المغرب يؤمّن طاقته عبر نافذة الشمس

23 ديسمبر 2015
ارتفاع الوعي المجتمعي بالطاقة النظيفة في المغرب (فرانس برس)
+ الخط -



يدخل المغرب عهدا جديدا في مجال "الطاقة الخضراء"، مع تدشين محطة "نور 1" بضواحي مدينة ورزازات، جنوب البلاد، نهاية الشهر الجاري، باعتبارها أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، ما يتيح للمملكة التخفف من العِبْء المالي لاستيراد النفط، فضلا عن تفادي الغازات الملوثة، وإنارة ملايين البيوت في المنطقة عن طريق مخزون الشمس.

ويطلق المغرب محطة توليد الطاقة الشمسية "نور"، لتشكل بذلك لبنة رئيسية ضمن محطات أخرى مرتقبة، هي "نور2"، و"نور3"، و"نور4"، تمكن من إنتاج ما قدره 500 ميغاوات، بكلفة إجمالية تقترب من 10 مليارات دولار، وهي مشاريع طموحة يرجو منها المغرب أن يحدد مستقبله الطاقي بيده، ويطور من ظروفه البيئية، ويجذب السياح والمستثمرين أيضا.

طموحات شمسية

وبحسب وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عبد القادر اعمارة، فإن المغرب يسعى بقوة إلى أن يكون من رواد الطاقات المتجددة في العالم، فكما كان النفط هو إكسير الحياة وعماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القرن الماضي، يمكن لهذه الطاقات المتجددة، وهي الريح والشمس أساسا، أن تلعب ذات الدور.

ويطمح المغرب، وفق الوزير ذاته، من خلال إنشاء محطة "نور" للطاقة الشمسية أن يحقق اكتفاء ذاتيا من قدرته الكهربائية بنسبة 42% بحلول سنة 2020، ليرتفع سقف الطموح أيضا إلى أن تصل النسبة إلى حوالى 52% في حدود سنة 2030.

ولفت المسؤول الحكومي ذاته إلى أن المغرب يحظى بنعمة الشمس الساطعة والساخنة، خاصة في أقاليمه الجنوبية، ومن ثم كان التفكير في استثمار أشعة الشمس الطبيعية والمجانية، لتصبح مصدرا للطاقة النظيفة عبر تقنيات التخزين، ولتعطي للبلاد مردودية اقتصادية واجتماعية أفضل.

ويأتي افتتاح أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية بالعالم، بضواحي ورزازات، ثمرة لمجهودات مضنية دامت أزيد من 30 شهرا، باعتبار أنه تم الإعلان عن إطلاق أشغالها من لدن العاهل المغربي في مايو/أيار من سنة 2013، واشتغل على إنجازها أكثر من ألف شخص، من مهندسين وتقنيين وعمال.

وكانت الوكالة المغربية للطاقة الشمسية قد أعلنت عند انطلاق مشروع بناء محطة "نور"، أن مساحة المحطة تبلغ 4 ملايين متر مربع، وتحتضن زهاء نصف مليون لوح زجاجي مقوس وعاكس لأشعة الشمس، بارتفاع 12 مترا لكل واحدة، وتنتظم كلها في 800 صف طويل ومتواز، وتدور وفق حركة الشمس، حيث تلتقط الأشعة المنبعثة، وتحولها إلى طاقة نظيفة.

الاحتفاء بالشمس

ويبدو أن اختيار الجهات المشرفة على توليد الطاقات المتجددة بالمغرب، خاصة الشمسية منها، لمنطقة ورزازات لم يكن عبثا، فهذه المنطقة ونواحيها تعتبر من أكثر الأماكن استقبالا للشمس في البلاد، ما يجعلها مدينة مشمسة في أغلب أوقات السنة، ولتكون الأنموذج الأفضل لتشغيل محطة للطاقة الشمسية.

وتقع ورزازات، وهو الأسم الذي يعني باللهجة الأمازيغية المحلية "المدينة المسالمة"، وتلقب بـ "باب الصحراء"، في جنوب شرق المغرب، وتحديدا في الجنوب الغربي لمدينة مراكش الشهيرة بحوالي 200 كلم، كما تبعد بـ290 كلم عن مدينة الراشيدية، وتشتهر ورزازات بكونها عاصمة تصوير الأفلام العالمية، حتى أنها لقبت بـ"هوليوود أفريقيا".

