بعد انتهاء الجولة الرابعة من مفاوضات السلام بين فرقاء النزاع في ليبيا، والتي تحتضنها الأراضي المغربية منذ عدّة أسابيع، وانصرام الجولة الثانية من جلسات الحوار المخصصة للأحزاب بالجزائر، يتطلع الليبيون إلى البلد الذي قد يأتي منه "الفرج" لحقن الدماء التي تسيل في البلاد.
وتجري محادثات "السلام الليبي"، التي تشرف عليها الأمم المتحدة، في مدينة الصخيرات، الواقعة جنوب العاصمة الرباط، حيث يرتقب أن تحتضن في بداية شهر مايو/ أيار المقبل، الجولة الخامسة من الحوار بين وفدي مجلس النواب الليبي المنحل (طبرق)، و"المؤتمر الوطني" الليبي المنتهية ولايته.
وفي الجزائر، يلتقي عدد من زعماء الأحزاب وقادة سياسيون ليبيون، حيث من المزمع أن تستقبل في بداية الشهر المقبل أيضاً الجولة الثالثة من هذا الحوار، التي قد تشارك فيها شخصيات ليبية للمرة الأولى، مثل عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، علي صلابي، ورئيس الحكومة الأسبق، علي زيدان.
وفيما يذهب مراقبون إلى أن إجراء جولات للحوار بين الأطراف الليبية في كل من المغرب والجزائر يسير بشكل متوازٍ كي يضمن النتائج المنشودة بإيجاد حلّ للصراع في ليبيا، يرى آخرون أن هناك تنافساً سياسياً بين البلدين الجارين والغريمين، المغرب والجزائر، حيث يطمح كل منهما لتسجيل اسمه في تاريخ ليبيا الحديث.
الدور المغربي
وقال مصدر حكومي، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الملف الليبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الجلسات الرئيسية للحوار هي التي تجري على أرض المملكة، بينما الحوار الموازي الذي احتضنته الجزائر في جولتين سابقتين، يأتي كي يدعم المفاوضات الأصلية بالمغرب.
ولفت المصدر إلى أن محورية مفاوضات السلام التي تشهدها مدينة الصخيرات المغربية تحديداً، تكمن في طبيعة الوفود التي تتفاوض فيها، وتمثل الطرفين الرئيسيين في النزاع الدموي بليبيا، وهما مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام، بينما تحضر في حوار الجزائر شخصيات حزبية من أطراف الصراع.
وأشار المتحدث إلى أن جولات الحوار بين الفرقاء الليبيين التي تحتضنها المغرب منذ أسابيع خلت، كانت سابقة لجولات الحوار في الجزائر، "إذ عُقدت أربع جلسات بالمغرب، بينما عُقدت في الجزائر جلستان فقط، ما يعني أن الحوار الليبي بالجزائر تابع لحوار المغرب"، على حدّ تعبيره.
التنسيق الجزائري
في المقابل، تحتفي وسائل إعلام جزائرية بالدور الذي تلعبه بلادها في إيجاد حلّ سياسي للصراع في ليبيا، قبل أن تدخل في دوامة عنف لا تنتهي، إذ إنّها تشير إلى دنو التوصل لاتفاق يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى تسيير المرحلة الانتقالية وبناء الدولة الجديدة.
اقرأ أيضاً ("المؤتمر" ملتزم بالحوار الليبي بالمغرب رغم قصف "المجرم حفتر")
ويرى محللون جزائريون بأن فرقاء الأزمة الليبية والمجموعة الدولية، بقيادة الأمم المتحدة، يعلقون آمالا كبيرة على الجولة الثالثة من الحوار المزمع عقدها قريباً بالجزائر، استناداً إلى مسودة الجولة الثانية التي تنص على "الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية بمشاركة كل الأحزاب والفعاليات السياسية".
ويستشهد محللون جزائريون بأهمية الحوار الذي يجري على أراضيهم، بتصريحات رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، التي أشاد من خلالها بالتنسيق الثمين للجزائر، "والذي لولاه ما كان لمسار السلام بين الفرقاء الليبيين أن يبلغ ما هو عليه اليوم"، وفق تعبيره.
اقرأ أيضاً (تفاؤل بالحوار الليبي مع اختتام الجولة الرابعة)
وأكد مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، إدريس لكريني، لـ"العربي الجديد"، أن الملف الليبي وصل إلى مستوى خطير من التعقيد، "فلا تزال هناك مجموعة من الإشكاليات التي تعرقل مسار التحوّل في البلاد، وهناك ضعف التماسك الاجتماعي، وهشاشة المجتمع المدني الوليد، وغياب أحزاب سياسية".
ولفت لكريني إلى "التهافت الدولي على توجيه الأحداث خدمة لمصالح خاصة، بالنظر إلى الثروات النفطية الليبية، إضافة إلى التسرّب الواسع للسلاح إلى عدد من الجماعات والمليشيات وتصاعد المدّ القبلي، علاوة على تركة النظام السابق، من حيث وجود حالة فراغ مؤسساتي".
وأوضح المحلل أن هذه الوضعية تجعل من "خيار التفاوض كسبيل لتسوية الصراعات والمنازعات المعقدة، أمراً حيوياً في هذه المرحلة التي وصلت فيها الأوضاع الداخلية إلى حد لا يطاق، وأصبحت تشكل فضاءً لانتعاش الكثير من الجماعات المسلحة والمخاطر التي تشكل تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة والعالم".
وأشار إلى أن الخيار التفاوضي الليبي يحتاج إلى حسن نية الأطراف المتصارعة، وتركيزها على الأولويات المطروحة باتجاه إحداث حكومة وطنية، وتعزيز الأمن، والاستقرار، والانكباب على بناء المؤسسات الدستورية، واستثمار الإمكانيات المتاحة لتحقيق التنمية وتجاوز المعضلات المتراكمة.
وخلص إلى أن "المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة إذا ما تم التعاطي معها باستحضار المصالح الاستراتيجية للمنطقة، وبغض النظر عن البلد الذي يحتضنها، لا يمكن إلا أن تكون في صالح تحسين الأوضاع السياسية في ليبيا وتجاوز المعضلات القائمة، وتقطع الطريق على خيارات قد تكون تبعاتها أخطر على المنطقة".