لا ينفي محمد أمين الثلاثيني، الذي راكم تجربة على مدى عشر سنوات بفنادق ذات صيت عالمي بمدينة مراكش اهتمامه بالعمل بدولة خليجية، وهو يؤكد أن العديد من الوكالات الخاصة تقدم خدمات في هذا الاتجاه، غير أنه يشدد على أن الأجور لا تغري في بلدان الخليج، كما أن العقود التي تخضع العمالة لسلطة الكفيل لا تشجع على الهجرة.
ويعترف محمد بأنه عقد العزم، قبل عامين، على الحلول ببلد خليجي، وقد كان على وشك توقيع
العقد، لكن الشروط في العقد لم تكن مرضية، وعندما تسأله عن الخلجنة، ينفي علمه بها، لكنه يؤكد أن الوكالات الخاصة تعمل بنشاط من أجل تشغيل مغاربة في الفندقة بالخليج.
أما حفيظ كمال مدير عام الوكالة الوطنية للتشغيل و إنعاش الكفاءات التابعة لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، عبر عن عدم تخوف المغرب من تلك السياسة التي تنوي دول الخليج المضي فيها، فهو يشدد على أن فرص العمل التي تتاح للمغاربة، عبر الوكالة، في تلك الدول تستجيب لمعايير دقيقة تحددها الاتفاقيات الثنائية التي يبرمها المغرب مع كل دولة على حدة في تلك المنطقة.
وأكد حفيظ كمال، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنه في عملية رعايتها لتشغيل العمال المغاربة في الخليج تحرص على الفرص التي تستدعي مؤهلات محددة في قطاعات لا تتطلب عمالة رخيصة. فتلك عمالة توفرها بلدان آسيوية لها حضور كبير في سوق العمل بدول الخليج.
وأوضح أن القطاعات التي يعمل بها المغاربة بدول الخليج تتمثل، في غالب الأحيان في قطاعات الفندقة والطيران والبناء والأمن، مؤكداً أنه تم في العام الأخير توفير حوالي ألف فرصة عمل لفائدة المغاربة في دول الخليج، غير أنه يشدد على أن سياسة المغرب تقوم على تنويع الأسواق التي يبرم معها اتفاقيات خاصة بالعمالة، حيث ينصب الاهتمام بالإضافة إلى دول الخليج على أسواق أوروبا وأميركا وكندا.
وشدد على أن الصعوبات التي تطرح في سوق العمل بدول الخليج لها علاقة بالكفاءات المطلوبة، غير أنه ألح على عامل اللغة، على اعتبار أن دول الخليج تعطي الأولوية للغة الإنجليزية، هذا في الوقت الذي اعتاد المغاربة بحكم النظام التعليمي السائد في البلاد على السعي إلى إتقان اللغة الفرنسية.
واعتبر أن المغاربة لا يولون اهتماما لبعض المهن التي يمكن أن تقترح عليهم في دول الخليج، خاصة تلك التي لا تتطلب مؤهلات كبيرة، على اعتبار أن الأجور التي قد يتلقونها لقاء العمل في تلك المهن لا تغري المغاربة كثيراً بالهجرة إلى دول الخليج.
قنوات الهجرة
وحين سؤال حفيظ حول مدى تحكم الوكالة في عملية تشغيل المغاربة الراغبين في العمل بدول
الخليج، في ظل الحديث عن وجود وكالات خاصة تعمل على لعب ذلك الدور خارج أية مراقبة، أكد حفيظ كمال أن الوكالة هي الوحيدة المخولة للاضطلاع بذلك الدور، معبراً عن جهله بوجود وكالات خاصة تنافسها في ذلك الدور.
وأكد مصدر من وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن القانون يفرض على الوكالات الخاصة التي تمتهن توفير العقد للعمل في الخارج، يجب عليها الحصول على ترخيص من أجل ممارسة تلك المهنة، بل إن القانون يفرض في كل عقد عمل المصادقة عليه من قبل المصالح المخولة في الوزارة.
وإذا سلكت الوكالة التي تختار الوساطة في سوق العمل الطريق القانوني، فإنها تكون ملزمة بالإضافة إلى رأسمال، بوضع ضمانة مالية تصل قيمتها إلى 50 مرة من الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب، ففي حالة مخالفة المقتضيات القانونية يصبح العقد الذي تشرف عليه الوكالة باطلاً في نظر وزارة التشغيل. غير أنه جرت العادة على أن تتم الهجرة إلى بلدان الخليج عبر قنوات بعيدة عن المسالك الرسمية، على اعتبار أن الوساطة يقوم بها في بعض الأحيان أشخاص أو وكالات، حيث يتم توفير عقود للهجرة خارج أي ضوابط محلية.
حضور ضعيف
وتورد آخر دراسة أنجزها خبراء لفائدة مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، بيانات حول توزيع المغاربة في الفضاء الجغرافي الخليجي، حيث يتجلى ضعف الحضور المغربي في سوق العمل في تلك البلدان، رغم كون تلك البيانات لا تأخذ بعين الاعتبار سوى المغاربة الذين يسجلون بياناتهم لدى المصالح القنصلية في بلدان الخليج.
وتشير بيانات المصالح القنصلية التابعة لوزارة الخارجية المغربية، أن عدد المغاربة الذين يعلنون عن أنفسهم لتلك المصالح، بلغ في السعودية 35720 فرداً وفي الإمارات العربية 15935 فرداً وفي البحرين 1064 فرداً والكويت 2109 أفراد وقطر 2432. تلك أرقام لا تعكس حقيقة التواجد المغربي في تلك البلدان، بحكم أن عدداً منهم لا يسجلون، في غالب الأحيان لدى المصالح القنصلية بحكم البعد عن مكان سكنهم.
وتلاحظ الدراسة أن هجرة المغاربة في اتجاه البلدان العربية لم تكن مغرية مقارنة بوجهات أخرى، غير أنها ما فتئت تتطور بعد الربيع العربي الذي اضطر العديد من المغاربة إلى مغادرة ليبيا وتونس. ذلك ما أذكى الاهتمام أكثر بدول الخليج، رغم المشاكل ذات الصلة بالحقوق قياسا بالهجرة إلى أوروبا.
وما شجع هجرة المغاربة نحو الخليج، خاصة أولئك الذين عادوا من بلدان الربيع العربي، حسب الدراسة، تلك المبادرة الخليجية التي التمست من المغرب الانضمام إلى "نادي" الملكيات
العربية، حيث رأى فيها الكثيرون فرصة للهجرة في سياق اتسم، كذلك، بتقلص الفرص في فضاءات أخرى اعتاد عليها المغاربة، خاصة، أوروبا التي ما فتئت تشدد إجراءات الدخول إليها.
من جانبه أوضح إعلامي مغربي بدولة خليجية، فضل عدم ذكر اسمه، أن السواد الأعظم من مغاربة الخليج يمارسون، أعمالاً ينأى عنها أبناء تلك البلدان، حيث يعملون أكثر في البناء والخدمات، خاصة الفندقة، مؤكدا أن ما يسمى بالتوطين في بعض البلدان، يتجلى أكثر في المناصب العليا في قطاعات كانت في السابق من نصيب الأجانب.