03 أكتوبر 2024
المغرب.. ماذا بعد العودة إلى الاتحاد الأفريقي؟
حقق المغرب إنجازا دبلوماسيا بعودته إلى الاتحاد الأفريقي، بعد تصويت الأخير على طلب العودة الذي كان قد تقدم به في يوليو/ تموز الماضي، على هامش القمة الأفريقية الثامنة والعشرين التي انعقدت نهاية شهر يناير/ كانون الثاني في أديس أبابا.
حدثٌ ستكون له تبعاته في سيرورة قضية الصحراء وتجاذباتها الإقليمية والدولية، سواء بالنسبة للمغرب الذي سيرتب عليه ذلك أعباء دبلوماسية جديدة، أو بالنسبة للعسكرتارية الجزائرية التي تدعم جبهة 'بوليساريو' في سعيها إلى إرباك الدبلوماسية المغربية في أفريقيا.
تبدو هذه العودة، بالنسبة للرباط، مدخلا للبحث عن توازنات جديدة في المنطقة، عبر تعزيز دورها المتنامي في غرب أفريقيا، في مواجهة المحور الذي تقوده الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، والذي يسعى إلى تعطيل فاعلية كل ما قدمه المغرب لحل النزاع، والعمل على إعادة إنتاج خيار ''الحق في تقرير المصير'' بدعم من الاتحاد.
على صناع القرار في المغرب أن يدركوا جيدا أن الدعم الواضح الذي حظي به طلب المغرب العودة إلى الاتحاد من مجموعة من الدول، قابلته معارضة دول أخرى، لا تزال ترى فيه بلدا ''يحتل أراضي غيره''، ما يعني أنهم باتوا مطالبين بحدٍّ أدنى من الحرفية الدبلوماسية في تدبير منعرجات القضية الوطنية التي أصبحت في قلب الحسابات الجيوسياسية الكبرى، بعد صعود ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب إلى الواجهة في المنطقة.
يتمثل أول تحدٍّ سيواجه الدبلوماسية المغربية في كيفية تعاطيها مع عضوية ''بوليساريو'' داخل
الاتحاد الأفريقي. صحيح أن الرباط لم تُثر هذه العضوية، بسبب الإكراهات التي واكبت معركة العودة إلى الاتحاد، لكنها ملزمة بمواجهة هذا الوضع، والعمل على تدبيره بأقل الخسائر، وبما لا يضر القضية الوطنية في سيرورتها على المدى البعيد، خصوصا أن هناك من يرى في العودة المغربية ما يشبه الاعتراف الضمني بـ ''بوليساريو'' التي لا تزال تحتفظ بعضويتها الكاملة في الاتحاد، وهو ما يفترض أن الرباط على وعي تام بجوانبه القانونية والسياسية.
نتحدث هنا، عن عبء تحويل مخرجات العودة في اتجاه العمل على إقناع القوى الإقليمية بإعادة النظر في مواقفها بشأن الاعتراف ب''بوليساريو''، انطلاقا من حسابات المصالح في المنطقة، فميثاق الاتحاد الأفريقي لا ينص على إسقاط عضوية عضو أو تعليقها، بل أكثر من ذلك، ينص على المساواة بين الدول الأعضاء وضرورة الاحترام المتبادل للسيادة، ما يعني أن المعركة داخل أروقة الاتحاد ستحكمها عوامل متعددة، يتداخل فيها القانوني بالاقتصادي والسياسي.
بطبيعة الحال، لن يسمح خصوم الرباط بتغيير هذا الميثاق، لأن ذلك يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، أي 36 من أصل 54 دولة، علما أن دولاً صوتت لصالح عودة المغرب لمحت إلى أن تصويتها لا يعني موافقتها على طرد ''بوليساريو'' من الاتحاد، بمعنى أنها قد لا تجاري الرباط في سعيها المتوقع إلى طرد ''الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية'' من هياكل الاتحاد ومؤسساته. وستلعب هنا، المصالح الاقتصادية وشبكات النفوذ والـتأثير المتشعبة دورها في توجيه مواقف هذه الدول وخياراتها.
