتحدث بعض المسؤولين الإيرانيين في الداخل عن أهمية توقيع اتفاق جيد دون التقيّد بالجدول الزمني، وهو ما جاء كذلك على لسان أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني، الذي قال إنه من الضروري أن تصل كل الأطراف لإجماع حول جميع الملفات لا بعضها، وجاء حديثه هذا خلال حوار تلفزيوني بُثّ على القناة المحلية الإيرانية ليل السبت.
لا يبدو من التصريحات الإيرانية أن الأمور تسير بسهولة خلال جولات المفاوضات النووية الحاسمة، ولا سيما مع وجود خلافين رئيسيين على طاولة الحوار، أحدهما يتعلق بتفتيش المواقع العسكرية ومقابلة علماء إيران النوويين والتحقيق معهم، وثانيهما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
بالنسبة للتفتيش، فإن الخلاف ظهر جلياً بعد تصريحات لأعضاء الوفد المفاوض، والتي أفادت بأن تفتيش المواقع العسكرية مقبول بشروط محددة، وهي الشروط التي يحددها البروتوكول الإضافي الذي توقعه طهران كجزء من الاتفاق النووي النهائي، وهو ما تم الإعلان عنه كجزء من بنود اتفاق الإطار الصادر من لوزان السويسرية في شهر إبريل/ نيسان الماضي. غير أن القيادات العليا في البلاد ترفض هذا الأمر.
وهناك عقبة أخرى تتلخّص بسيطرة المحافظين على البرلمان المسؤول عن التصويت للتوقيع على هذا البروتوكول الذي يسمح بتفتيش فوري ومباغت للمنشآت النووية، وهذه المشكلة تلخّص عقدة صعبة تواجه الوفد المفاوض داخلياً.
وكان رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني قد دعا، يوم الأحد، إلى التركيز على مسار المفاوضات النووية، التي قال إنها تسير بشكل دقيق وصعب، مضيفاً أن لجنة الأمن القومي العليا التي يرأسها المرشد علي خامنئي هي التي تشرف على المفاوضات وتعطي الملاحظات اللازمة للمفاوضين، داعياً الجميع إلى النظر بواقعية لمعطيات ما يجري.
وبالنسبة للعقدة الثانية التي تواجه المحادثات، والمرتبطة بالعقوبات، فقد نقلت وكالة "رويترز" في وقت سابق، أن الدول الست الكبرى اتفقت على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا ما خالفت شروط الاتفاق النووي المفترض توقيعه مستقبلاً.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران فؤاد إيزدي، لـ"العربي الجديد"، إن نقطة الخلاف الأساسية تتعلق برغبة الغرب بالإبقاء على العقوبات الأصلية الكبرى وهي ذاتها التي تريد طهران التخلص منها أولاً.
وأضاف إيزدي أن هذا المقترح قد يعقّد المفاوضات أكثر بحال طرح بالمقابل تعليق العقوبات المفروضة على البلاد وإلغاؤها بشكل تدريجي، ولكن بعد التأكد من التزام إيران بتعهداتها، وهو الأمر الذي يرفضه كثيرون في الداخل قبل المفاوضين النوويين، إذ يريد عدد كبير من المسؤولين إلغاء العقوبات بشكل فوري ودفعة واحدة.
وتوقع الخبير الإيراني ألا تسير الأمور بسهولة خلال الفترة القليلة المتبقية بسبب وجود العقبتين المتعلقتين بتفتيش المواقع العسكرية الإيرانية أولاً وبإلغاء العقوبات أو إعادة فرضها ثانياً، ولا سيما أن طهران لا تريد تعليق الحظر وإنما تبتغي فتح أبواب البلاد لحل الكثير من المسائل الأخرى المرتبطة بها وهذا بعد توقيع الاتفاق النووي.
اقرأ أيضاً: أحجية إيرانيّة حول القبول بتفتيش المواقع العسكريّة