المغرب.. من حزب الدولة إلى أحزاب الدولة
كان عنوان المرحلة السياسية في المغرب، من 8 أغسطس/ آب 2009، تاريخ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي وُصف بأنه حزب الدولة، وحزب صديق الملك، إلى 20 فبراير/ شباط 2011، تاريخ انطلاق النسخة المغربية من الربيع العربي، هو "البنعلية"، أي تَمَثُّل نموذج حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، القائم على "أسبقية التنمية على الديمقراطية"، وحصر الأحزاب السياسية في الحيز الضيق، المتروك لها على هامش حزب الدولة، مع تعميق تناقضات القوى الحية، وأساسا الإسلاميين واليساريين.
والحقيقة أن هذا النموذج الذي فكّكته حركة 20 فبراير، قبل أن يعود بقوة سنة 2013 مع الثورات المضادة، بدأ الاشتغال عليه، في المغرب، منذ 2002، أي منذ "الخروج على المنهجية الديمقراطية"، بتعبير حزب الاتحاد الاشتراكي، بعدما عَيَّن الملك محمد السادس وزيرا أول تكنوقراطيا، هو إدريس جطو، بدل التمديد للوزير الأول الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، على الرغم من أن حزبه (الاتحاد الاشتراكي) حلَّ في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية لسنة 2002. فمنذ هذا الحين، ظل محيط الملك محمد السادس يردد أن الأحزاب الموجودة في الساحة شاخت، وترهلت إلى الحد الذي لم يعد يسمح لها بمواكبة سرعة الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها ملك شاب، كما أنها عاجزة عن مواجهة الاكتساح المتنامي لـ"الخطر الإسلامي"، ممثلا في حزب العدالة والتنمية، الذي احتل المرتبة الثانية في انتخابات 2007، مسبوقا بحزب الاستقلال المحافظ، وهو ما سرَّع في إيجاد "حزب صديق الملك فؤاد عالي الهمة" الذي ضم، في سابقةٍ من نوعها، عناصر من اليسار الماركسي إلى جانب محترفي الانتخابات (الأعيان)، وقد عبَّر اسم الحزب الجديد عن هذه الخلطة، بجمعه مفهومين على طرفي نقيض: الأصالة والمعاصرة.
كان هدف هذا الحزب من جمع ما لا يُجمع أن يتكفل "أعيان" الحزب، الأثرياء، بمنافسة الإسلاميين، انتخابيا، على أن يضطلع اليساريون بمقارعتهم إيديولوجيا، والحد من تأثير الفكر والفعل الإسلامييين على المجتمع، غير أن نتائج هذه التوليفة كانت كارثيةً، وجاءت في مجملها على الشاكلة التي تم بها تنظيم مسيرة الدار البيضاء الضخمة التي سبقت انتخابات 2016 البرلمانية، تحت شعار "ضد أسلمة وأخونة الدولة"، حيث صبت المسيرة في صالح حزب
العدالة والتنمية، بعدما كشف "الإعلام الجديد" أن جهاتٍ من داخل وزارة الداخلية، بتنسيق مع قياديين من حزب الأصالة والمعاصرة، هي التي سهرت على تنظيم المسيرة التي اعترف أغلب المشاركين فيها، بتلقائيةٍ، بأنه تم حشدهم من أحزمة البؤس، في حافلاتٍ فخمة، وتم تلقينهم شعاراتٍ ضد عبد الإله بنكيران وحزبه، العدالة والتنمية، وحكومته.
كانت نتائج انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، التي بوأت "العدالة والتنمية"، للمرة الثانية على التوالي، المرتبة الأولى، حاسمة، حيث تم الاستغناء عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعدما تبين أن صورة الدولة تضرّرت بمراهنتها عليه، عبثا. وأتاحت مفاوضات تشكيل حكومة بنكيران التي فشلت للسلطة أن تفهم أن أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما فيها التي بقيت، حتى عهد قريب، تعتبر أن رأسمالها الرمزي هو استقلاليتها عن الدولة، قد أصبحت ترى في القرب من الدولة، بل والانصهار فيها، طوقَ نجاتها الوحيد من الاندثار. وقد عبر عن ذلك الوزير، محمد بنعبد القادر، وهو يشرح لعناصر حزبه، الاتحاد الاشتراكي، في طنجة، بأن الحزب كان سينتهي، لو لم يدخل حكومة سعد الدين العثماني، أو كما صرح رئيسه، إدريس لشكر، عندما قال في عهد حكومة بنكيران: "نحن معارضة صاحب الجلالة". وقس على ذلك ما سبق أن عبر عنه أمين عام حزب الاستقلال الأسبق، عباس الفاسي، عندما كان وزيرا أول بقوله: "برنامجي هو برنامج جلالة الملك". وليس الحديث هنا عن الأحزاب الإدارية، صنيعة الدولة، بل عن حزبين (الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال) كان قادتهما الكبار أحرص ما يكون على الحفاظ على المسافة الضرورية مع الدولة، ولو اقتضى الأمر قول "لا" للراحل الحسن الثاني، في سنوات الجمر والرصاص، على الرغم مما كلفهم ذلك من موت وسجن وتهميش.
