يستعدّ المغرب للانتقال إلى نظام صرف مرن، حيث يراه خياراً لا محيد عنه في ظل الانفتاح الاقتصادي للمغرب، بعدما بادر في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى إعادة النظر في سلة العملات الأجنبية التي يحدد على أساسها سعر صرف العملة الوطنية.
وقال محافظ المصرف المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، إن المرور إلى نظام صرف مرن، يفترض أن يستند إلى ركائز متينة، بالموازاة مع إعداد الفاعلين الاقتصاديين والمصارف.
وشدد الجواهري، خلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء بالرباط، على أن "الانتقال إلى نظام صرف مرن، يستدعي دعماً موازنياً وقطاعاً بنكياً قادراً على المقاومة". هو ما تم التأكيد عليه في مناسبات سابقة عندما كان يطرح عليه السؤال حول مستقبل نظام صرف الدرهم.
وأضاف الجواهري، الذي سبق له أن تولّى مسؤولية وزارة المالية عندما تبنّى المغرب برنامج التقويم الهيكلي في الثمانينات من القرن الماضي، أن اتخاذ قرار الانتقال لنظام صرف مرن يقتضي دعم القيمة الخارجية للعملة الوطنية وإيجاد نظام جديد للتوقعات الاقتصادية.
وأكد على أن البلدان التي اختارت الانتقال إلى نظام صرف مرن، عمدت إلى ذلك تحت تأثير أزمة خانقة، مشيراً إلى أن هذا الوضع لا يسري على المغرب في الوقت الراهن، على اعتبار أن الحكومة سعت في الثلاثة أعوام الأخيرة إلى إعادة تركيز التوازنات المالية والتحكم في التضخم، بينما ساعدت الظروف الحالية المتمثلة في تراجع سعر البترول وارتفاع صادرات الفوسفات والاستثمارات الخارجية، في تعزيز رصيد المملكة من النقد الأجنبي.
ورغم تأكيده على اتجاه النية نحو الإعداد للانتقال لنظام صرف مرن، إلا أن المحافظ يشدد على أن تلك العملية يجري الإعداد لها بطريقة متأنية، معتبراً في الوقت ذاته، أن الانتقال لنظام صرف مرن وتحرير تدريجي لذلك النظام، يخدم مصلحة المغرب في التحول إلى مركز مالي إقليمي ودولي.
ويشدد المحافظ على أن الإعداد لنظام الصرف يتم مباشرة بتشاور مع المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي، الذي ما فتئ يدعو المملكة إلى إعادة النظر في ذلك النظام. ورغم أن الصندوق أكد على تقدم المغرب في التحكم في التوازنات المالية، إلا أنه يشدد على ضرورة المضي في الإصلاحات التي تهم مجالات مثل التقاعد ونظام صرف مرن للعملة الوطنية.
ويعتبر بنك المغرب أن عدم تحرير سعر صرف الدرهم في الأعوام السابقة، ساهم في التخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، على اعتبار أن وجود عملتين في سلّته خلق نوعاً من التوازن في ظل انخفاض أو ارتفاع إحدى العملتين العالميتين.
وتؤيد وزارة الاقتصاد والمالية مسألة الانتقال لنظام صرف مرن، حيث يؤكد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، بأنها تنكب على دراسة السيناريوهات التي ستفضي لذلك. ويميل خبراء الوزارة إلى فكرة التحرير التدريجي لسعر صرف الدرهم، حيث يرون أنه يتوجب الاسترشاد بالطريقة التي انتهجت من أجل تحرير سعر النفط عند الاستهلاك.
اقرأ أيضاً: المغرب يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد إلى 5%
ويرجح أن يُسار في البداية إلى تحرير جزء من العملة الوطنية، لكن بطريقة مراقبة ومُتَحكّمٍ فيها، بما يخدم تنافسية الاقتصاد المغربي، خاصة أن المصدّرين لم يكفوا في الأعوام الأخيرة عن الطالبة بتحرير سعر صرف الدرهم، وهو ما كان محافظ المركزي يواجهه بالتأكيد على أنه لا يمكن اتخاذ ذلك القرار خدمة لقطاعات بعينها تجد صعوبات على مستوى التصدير، بل لا بد أن يكون ذلك في إطار نظرة شمولية تأخذ بالاعتبار تنافسية الاقتصاد ككل.
وتتصوّر وزارة الاقتصاد والمالية أن الظروف ملائمة للانتقال لنظام صرف مرن في ظل التحكم في التضخم وخفض العجز العمومي والحفاظ على التوازنات المالية الكبرى وعودة الانتعاش الاقتصادي لشركاء المغرب، مثل الاتحاد الأوروبي. ويتوقع "المركزي" المغربي أن يظل التضخم في العام الجاري في حدود 1.8%، فيما سيصل عجز الموازنة إلى حوالى 4.3% مقابل 4.9% في العام الماضي.
وكان وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، شدد في مناسبة سابقة، على أن مراجعة نظام صرف الدرهم المغربي، يفترض أن تواكبها مراقبة المخاطر التي تنجم عن ذلك على رصيد المملكة من النقد الأجنبي، الذي ارتفع، حسب ما صرح به محافظ المصرف المركزي أول أمس الثلاثاء، بـ19.7%، حيث وصل إلى أكثر من 21 مليار دولار، ما يساعد على تغطية 6 أشهر من مشتريات المغرب من الخارج.
وكان المغرب أعاد النظر في سلة العملات الأجنبية التي يتحدد على أساسها سعر العملة المحلية، في أبريل/نيسان، بشكل مشترك بين محافظ المركزي المغربي ووزير الاقتصاد والمالية، وهو قرار يندرج ضمن السعي إلى اعتماد نظام صرف أكثر مرونة يستجيب لرغبة الفاعلين الاقتصاديين، خاصة المصدّرين.
وتتكوّن سلة العملات اعتباراً من أبريل/نيسان المقبل، من 60% من الدولارالأميركي و40 في المائة من اليورو، مقابل 80% و20% على التوالي في السابق، حيث كانت تلك المرة الأولى التي يعيد فيها المغرب النظر في سلة العملات التي يتحدد على أساسها سعر صرف الدرهم المغربي منذ عشر سنوات.
وعرف المغرب في الأعوام الأخيرة تراجعاً للمبادلات التجارية مع منطقة اليورو، في الوقت الذي ما فتئت ترتفع المبادلات مع الولايات المتحدة التي يرتبط معها المغرب باتفاق للتبادل الحر، كما ارتفعت وتيرة المبادلات مع الصين وأفريقيا.
واندرج قرار إعادة النظر في سلة العملات ضمن التوجه الجديد الذي يوصي به صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية، بإضفاء نوع من المرونة على نظام الصرف، بما يساعد على تشجيع تنافسية الاقتصاد المغربي في الخارج، خاصة أن العجز التجاري يتفاقم في ظل ضعف الصادرات وارتفاع الواردات.
اقرأ أيضاً: لا تراجع للأسعار في المغرب رغم تهاوي النفط