يجب أن تفتح عودة المغرب للاتحاد الأفريقي أفقا حيويا لتصحيح الاختلالات التي واكبت أداء الدبلوماسية المغربية إزاء قضية الصحراء، وبناء رؤية جديدة تجاه أفريقيا، تتكامل فيها حسابات الاقتصاد، والأمن، ومكافحة الإرهاب، والنفوذ الروحي التقليدي للمغرب في غرب أفريقيا، وبالتالي، تعبئة مختلف واجهات هذه الدبلوماسية لإيجاد التوازن بين هذه الحسابات، وبين ما يُنتظر أن تحوزه الرباط من عودتها إلى الاتحاد الأفريقي، أي التوظيف الجيد والمدروس لهذه الحسابات داخل الاتحاد الذي يعرف، كأي تكتل إقليمي أو دولي، جملة تجاذبات يوجهها صراع النفوذ والقوة.
ولا ينسى أن من شأن التحول الذي طرأ على استراتيجية التنظيمات الجهادية الدولية، والتي
بدأت تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء، بعد تضييق الخناق عليها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن يدفع بالمغرب ليصبح شريكا استراتيجيا للقوى الكبرى في الحرب على الإرهاب في هذه المنطقة، خصوصاً في ضوء الاستقرار الذي يتمتع به المغرب، قياسا لمحيطه الإقليمي.
الدبلوماسية المغربية مطالبة بوضع عودة المغرب إلى الاتحاد ضمن استراتيجية جديدة، تعبر بدوره المتنامي اقتصاديا في أفريقيا نحو آفاق أخرى، أكثر حيوية وفاعلية، وذلك من خلال إيجاد ترابط منتج وفاعل بين هذا الدور الاقتصادي والإكراهات المؤسساتية المحيط بالاتحاد، باعتباره منظمة دولية، تخترقها تجاذبات الدول الأعضاء.
لا تمثل البلدان الأفريقية بالنسبة للمغرب دوائر اختبار لسياسته الخارجية، بقدر ما تمثل عمقا استراتيجيا، تتداخل في بنائه عوامل الجغرافيا والتاريخ والأمن والقوة والمصالح، فمصلحته تحتم عليه تنويع تحالفاته وشراكاته في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. وإذا كان قد غادر منظمة الوحدة الإفريقية مضطرا، قبل أكثر من ثلاثة عقود، احتجاجا على انضمام ''بوليساريو''، فإن هذه المتغيرات تجعل سياسة المقعد الشاغر التي انتهجها طوال هذه العقود غير مجدية، بل مكلفة في أحيان كثيرة، وهو ما يبدو أن السلطات المغربية باتت تدركه، بوضوح، ذلك أن إرباك الواجهات التي ينتعش من خلالها الانفصاليون يتطلب توظيف كل الممكنات الاقتصادية والروحية والسياسية والدبلوماسية واستثمارها في أفق استخلاص عائداتها الاستراتيجية، بما يخدم قضية الصحراء المغربية.
حدثٌ ستكون له تبعاته في سيرورة قضية الصحراء وتجاذباتها الإقليمية والدولية، سواء بالنسبة للمغرب الذي سيرتب عليه ذلك أعباء دبلوماسية جديدة، أو بالنسبة للعسكرتارية الجزائرية التي تدعم جبهة 'بوليساريو' في سعيها إلى إرباك الدبلوماسية المغربية في أفريقيا.
تبدو هذه العودة، بالنسبة للرباط، مدخلا للبحث عن توازنات جديدة في المنطقة، عبر تعزيز دورها المتنامي في غرب أفريقيا، في مواجهة المحور الذي تقوده الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، والذي يسعى إلى تعطيل فاعلية كل ما قدمه المغرب لحل النزاع، والعمل على إعادة إنتاج خيار ''الحق في تقرير المصير'' بدعم من الاتحاد.
على صناع القرار في المغرب أن يدركوا جيدا أن الدعم الواضح الذي حظي به طلب المغرب العودة إلى الاتحاد من مجموعة من الدول، قابلته معارضة دول أخرى، لا تزال ترى فيه بلدا ''يحتل أراضي غيره''، ما يعني أنهم باتوا مطالبين بحدٍّ أدنى من الحرفية الدبلوماسية في تدبير منعرجات القضية الوطنية التي أصبحت في قلب الحسابات الجيوسياسية الكبرى، بعد صعود ملفي الأمن ومكافحة الإرهاب إلى الواجهة في المنطقة.
