المعنفات في إيران... ثغرات تشريعية تحرمهن الحماية القانونية

01 ابريل 2019
إيرانيات ينتظرن قانون منع العنف ضد المرأة (فرانس برس)
+ الخط -
تنتظر المحامية الإيرانية زهرا مينويي وزملاؤها، إقرار مشروع قانون منع العنف ضد المرأة في البرلمان وتحوله إلى تشريع نافذ، من أجل تجاوز الثغرات الموجودة في قانون حماية الأسرة الحالي، الذي يعاقب على العنف الجسدي فقط دون وجود عقوبات خاصة بالضغط الاقتصادي والعنف النفسي واللفظي، الذي عانت منه الثلاثينية الإيرانية سهيلا خلال سنوات زواجها الثماني، دون أن تستطيع مقاضاة زوجها ووقف تعدياته، لأن حجتها ضعيفة كما قيل لها في مركز الشرطة لدى تقدمها بشكوى ضد زوجها، لكونها لم تتعرض للعنف الجسدي حينها.

لكن استمرار معاناة سهيلا التي فضلت تعريف نفسها هكذا، لعدم شعورها بالأمان وخوفها من زوجها السابق، وصمتها طيلة فترة زواجها أدت إلى تطور الانتهاكات الممارسة بحقها إلى العنف الجسدي، الذي أجبرها على عدم السكوت بعدما فاض الكيل بها لتطلب الطلاق بمساعدة محامية، تتكفل مجاناً بقضايا من هذا النوع كما روت لـ"العربي الجديد"، مكملة إفاداتها بالقول: "القانون الإيراني الحالي فيه ثغرات تجعل المعنفات يعشن كوابيس شديدة السوء"، وهو ما تؤيده المحامية مينويي، قائلة لـ"العربي الجديد": "الجميع في انتظار مشروع القانون الجديد الذي لا يزال في أروقة اللجان البرلمانية المعنية مثل لجنة المرأة، واللجنة القضائية، من أجل إجراء تعديلات حقوقية ودينية عليه، ولم يرفع بعد في جلسة علنية أمام كل النواب، وحتى تفاصيل القانون لم تنشر كلها ولا يمكن تقييم ما إن كان شاملاً أم لا".


معضلة الشاهد والتوثيق

يصعب على المرأة التي تعرضت للعنف في منزلها، أن تحضر شاهداً أو توثق ما حدث بدليل مادّي، ومن ثم يكون التجاهل ومحاولة التعايش مع المعاناة مصير الحالات التي تعاني من الظاهرة، ما يؤدي إلى عدم حصول الضحية على الحماية كما لا يُعاقب الفاعل ولا تتاح إمكانية معالجة الضحية بشكل كامل نفسياً وجسدياً وفق مينويي، التي قالت إن العنف الأسري أو المنزلي يحدث في داخل بيئة العائلة ويكون غير ظاهري في العادة، وله أشكال متداخلة بين العنف الجسدي والنفسي واللفظي.

ويفرض قانون حماية الأسرة الذي تم صكّه في عام 2012، عرض المرأة على الطبّ الشرعي الذي عليه أن يؤكد تعرضها لعنف جسدي أم لا، وفق ما توضحه لـ"العربي الجديد" النائب في لجنة المرأة بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) طيبه سياوشي، التي تقول إن القانون الحالي يفتقد إلى تحديد أنواع من العنف الذي تعاني منه المرأة، مثل بعض أنواع العنف الجسدي الذي يؤدي لمشكلات نفسية من قبيل الجنون والانتحار، وهو ما تؤيده مستشارة عمدة طهران لشؤون المرأة وأمينة جمعية نساء الفكر الجديد الدكتورة فاطمة آراكي، التي قالت لـ"العربي الجديد": "القانون في إيران يستند للشرع الإسلامي ويجب ألا يقبل بأي ثغرات، وخاصة أن الإسلام يكرم المرأة ويمنع هذه الممارسات بحقها، لكن ذلك لا يتنافى ولا ينهي واقع وجود عنف لفظي ونفسي يؤدي لتحقيرها وإهانتها، وعنف جسدي يؤذيها، معتبرة أن النوع الأول من العنف (اللفظي والنفسي) أكثر ضرراً ويترك تبعات بعيدة المدى".

