المعوّقون: الحلقة الأَضعف في سوق العمل العربية

01 يوليو 2015
يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة العرب من التهميش الوظيفي(أرشيف)
+ الخط -
"ست سنوات من عُمري مضت هدراً من دون أن أجد فرصة عمل حقيقية يمكن أن تخلق لي مستقبلَا أعيش من أجله"، بكلمات مُقتضبة يكسوها إحباط مشوب بألم، يعبّر الشاب المصري أحمد سليم (27 عاماً) عن الإهمال الذي يُحيط بشريحة غير قليلة من بين 45 مليوناً من ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي، حسب تقديرات مكتب الإقليم العربي للمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

يقول سليم، خريج كُلية التربية في عام 2009، "تخرجت بتقدير جيد، وحصلت على شهادة إعاقة في قدمي تعزّز فرصي في الترشح لأي وظيفة، ومع ذلك عندما تقدمت للمسابقة التي أعلنتها الحكومة لتوظيف 30 ألف مُعلم لم يقع عليّ الاختيار. طلبي بسيط جداً، العمل بنظام العقد براتب 100 جنيه فقط، ثم التثبيت بعد ذلك، على غرار ما يحدُث مع كثير من الأشخاص أصحاء البنية".

معدلات مُرتفعة

تزداد مفاعيل ضعف قدّرة الدول العربية على دمج ذوي الاحتياجات الخاصة، في ظل رصد تقرير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، عن ارتفاع نسب ذوي الاحتياجات الخاصة بين السكان. إذ تتصدر السودان المُعدلات بنحو 4.9%، ثم فلسطين بـ4.6%، وسلطنة عُمان بـ3.2%، وقطر بـ0.4%.

ويُشير التقرير إلى أن الوضع المهني البائس الذي يعيشه أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة يرتبط بعوامل عديدة، أبرزها عدم وجود نظام تعليمي قادر على تزويدهم بمهارات سوق العمل، بل يصل الأمر إلى صعوبة الوصول إلى التعليم في حد ذاته، بسبب عدم توافر وسائل مواصلات مُناسبة.

وفي النهاية، تؤدي هذه الأوضاع، بحسب التقرير، إلى ارتفاع حدة الفقر، وتعرضهم لسوء التغذية والرعاية الصحية، بل وعدم توافر مسكن مُناسب يؤويهم من ظُلمات الشوارع.
وربما تكون حالة المصرية ماجدة زكي، ابنة الـ45 عاماً، مثالاً حياً على الانتهاكات الإنسانية التي تعصف بهؤلاء. إذ تقول "أنا وزوجي مصابان بإعاقة، ومصدر دخلنا الوحيد معاش ضئيل خصصته الحكومة لزوجي الذي حاول العمل أكثر من مرة في مقاه ومتاجر".

كوتة العمل
وسط التمييز الذي يتعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة في سوق العمل، حاولت بعض المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية تحسين الأوضاع نسبياً، عبر سن قوانين تنُص على التزام الحكومة والشركات الخاصة بأن يُمثل هؤلاء بـ5% من موظفيها. وتختلف هذه النسبة المعروفة بـ"الكوتة" من دولة إلى أخرى، ففي الكويت تخصص لهم 4% من الوظائف، أو على الأقل ما يعادل 50 وظيفة، وترتفع هذه النسبة إلى 5% في كل من فلسطين ومصر.
فيما ترصد قطر 2% من الوظائف الحكومية لذوي الاحتياجات الخاصة، في حين لا تُطبق سلطنة عُمان نظام الكوتة، ولكن ينص القانون صراحة على توظيف حوالى 50 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.


ووسط المعاناة التي تواجههم، هناك حالات تطلق بارقة أمل، ولعل عزة الحصري التي تعتبر أول مواطنة من ذوي الاحتياجات الخاصة تترأس وحدة محلية في إحدى المُحافظات المصرية دليل على ذلك.
تقول الحصري "إصابتي بمرض شلل الأطفال لم تمنعني من الالتحاق بالعمل في وظيفة حكومية بعد التخرج من كلية الحقوق، حتى تقلّدت رئاسة وحدة في محافظة المنوفية".

يكتسب ذوو الاحتياجات الخاصة حقهم في العمل بناءً على اتفاقية "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المُتحدة في عام 2006، والتي نصت على تمتع أفراد المجتمع كافة بحقوق الإنسان ذاتها.
وقبل إعلان الاتفاقية بخمس سنوات، أطلقت منظمة العمل الدولية برامج تدريب من أجل التوظيف، تحت شعار "العمل الجامع Inclusive Business" والتي تتعامل مع المصاب من مُنطلق كونه شخصاً طبيعياً قادراً على اكتساب مهارات سوق العمل.

وحسب تقرير حديث لمنظمة العمل، فإن 92% من الشركات في الولايات المتحدة الأميركية توفر فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة، بفضل برامج التدريب المهني.

"منظمات المجتمع المدني العربية تقدم برامج تدريب مُتخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل التواصل مع المجتمع وتنمية مهاراتهم المهنية، وعلى الحكومات دعم هذه الجمعيات من مُنطلق أن تشغيل هؤلاء سيقلل الأعباء المُلقاة على عاتق الدولة، وكذلك المُساهمة في العملية الإنتاجية"، يقول الخبير الاقتصادي الجزائري مُقدم عبيرات.

ويُطالب عبيرات المؤسسات الحكومية ببناء قاعدة بيانات عن المصابين بإعاقات، وطبيعة إعاقاتهم، لتوفير برامج التدريب المُناسبة، بالتنسيق مع منظمات المُجتمع المدني، فضلًا عن توفير وظائف مناسبة.


ويُشير عبيرات إلى أن العديد من الدول العربية تقدم إعانات مالية لذوي الاحتياجات الخاصة، مثل الجزائر التي تخصص 4 آلاف دينار لهم. غير أنه "رقم زهيد لا يفي بمتطلبات العيش، حيث يقل عن ربع الحد الأدنى للأجور البالغ 18 ألف دينار".

وتتجاوز مطالب تحسين معيشة ذوي الاحتياجات الخاصة، حدّ توفير برامج تدريب مهني، إذ يُطالب تقرير حقوقي صادر عن مركز "هردو" لدعم التعبير الرقمي، بتوفير الدول العربية مترجمي الإشارات وكتابة "بريل" في الأجهزة والمنشآت الحكومية، حتى يتمكن ذوو الاحتياجات الخاصة من ممارسة أعمالهم بصورة طبيعية.
المساهمون