يتمثل أول تحدٍّ سيواجه الدبلوماسية المغربية في كيفية تعاطيها مع عضوية ''بوليساريو'' داخل
نتحدث هنا، عن عبء تحويل مخرجات العودة في اتجاه العمل على إقناع القوى الإقليمية بإعادة النظر في مواقفها بشأن الاعتراف ب''بوليساريو''، انطلاقا من حسابات المصالح في المنطقة، فميثاق الاتحاد الأفريقي لا ينص على إسقاط عضوية عضو أو تعليقها، بل أكثر من ذلك، ينص على المساواة بين الدول الأعضاء وضرورة الاحترام المتبادل للسيادة، ما يعني أن المعركة داخل أروقة الاتحاد ستحكمها عوامل متعددة، يتداخل فيها القانوني بالاقتصادي والسياسي.
بطبيعة الحال، لن يسمح خصوم الرباط بتغيير هذا الميثاق، لأن ذلك يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، أي 36 من أصل 54 دولة، علما أن دولاً صوتت لصالح عودة المغرب لمحت إلى أن تصويتها لا يعني موافقتها على طرد ''بوليساريو'' من الاتحاد، بمعنى أنها قد لا تجاري الرباط في سعيها المتوقع إلى طرد ''الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية'' من هياكل الاتحاد ومؤسساته. وستلعب هنا، المصالح الاقتصادية وشبكات النفوذ والـتأثير المتشعبة دورها في توجيه مواقف هذه الدول وخياراتها.
يجب أن تفتح عودة المغرب للاتحاد الأفريقي أفقا حيويا لتصحيح الاختلالات التي واكبت أداء الدبلوماسية المغربية إزاء قضية الصحراء، وبناء رؤية جديدة تجاه أفريقيا، تتكامل فيها حسابات الاقتصاد، والأمن، ومكافحة الإرهاب، والنفوذ الروحي التقليدي للمغرب في غرب أفريقيا، وبالتالي، تعبئة مختلف واجهات هذه الدبلوماسية لإيجاد التوازن بين هذه الحسابات، وبين ما يُنتظر أن تحوزه الرباط من عودتها إلى الاتحاد الأفريقي، أي التوظيف الجيد والمدروس لهذه الحسابات داخل الاتحاد الذي يعرف، كأي تكتل إقليمي أو دولي، جملة تجاذبات يوجهها صراع النفوذ والقوة.
ولا ينسى أن من شأن التحول الذي طرأ على استراتيجية التنظيمات الجهادية الدولية، والتي
الدبلوماسية المغربية مطالبة بوضع عودة المغرب إلى الاتحاد ضمن استراتيجية جديدة، تعبر بدوره المتنامي اقتصاديا في أفريقيا نحو آفاق أخرى، أكثر حيوية وفاعلية، وذلك من خلال إيجاد ترابط منتج وفاعل بين هذا الدور الاقتصادي والإكراهات المؤسساتية المحيط بالاتحاد، باعتباره منظمة دولية، تخترقها تجاذبات الدول الأعضاء.
لا تمثل البلدان الأفريقية بالنسبة للمغرب دوائر اختبار لسياسته الخارجية، بقدر ما تمثل عمقا استراتيجيا، تتداخل في بنائه عوامل الجغرافيا والتاريخ والأمن والقوة والمصالح، فمصلحته تحتم عليه تنويع تحالفاته وشراكاته في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. وإذا كان قد غادر منظمة الوحدة الإفريقية مضطرا، قبل أكثر من ثلاثة عقود، احتجاجا على انضمام ''بوليساريو''، فإن هذه المتغيرات تجعل سياسة المقعد الشاغر التي انتهجها طوال هذه العقود غير مجدية، بل مكلفة في أحيان كثيرة، وهو ما يبدو أن السلطات المغربية باتت تدركه، بوضوح، ذلك أن إرباك الواجهات التي ينتعش من خلالها الانفصاليون يتطلب توظيف كل الممكنات الاقتصادية والروحية والسياسية والدبلوماسية واستثمارها في أفق استخلاص عائداتها الاستراتيجية، بما يخدم قضية الصحراء المغربية.