وبسبب أهمية الظاهرة، تتبنى جمعيات ومؤسسات معنية بحقوق المرأة والطفل مبادرات للتوعية، وتحمل الملفات الخاصة بضرورة تعديل التشريعات القانونية للمؤسسات الرسمية المعنية، مثل لجنة المرأة في البرلمان، ولجنة شؤون المرأة في مجلس مدينة طهران، ودائرة المرأة التابعة لرئاسة الجمهورية، فضلاً عن إدارة محافظة طهران بحسب الدكتورة آراكي التي أشارت لوجود دراسات أجرتها عدة كليات وأقسام مختصة في العلوم الاجتماعية، تؤكد ارتفاع النسب في المدن بالذات، وخاصة في العاصمة طهران وهو ما تؤيده سياوشي، مشيرة إلى حالات عنف سابقة تم فيها رشّ السيدات بالأسيد، وضربهن بعنف. واستقبل مشفى مطهري في طهران 63 حالة متأثرة بحروق الأسيد، 80٪ من هذه الحالات كانت من نصيب النساء وفقاً لضحايا رش حمض الأسيد (ماء النار)، التي نشرتها صحيفة إيران الحكومية في 20 أغسطس/ آب 2016 خلال السنوات العشر التي سبقت تاريخ صدور تقرير الصحيفة ذاتها.


تفاقم العنف ضد المرأة

تؤكد دائرة الطوارئ الاجتماعية التابعة لمؤسسة الرعاية الاجتماعية الحكومية، أن 20٪ من الاتصالات التي ترد إليها تتعلق بشكاوى من ممارسة العنف ضد النساء، كما أن 48٪ من هذه الحالات تقع بحق سيدات تتراوح أعمارهن بين 30 إلى 39 عاماً، بحسب ما ذكره رئيس الدائرة رضا جعفري في تصريحات صحافية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ووفقاً لعدد المراجعات لتلك الدائرة، فإن 2.3٪ من النساء اللاتي يتعرضن للعنف تتراوح أعمارهن بين 11 و18 عاماً، بينما تزيد النسبة إلى 26.4٪ بين من يبلغن 19 إلى 29 سنة، مقابل 48٪ لمن بين 30 و39 سنة، و22٪ للسيدات فوق الأربعين.

إلى جانب ذلك، فإن 14٪ من النساء المعنفات يحملن شهادات جامعية، و25٪ يحملن شهادة ثانوية، ومن تبقى يقل مستواهن التعليمي عن ذلك، وفي إحصائية أخرى نقلتها عن جعفري وكالة مهر فإن 10٪ من المعنفات عاملات، و81٪ ربات منزل، كما أن 71% ممن تعرضن للعنف كنّ متزوجات لأكثر من خمس سنوات.

وتكشف الإحصائيات أبرز أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة في إيران، إذ تعرضت 49٪ من المعنفات لأذى جسدي، و26٪ لعاطفي أو نفسي أو لفظي، و22.2٪ لفكري واجتماعي وهو النوع الذي يحدّ من علاقاتهن ويقطع روابطهن الأسرية، إلى جانب وجود نسبة 2٪ من العنف الجنسي بحسب المصدر السابق.

لماذا تأخر إقرار مشروع القانون؟

جهزت حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، التعديلات والتفاصيل الخاصة بقانون محاربة العنف ضد المرأة، بحسب سياوشي، مشيرة إلى أن القانون مر بمراحل عديدة، إذ تم إعداد مشروع القانون الجديد من قبل خبراء درسوا القوانين الخاصة بالمرأة في 18 بلداً إسلامياً، وقارنوها بالقوانين الشرعية وبأعراف المجتمع الإيراني، ووضعوا 92 مادة، وبعدها رُفع للسلطة القضائية التي حذفت 41 مادة بعد دراسة التفاصيل ووضع مآخذ شرعية.

