08 نوفمبر 2024
المغرب بين الصراع والتّعايش السياسي
في هذه الفترة التاريخية "السّوريالية"، المتّسمة بجمود العجلة السّياسية، وعجزها عن الدّوران، في ظل عدم قدرة النّسق السياسي على إيجاد حلول مُرضيةٍ للجميع، تبرّر استمرار التّوافق السياسي الذي يعيشه المغرب منذ تجربة التّناوب، وتسمح بحركة عربة الانتقال الديمقراطي المركونة في منحدر تنزلق منه كل يوم.
تبرز الحاجة إلى طرق جديدة لتدبير الحياة السياسية، تتمثّل بشكل أساسي في مفهوم "التّعايش السياسي" الذي يوفّر أرضية صالحة لانتعاش الفعل السياسي، وفق مبادئ جديدة تختلف عمّا كان سائدًا، خصوصا في هذه الوضعية التي هي أقرب إلى التراجع الديمقراطي، منها إلى الانتقال الديمقراطي الذي كان يزحف، منذ انطلاقته غير الموفّقة، بنكوصها عن مجموعة من المكتسبات التي تمّ تحقيقها بشقّ الأنفس، خصوصًا بعد حراك 2011.
فتكتّل القوى السّياسية في البلاد لعرقلة تشكيل حكومة من رئيس الحزب الفائز، ليس سوى نكوص شامل، نتيجته الالتفاف على ما أفرزته صناديق الاقتراع التي لا تمثّل رغبة الشّعب الرافض مسار النّسق السياسي الحالي، بقدر ما تمثّل رغبة من اختار طوعًا، أو ترغيبًا، أو ولاء، أن يُدلي بصوته، لتستمر اللّعبة السياسية بنفس القواعد. فعلى ما يبدو أدرك الجميع أن لا شيء يتكرّر بالإيقاع نفسه، ولا شيء يستمر للأبد، بل يبقى التّغيير سنة الأشياء. وفي ظل مؤشّرات تؤكد أن رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، كان سيدخل هذه التّجربة أقوى، من خلال ثقته في موقعه التي استمدّها من فوزه الانتخابي، وكنا لنرى لو كتب لحكومة برئاسته الخروج إلى الحياة، حضورًا أقوى لمؤسّسة رئيس الحكومة، "مع علامة استفهام بشأن نجاعة هذا الحضور على الأرض، بالنّظر إلى ضعف أداء حكومته السابقة".
لكن منطق الصّراع السياسي كان غالبًا، وانتصرت الدولة العميقة، بلا مفاجآت تذكر. ولا يمكننا إلا أن نتفق على أنّ "عقلية الصّراع ضيّعت على المغرب فرصا كثيرة"، كما لخّص بنكيران نفسه خلال إحدى الجلسات الشّهرية لتقييم السّياسات العامة في مجلس المستشارين، واقع أزمة الفعل السّياسي في المغرب، منذ الاستقلال. وكيف يؤسّس الصّراع قواعده، وفق رؤية تنبني على إمساك الخيوط، بيد واحدة، وعلى إخضاع القوى السّياسية لمنطق الولاء، لا منطق الحوار والتّواصل، والتّوازن.
وإذا كان أرسطو يعتبر السيّاسة تدبيرًا للسلوك الجماعي، يمكن، من المنطلق نفسه، اعتبار التّعايش تدبيرًا للصّراعات السياسية. التعايش الذي ينبني على أسس براغماتية، تهدف إلى المصلحة العامة للدولة، وليس لمصلحة النّظام السّياسي القائم بكل تجلياته، ومصالح الأحزاب الضيّقة، ويقسّم المناصب بشكلٍ يرضي غرورها السياسي، في إطار تقسيم "الغنائم السياسية"، وهو المصطلح الذي استعمله الملك محمد السادس نفسه في خطاب له، قال فيه "الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية".