اقرأ أيضاً: المغرب يراهن على الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الخارج

وتوجد محطة "نور" لتوليد الطاقة الشمسية في ضواحي ورزازات، وذلك على بعد كيلومترات قليلة من الشمال الشرقي لمدينة الراشيدية، حيث تبدو لكل من زارها مثل حديقة من المرايا والألواح الشمسية البراقة، تسير وفق وتيرة متناغمة ومنسجمة، وتتسم بالبطء وهي تقتفي أشعة الشمس أينما حلت وارتحلت.

وباتت ورزازات، عدا كونها عاصمة الأفلام السينمائية العالمية، عاصمة للشمس بامتياز في المملكة، وذلك منذ أن حطت فيها التجهيزات اللوجستية، وحل بها المهندسون والتقنيون، من أجل تركيب عشرات الألواح الضخمة، قبل حوالي 30 شهرا من اليوم، فكل شيء تقريبا في ورزازات صار مرتبطا بالحديث عن الشمس.

وتحتفل المدينة بالشمس خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن صارت محط أنظار العالم لكونها محتضنة لأكبر محطة للطاقة الشمسية، من خلال إقامة "مهرجان الشمس"، يعرف تنظيم حفلات موسيقية، وعروضا فنية من العديد من الدول، فضلا عن إقامة معارض للمعدات التي تشتغل بالطاقة الشمسية، وورشات وأنشطة اجتماعية لفائدة السكان، قصد تعريفهم بتجربة الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية منها.

فوائد اجتماعية

وإذا كانت للمحطة الشمسية فوائد بيئية لا يمكن أن ينكرها أحد، حيث ستساهم في إنارة زهاء مليون بيت في المنطقة الجنوبية، انطلاقا من الطاقة الشمسية المركزة، فإن لها أيضا ثمارا اجتماعية لا تخفى على أحد، خاصة بالنسبة لسكان المناطق المجاورة لمكان محطة نور.

ويؤكد عدد من سكان منطقة ورزازات، والمدن المجاورة لها، والتي تتسم بالهشاشة الاجتماعية، بأن ملامح المناطق التي يقطنونها تغيرت بشكل إيجابي خلال الفترة الأخيرة، وستتحول إلى الأفضل بعد إطلاق تشغيل المحطة الشمسية، بالنظر إلى ما ستجلبه للمنطقة من استثمارات وفرص شغل للشباب العاطل.

وتؤكد في هذا الصدد الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة ابتسام العوفير، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أن المحطة الشمسية تتعدى فوائدها ما هو بيئي واقتصادي، لتلعب دور المنقذ الاجتماعي لشباب المنطقة في ورزازات، بالنظر إلى أن أغلبهم يعانون من التهميش، ويكتفون بالعمل بشكل موسمي كـ "كومبارس" في الأفلام الأجنبية التي تُصور في الاستوديوهات الطبيعية للمنطقة.

وتابعت العوفير، أن كل المنطقة ستعرف تحسنا في ظروف العيش القائمة، بفضل ما ستجره المحطة الشمسية من عائدات مباشرة وغير مباشرة، كما ستتيح لمسؤولي المنطقة من مباشرة مشاريع تنموية بشأن تشييد الطرق، ودعم مهن السكان وحرفهم المحلية، من قبيل زراعة فسائل النخيل، وتربية المواشي، علاوة على تنمية مستويات التعليم والصحة بالمنطقة.

وترى الباحثة أن المحطة الشمسية الأكبر في العالم من المنطقي أن تخلق فرص عمل هامة لشباب المنطقة، واليد العاملة المحلية، كما ستنعش الحياة الاجتماعية للسكان، وقد تدخل على أنماط حياتهم الكثير من التحولات، فإذا كان النمط السائد هو ذلك البدوي، فإن قيم التمدن قد تهيمن على سكان المنطقة بشكل أكبر.

ويرى مراقبون أن المحطة الشمسية بصدد إحداث "ثورة اجتماعية" في كل المنطقة التي تحتضن وتجاور أكبر محطة للطاقة الشمسية، حيث إن ورزازات خصوصا لن تعرف حاليا فقط بكونها "هوليوود أفريقيا والعرب".

 


اقرأ أيضاً:
المغرب سيطلق أكبر محطة للطاقة الشمسية بالعالم
المغرب يقترض 300 مليون دولار لزيادة النمو الأخضر

دلالات
المساهمون