تبين في مشاورات تشكيل الحكومة التي خاضها بنكيران وفشلت، وقادها خلفه سعد الدين العثماني، وخرجت بسرعة، بعد قبول ما رفضه بنكيران، وما تلا ذلك من تحركات واصطفافات سياسية، أبرزها طريقة انتخاب رئيس مجلس النواب، تبين أنه لم يعد للتمايزات التاريخية والإيديولوجية بين الأحزاب قيمة، وأن المغرب انتقل إلى نظام "شبه سلطوي" بتعبير الباحثة الأميركية، مارينا أوتاواي، حيث لم تعد كل الأحزاب الكبيرة، الموجودة داخل المؤسسات، تتصور نفسها حاليا مستقلة، كليا، عن القرار المركزي للدولة. ويكفي أن نتأمل كيف برّر قياديون كبار في حزب العدالة والتنمية دفاعهم عن تولية رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، منصب الأمين العام للحزب، بالقول أمام المؤتمرين، إن عدم التصويت للعثماني يعني المسّ بثقة الملك فيه.
والحقيقة أن هذا النموذج الذي فكّكته حركة 20 فبراير، قبل أن يعود بقوة سنة 2013 مع الثورات المضادة، بدأ الاشتغال عليه، في المغرب، منذ 2002، أي منذ "الخروج على المنهجية الديمقراطية"، بتعبير حزب الاتحاد الاشتراكي، بعدما عَيَّن الملك محمد السادس وزيرا أول تكنوقراطيا، هو إدريس جطو، بدل التمديد للوزير الأول الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، على الرغم من أن حزبه (الاتحاد الاشتراكي) حلَّ في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية لسنة 2002. فمنذ هذا الحين، ظل محيط الملك محمد السادس يردد أن الأحزاب الموجودة في الساحة شاخت، وترهلت إلى الحد الذي لم يعد يسمح لها بمواكبة سرعة الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها ملك شاب، كما أنها عاجزة عن مواجهة الاكتساح المتنامي لـ"الخطر الإسلامي"، ممثلا في حزب العدالة والتنمية، الذي احتل المرتبة الثانية في انتخابات 2007، مسبوقا بحزب الاستقلال المحافظ، وهو ما سرَّع في إيجاد "حزب صديق الملك فؤاد عالي الهمة" الذي ضم، في سابقةٍ من نوعها، عناصر من اليسار الماركسي إلى جانب محترفي الانتخابات (الأعيان)، وقد عبَّر اسم الحزب الجديد عن هذه الخلطة، بجمعه مفهومين على طرفي نقيض: الأصالة والمعاصرة.
كان هدف هذا الحزب من جمع ما لا يُجمع أن يتكفل "أعيان" الحزب، الأثرياء، بمنافسة الإسلاميين، انتخابيا، على أن يضطلع اليساريون بمقارعتهم إيديولوجيا، والحد من تأثير الفكر والفعل الإسلامييين على المجتمع، غير أن نتائج هذه التوليفة كانت كارثيةً، وجاءت في مجملها على الشاكلة التي تم بها تنظيم مسيرة الدار البيضاء الضخمة التي سبقت انتخابات 2016 البرلمانية، تحت شعار "ضد أسلمة وأخونة الدولة"، حيث صبت المسيرة في صالح حزب
كانت نتائج انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، التي بوأت "العدالة والتنمية"، للمرة الثانية على التوالي، المرتبة الأولى، حاسمة، حيث تم الاستغناء عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعدما تبين أن صورة الدولة تضرّرت بمراهنتها عليه، عبثا. وأتاحت مفاوضات تشكيل حكومة بنكيران التي فشلت للسلطة أن تفهم أن أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما فيها التي بقيت، حتى عهد قريب، تعتبر أن رأسمالها الرمزي هو استقلاليتها عن الدولة، قد أصبحت ترى في القرب من الدولة، بل والانصهار فيها، طوقَ نجاتها الوحيد من الاندثار. وقد عبر عن ذلك الوزير، محمد بنعبد القادر، وهو يشرح لعناصر حزبه، الاتحاد الاشتراكي، في طنجة، بأن الحزب كان سينتهي، لو لم يدخل حكومة سعد الدين العثماني، أو كما صرح رئيسه، إدريس لشكر، عندما قال في عهد حكومة بنكيران: "نحن معارضة صاحب الجلالة". وقس على ذلك ما سبق أن عبر عنه أمين عام حزب الاستقلال الأسبق، عباس الفاسي، عندما كان وزيرا أول بقوله: "برنامجي هو برنامج جلالة الملك". وليس الحديث هنا عن الأحزاب الإدارية، صنيعة الدولة، بل عن حزبين (الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال) كان قادتهما الكبار أحرص ما يكون على الحفاظ على المسافة الضرورية مع الدولة، ولو اقتضى الأمر قول "لا" للراحل الحسن الثاني، في سنوات الجمر والرصاص، على الرغم مما كلفهم ذلك من موت وسجن وتهميش.
تبين في مشاورات تشكيل الحكومة التي خاضها بنكيران وفشلت، وقادها خلفه سعد الدين العثماني، وخرجت بسرعة، بعد قبول ما رفضه بنكيران، وما تلا ذلك من تحركات واصطفافات سياسية، أبرزها طريقة انتخاب رئيس مجلس النواب، تبين أنه لم يعد للتمايزات التاريخية والإيديولوجية بين الأحزاب قيمة، وأن المغرب انتقل إلى نظام "شبه سلطوي" بتعبير الباحثة الأميركية، مارينا أوتاواي، حيث لم تعد كل الأحزاب الكبيرة، الموجودة داخل المؤسسات، تتصور نفسها حاليا مستقلة، كليا، عن القرار المركزي للدولة. ويكفي أن نتأمل كيف برّر قياديون كبار في حزب العدالة والتنمية دفاعهم عن تولية رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، منصب الأمين العام للحزب، بالقول أمام المؤتمرين، إن عدم التصويت للعثماني يعني المسّ بثقة الملك فيه.