بدلًا عن التّوافق الحالي بمنطق "ليس هناك أبدع مما كان"، والذي لا يفسح المجال لتطور طبيعي، يسمح بوجود أحزاب قوّية مهيمنة، قائمة على قاعدة شعبية واسعة، وعلى برامج انتخابية قوية، تُتاح لها الفرصة لقيادة تغيير حقيقي في السّياسات العمومية التي لم تتغير مع تعاقب الحكومات. لأنّ من يسنّها ليس حزبًا، أو قطاعًا عموميًا، بقدر ما تفعل ذلك مصالح، وجهات غير ممأسسة. بالتالي حتى المسؤولية السّياسية للحكومة تبقى غير ذات جدوى، بما أنها المُنفّذ فقط لهذه السياسات، مع تحمّل عبء الإجراءات غير الشعبية "كما حدث لحكومة بنكيران"، ككبش فداء.
ولأنّ الأحزاب، عالقة في زاوية رؤية ضيّقة، تنحصر في المكتسبات السّياسية لقادتها الحاليين، فحتى مواقفها تتسم بهذا الضّيق، والارتجالية، والاستعجال في حصد المواقع. كما تفتقد لمقوّمات العمل السياسي، بدون خطط على أمد طويل، ولا نظرة استشرافية، ولا اشتغال على القاعدة الحزبية، ولا تأسيس لمرجعية حقيقية للحزب، ولا تقديم لبرامج مختلفة وحقيقية، تتجاوز دوغمائية الفترة الانتخابية.
لهذا، جاء تعيين سعد الدين العثماني لإرضاء هذه الأحزاب من جهة، ولخدمة التّوافق وفق مسار سياسي أحادي الخطاب، لا يقبل أصواتًا تغرّد ضد هذه الوحدوية كيفما كان نوع التّغريد وإيقاعه. إذ قبل إقصاء بنكيران، تمت التّضحية بشباط، بمجرد أن عنّ له الخروج عن الخطاب السّائد. ويمكن أن ندرس مثالي شباط وبنكيران، كنموذجين لشخصيات سياسية حاولت اللّعب داخل النّسق السياسي القائم، بقواعد خاصة تحاول استقطاب قاعدة شعبية، وإيجاد حيز خاص ومختلف، وأيضًا التمسّك بقواعد اللّعبة المرسومة مسبقًا. ليس بالشّكل المنتظر من النّخبة السياسية المُتطلّع إليها، لكن في إطار الموجود الآن، كان صوتهما نشازًا عن جوقة الكورال. وهما نموذجان لغياب التّعايش السياسي في المغرب، ودليل على أن سياسة التّوافق التي انتُهجت منذ عقود، هي طريقة للاحتواء، وليست طريقة لحفر الطريق للانتقال الديمقراطي.
انتقال يفترض وجود مؤسسات سياسية، ناضجة، وقادرة على تجاوز منطق الغنائم من أجل تحقيق التّنمية الاجتماعية، والاقتصادية للبلاد، في ظل إكراهات كبيرة تهدّد الاستقرار الهشّ بأبعاده الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية. فالفئات الاجتماعية المحرومة، تزداد جرأتها الاحتجاجية، والدليل ارتفاع كبير في عدد الاحتجاجات القطاعية والفئوية، وأيضًا المناطق المهمّشة هي أيضًا تقف على صفيح ساخن "احتجاجات الحسيمة".
يشهد النّمو الاقتصادي تراجعات بالجملة، مع ارتفاع نسب البطالة، والفقر، والفساد. كل هذا لا يمكن حلّه بصراعات حزبية ضيّقة تصل حد التّطاحن "نموذج الصّراع من أجل تشكيل الحكومة الذي ضرب عرض الحائط مصلحة البلاد، التي بقيت من دون حكومة لخمسة أشهر، لأجل حقائب وزارية، لن تهدف من خلالها الأحزاب إلى تنفيذ برامجها الانتخابية، بقدر ما ستحاول تحقيق مكاسب سياسية".
