كانت الصحف ووسائل الإعلام المغربية تعلن حالة استنفار وتعبئة، مع اقتراب موعد كل قمة عربية، وكانت الأَحزاب السياسية والنخب الفكرية تبدي اهتماماً ملحوظا بالحدث، وخصوصاً أن السياق التاريخي الذي التأمت فيه عدة قمم اتّصف، في الماضي، بانتعاش واضح لخطاب التضامن ووحدة المصير ومركزية القضية الفلسطينية. ولعبت الحرب الباردة، ومركزية الدولة، وانغلاق الأنظمة السياسية العربية، وتحكّمها في زمام الأمور داخلياً، دوراً أساسيا في دفع المغاربة إلى الانخراط في الأجواء العربية، والتصاقهم بمشكلات الشرق الأوسط.
تغيّرت الصورة، اليوم، تماماً، ولم تحرك القمة العربية في الكويت أَقلاماً، أو تحفّز صحفاً، لتخصيص ملفاتٍ وصفحات، وإجراء حوارات مع خبراء. لا جاذبية، ولا إِغراء، ولم تبادر أي صحيفة إلى إيفاد أحد صحافييها إلى الكويت لمتابعة أعمال القمة العربية الحالية. اكتفت معظم الصحف اليومية بنشر خبر تمثيل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في القمة، مع الإشارة إلى أن المغرب من إحدى الدول العربية القليلة التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع أطراف الخلاف في مجلس التعاون الخليجي، وأن الملك محمد السادس أَجرى اتصالات هاتفية، الأسبوع الماضي، مع العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وبعيداً عن أجندة قمة الكويت، والسياق الاستثنائي الذي تنعقد فيه، وسيادة خطاب قاتم وسوداوي، بسبب تداعيات الأزمة السورية التي تداخلت فيها حسابات الجوار وموازين القوى، وفي خضم إعادة إنتاج قاموس سياسي وإعلامي يصيب بالضجر والملل، من كثرة استعماله عقوداً، وفي غياب إصلاحات جوهرية، ومقاربات واقعية للتنمية والتكامل الاقتصادي والأمن الغذائي، وآليات ومؤسسات ديموقراطية ذات مصداقية، وذات صلاحيات فعلية، يفضّل المغاربة الانشغال بمشكلاتهم اليومية. وهذا ما تعكسه الصحف المغربية الصادرة بالعربية والفرنسية، على حد سواء، فأَصبحت الزيادة في ثمن الحليب والخبز، ومنع استعمال سيارات الدولة في عطلة نهاية الأسبوع، وأسباب اكتئاب ملايين المغاربة أهم من الحديث عن الخلافات بين الرئاسة الفلسطينية وحركة حماس.
قد يكون لموقع المغرب الجغرافي أَثر ما في صياغة هذا الموقف، وعادة ما كانت مشكلات المغرب وغيره من دول شمال أفريقيا لا تعرض أمام القمم العربية، ولا سيما أن نزاع الصحراء، بكل تعقيداته ولحساسيته إقليمياً، لم تُبلوَر بشأنه أي مبادرة عربية واقعية وعملية. لهذا، ليس غريباً أن يهتم الإعلام المغربي، مثلاً، برحيل رئيس الحكومة الإسباني الأسبق، أَدولفو سواريز، صانع الانتقال الديموقراطي في بلاده، من دون سفك دماء أو ثورة جذرية، أو متابعة تداعيات الانتخابات البلدية الفرنسية على الساحتين، السياسية والحزبية، وتحديداً على الحزب الاشتراكي، أو الاهتمام بالكلاسيكو الذي جمع ريال مدريد بالبارسا.