هل تركيبة الحكومة الجديدة دلالة على وجود تعايش سياسي؟ الجواب لا. لأنّها لم تقم على آلية الحوار السّياسي، وليست لها أسس تبرّر هذا التّهافت الحزبي على دخول الحكومة، بقدر ما هي قادمة من مفاوضات كانت تهدف إلى محاصرة بنكيران وحزبه، الذي أصبح يشكل تهديدًا لبقية القوى السياسية، بإمكانية استمرار سيطرته على النّتائج الانتخابية، وتكريسه قوة سياسية كبرى. ولأجل تكوين حكومة "وحدة حزبية" تقوم على مصالح الأحزاب، بدلًا من وحدة وطنية تقوم على مصالح المواطنين. وهي أيضا عودة إلى عهد الملكية التّنفيذية بشكل مباشر، يتمثّل في عزل بنكيران بعد أن أصبحت مهمته "مستحيلة"، ولم يكن ذا قوى خارقة مثل توم كروز ليحقّقها. وكان البلاغ الملكي واضحًا في هذا المنحى. ولم يكن هناك مجال آخر لسيناريو بديل عن تعزيز موقع المؤسّسة الملكية، في ظل تخاذل الأحزاب.
"بمقتضى الصّلاحيات الدستورية لجلالة الملك، بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصًا من جلالته على تجاوز وضعية الجمود الحالية، فقد قرر.."، "وقد فضّل جلالة الملك أن يتخذ هذا القرار السامي.." بحيث استعاد الملك، سلطته الكاملة كرئيس دولة، يمكنه تجاوز العرف القاضي بتعيين رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، بعرف جديد، يسمح له بتعيين الشّخصية التي يراها أكثر قدرة على أداء دور رئيس الحكومة، وفق ما هو مسموح له بذلك، ودون حتى ترك الخيار في يد الأمانة العامة للحزب الفائز.
وفي خطابه السابق نفسه، كان الملك قد أعلن أنه سيحرص "على أن يتمّ تشكيل الحكومة المقبلة، طبقًا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها"، بحيث إنه كان صارمًا في تحديد الدور المنتظر من الحكومة المقبلة، وامتلاكه سلطة تقييمها، وعدم السماح بتكوّنها، إذا لم تكن مطابقة للمعايير التي سبق تقريرها. فلا مجال في منطق الصّراع السياسي، لقوة ندّية، تشكل هي أيضًا حسب منطق الصراع دائمًا، منافسًا شرسًا يهدف إلى سحب البساط من تحت باقي القوى والفاعلين السياسيين. فتنتصر سياسة الاحتواء مرة أخرى، وتنكسر النّظرات المشرئبة للتغيير، من داخل المؤسسات.
تبرز الحاجة إلى طرق جديدة لتدبير الحياة السياسية، تتمثّل بشكل أساسي في مفهوم "التّعايش السياسي" الذي يوفّر أرضية صالحة لانتعاش الفعل السياسي، وفق مبادئ جديدة تختلف عمّا كان سائدًا، خصوصا في هذه الوضعية التي هي أقرب إلى التراجع الديمقراطي، منها إلى الانتقال الديمقراطي الذي كان يزحف، منذ انطلاقته غير الموفّقة، بنكوصها عن مجموعة من المكتسبات التي تمّ تحقيقها بشقّ الأنفس، خصوصًا بعد حراك 2011.
فتكتّل القوى السّياسية في البلاد لعرقلة تشكيل حكومة من رئيس الحزب الفائز، ليس سوى نكوص شامل، نتيجته الالتفاف على ما أفرزته صناديق الاقتراع التي لا تمثّل رغبة الشّعب الرافض مسار النّسق السياسي الحالي، بقدر ما تمثّل رغبة من اختار طوعًا، أو ترغيبًا، أو ولاء، أن يُدلي بصوته، لتستمر اللّعبة السياسية بنفس القواعد. فعلى ما يبدو أدرك الجميع أن لا شيء يتكرّر بالإيقاع نفسه، ولا شيء يستمر للأبد، بل يبقى التّغيير سنة الأشياء. وفي ظل مؤشّرات تؤكد أن رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، كان سيدخل هذه التّجربة أقوى، من خلال ثقته في موقعه التي استمدّها من فوزه الانتخابي، وكنا لنرى لو كتب لحكومة برئاسته الخروج إلى الحياة، حضورًا أقوى لمؤسّسة رئيس الحكومة، "مع علامة استفهام بشأن نجاعة هذا الحضور على الأرض، بالنّظر إلى ضعف أداء حكومته السابقة".
لكن منطق الصّراع السياسي كان غالبًا، وانتصرت الدولة العميقة، بلا مفاجآت تذكر. ولا يمكننا إلا أن نتفق على أنّ "عقلية الصّراع ضيّعت على المغرب فرصا كثيرة"، كما لخّص بنكيران نفسه خلال إحدى الجلسات الشّهرية لتقييم السّياسات العامة في مجلس المستشارين، واقع أزمة الفعل السّياسي في المغرب، منذ الاستقلال. وكيف يؤسّس الصّراع قواعده، وفق رؤية تنبني على إمساك الخيوط، بيد واحدة، وعلى إخضاع القوى السّياسية لمنطق الولاء، لا منطق الحوار والتّواصل، والتّوازن.
وإذا كان أرسطو يعتبر السيّاسة تدبيرًا للسلوك الجماعي، يمكن، من المنطلق نفسه، اعتبار التّعايش تدبيرًا للصّراعات السياسية. التعايش الذي ينبني على أسس براغماتية، تهدف إلى المصلحة العامة للدولة، وليس لمصلحة النّظام السّياسي القائم بكل تجلياته، ومصالح الأحزاب الضيّقة، ويقسّم المناصب بشكلٍ يرضي غرورها السياسي، في إطار تقسيم "الغنائم السياسية"، وهو المصطلح الذي استعمله الملك محمد السادس نفسه في خطاب له، قال فيه "الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية".
بدلًا عن التّوافق الحالي بمنطق "ليس هناك أبدع مما كان"، والذي لا يفسح المجال لتطور طبيعي، يسمح بوجود أحزاب قوّية مهيمنة، قائمة على قاعدة شعبية واسعة، وعلى برامج انتخابية قوية، تُتاح لها الفرصة لقيادة تغيير حقيقي في السّياسات العمومية التي لم تتغير مع تعاقب الحكومات. لأنّ من يسنّها ليس حزبًا، أو قطاعًا عموميًا، بقدر ما تفعل ذلك مصالح، وجهات غير ممأسسة. بالتالي حتى المسؤولية السّياسية للحكومة تبقى غير ذات جدوى، بما أنها المُنفّذ فقط لهذه السياسات، مع تحمّل عبء الإجراءات غير الشعبية "كما حدث لحكومة بنكيران"، ككبش فداء.
ولأنّ الأحزاب، عالقة في زاوية رؤية ضيّقة، تنحصر في المكتسبات السّياسية لقادتها الحاليين، فحتى مواقفها تتسم بهذا الضّيق، والارتجالية، والاستعجال في حصد المواقع. كما تفتقد لمقوّمات العمل السياسي، بدون خطط على أمد طويل، ولا نظرة استشرافية، ولا اشتغال على القاعدة الحزبية، ولا تأسيس لمرجعية حقيقية للحزب، ولا تقديم لبرامج مختلفة وحقيقية، تتجاوز دوغمائية الفترة الانتخابية.
لهذا، جاء تعيين سعد الدين العثماني لإرضاء هذه الأحزاب من جهة، ولخدمة التّوافق وفق مسار سياسي أحادي الخطاب، لا يقبل أصواتًا تغرّد ضد هذه الوحدوية كيفما كان نوع التّغريد وإيقاعه. إذ قبل إقصاء بنكيران، تمت التّضحية بشباط، بمجرد أن عنّ له الخروج عن الخطاب السّائد. ويمكن أن ندرس مثالي شباط وبنكيران، كنموذجين لشخصيات سياسية حاولت اللّعب داخل النّسق السياسي القائم، بقواعد خاصة تحاول استقطاب قاعدة شعبية، وإيجاد حيز خاص ومختلف، وأيضًا التمسّك بقواعد اللّعبة المرسومة مسبقًا. ليس بالشّكل المنتظر من النّخبة السياسية المُتطلّع إليها، لكن في إطار الموجود الآن، كان صوتهما نشازًا عن جوقة الكورال. وهما نموذجان لغياب التّعايش السياسي في المغرب، ودليل على أن سياسة التّوافق التي انتُهجت منذ عقود، هي طريقة للاحتواء، وليست طريقة لحفر الطريق للانتقال الديمقراطي.
انتقال يفترض وجود مؤسسات سياسية، ناضجة، وقادرة على تجاوز منطق الغنائم من أجل تحقيق التّنمية الاجتماعية، والاقتصادية للبلاد، في ظل إكراهات كبيرة تهدّد الاستقرار الهشّ بأبعاده الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية. فالفئات الاجتماعية المحرومة، تزداد جرأتها الاحتجاجية، والدليل ارتفاع كبير في عدد الاحتجاجات القطاعية والفئوية، وأيضًا المناطق المهمّشة هي أيضًا تقف على صفيح ساخن "احتجاجات الحسيمة".
يشهد النّمو الاقتصادي تراجعات بالجملة، مع ارتفاع نسب البطالة، والفقر، والفساد. كل هذا لا يمكن حلّه بصراعات حزبية ضيّقة تصل حد التّطاحن "نموذج الصّراع من أجل تشكيل الحكومة الذي ضرب عرض الحائط مصلحة البلاد، التي بقيت من دون حكومة لخمسة أشهر، لأجل حقائب وزارية، لن تهدف من خلالها الأحزاب إلى تنفيذ برامجها الانتخابية، بقدر ما ستحاول تحقيق مكاسب سياسية".
هل تركيبة الحكومة الجديدة دلالة على وجود تعايش سياسي؟ الجواب لا. لأنّها لم تقم على آلية الحوار السّياسي، وليست لها أسس تبرّر هذا التّهافت الحزبي على دخول الحكومة، بقدر ما هي قادمة من مفاوضات كانت تهدف إلى محاصرة بنكيران وحزبه، الذي أصبح يشكل تهديدًا لبقية القوى السياسية، بإمكانية استمرار سيطرته على النّتائج الانتخابية، وتكريسه قوة سياسية كبرى. ولأجل تكوين حكومة "وحدة حزبية" تقوم على مصالح الأحزاب، بدلًا من وحدة وطنية تقوم على مصالح المواطنين. وهي أيضا عودة إلى عهد الملكية التّنفيذية بشكل مباشر، يتمثّل في عزل بنكيران بعد أن أصبحت مهمته "مستحيلة"، ولم يكن ذا قوى خارقة مثل توم كروز ليحقّقها. وكان البلاغ الملكي واضحًا في هذا المنحى. ولم يكن هناك مجال آخر لسيناريو بديل عن تعزيز موقع المؤسّسة الملكية، في ظل تخاذل الأحزاب.
"بمقتضى الصّلاحيات الدستورية لجلالة الملك، بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصًا من جلالته على تجاوز وضعية الجمود الحالية، فقد قرر.."، "وقد فضّل جلالة الملك أن يتخذ هذا القرار السامي.." بحيث استعاد الملك، سلطته الكاملة كرئيس دولة، يمكنه تجاوز العرف القاضي بتعيين رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، بعرف جديد، يسمح له بتعيين الشّخصية التي يراها أكثر قدرة على أداء دور رئيس الحكومة، وفق ما هو مسموح له بذلك، ودون حتى ترك الخيار في يد الأمانة العامة للحزب الفائز.
وفي خطابه السابق نفسه، كان الملك قد أعلن أنه سيحرص "على أن يتمّ تشكيل الحكومة المقبلة، طبقًا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها"، بحيث إنه كان صارمًا في تحديد الدور المنتظر من الحكومة المقبلة، وامتلاكه سلطة تقييمها، وعدم السماح بتكوّنها، إذا لم تكن مطابقة للمعايير التي سبق تقريرها. فلا مجال في منطق الصّراع السياسي، لقوة ندّية، تشكل هي أيضًا حسب منطق الصراع دائمًا، منافسًا شرسًا يهدف إلى سحب البساط من تحت باقي القوى والفاعلين السياسيين. فتنتصر سياسة الاحتواء مرة أخرى، وتنكسر النّظرات المشرئبة للتغيير، من داخل المؤسسات.
مقالات أخرى
01 نوفمبر 2024
25 أكتوبر 2024
18 أكتوبر 2024