ويضم مشروع قانون دعم النساء لمواجهة العنف 51 مادة في الوقت الراهن بحسب سياوشي، التي أكدت أنه أكثر شمولية من القانون الموجود حالياً بشكل عام ويوجد نواب داعمون له، مشيرة إلى أن المشروع يركز على أنواع جديدة من العنف غير مذكورة في القانون المتعامل به حالياً، بهدف محاربته قانونياً. ومن المقرر أن تقدمه الحكومة الحالية برئاسة حسن روحاني للبرلمان، حين يتم تدارك كل الثغرات وحين تنهي اللجان المعنية البنود المفترض تعديلها كما تقول سياوشي.

تردد في اللجوء إلى القضاء

ما زالت كثيرات من المعنفات يترددن قبل اللجوء للقضاء، لا لأنه لن يحاسب الفاعل، بل لصعوبة الأمر على كثيرات بحسب آراكي نفسها، وهو ما تؤيده إحصاءات نسبة الإبلاغ عن حالات العنف المنزلي التي بلغت 35٪ من إجمالي الحالات، بحسب تقرير قسم المرأة في وكالة ايسنا المنشور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وتذكر الوكالة نقلاً عن الشرطة الإيرانية، أنه من بين 180 امرأة تقدمن بشكاوى للشرطة يوجد 128 منهن لم يكنّ مستعدات لمتابعة الأمر قضائياً، وهو أمر يجعل الإيرانيات في انتظار قانون دعم المرأة لمواجهة العنف، الذي أكدت مستشارة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة معصومة ابتكار أن التصويت على المشروع أصبح مطلب الجميع، مؤكدة في تصريحات صحافية أثناء زيارتها لهمدان غربي البلاد، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، أنه تم الاتفاق مع السلطة القضائية على صك بعض النقاط في المشروع الذي سيرفع أمام البرلمان لاحقاً.


بيوت الأمن

تدعو المحامية مينويي إلى زيادة نشاط المؤسسات المدرجة تحت مؤسسة الرعاية الاجتماعية الحكومية لدعم المعنفات، وخاصة ما تسمى بيوت الأمن المخصصة لحماية المرأة ودعم المعنفات.

ويوجد في إيران 7 بيوت آمنة حكومية و15 بيتاً بمشاركة بين القطاع الخاص وجهات حكومية، بحسب تصريحات صحافية لجعفري، الذي أكد أن أعداد المعنفات الموجودات في تلك البيوت بلغ 1550 امرأة حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وتسمح هذه المراكز بإيواء السيدات فترة تتراوح من 21 يوماً وحتى 45 يوماً، وتقدم لهن خدمات علاجية صحية وأخرى حقوقية قانونية، إذا ما قررن رفع دعاوى ضد المعتدين بحسب رضا جعفري، الذي أكد أن النساء المعنفات يحصلن في هذه البيوت على الاستشارات التي تسعى أولاً لإعادة لمّ شمل العائلة، وإن لم يحصل ذلك فمن الممكن تمديد فترة الإقامة ما بين 4 إلى 8 أشهر، ويبقى الاحتمال قائماً بإمكانية تمديد فترة الإقامة حتى تحصل السيدة على حل أو مأوى أو عمل، مشيراً إلى السماح ببقاء أبناء المرأة المعنفة معها في بيوت الأمن ممن عمرهم أقل من 12 عاماً، وبالطبع لا ينطبق هذا الشرط الخاص بالعمر على البنات واللاتي يستطعن البقاء معها طيلة الوقت، كما يحصل الأطفال على ذات الخدمات الاجتماعية والنفسية.

وتتعلم المعنفات في تلك المراكز حرفاً مهنية، ليستطعن الحصول على قوت عيشهن، إذ إن معظم السيدات اللاتي يتعرضن للعنف لا يوجد لديهن أسرة، أو أن عائلاتهن ترفض استقبالهن، وغير حاصلات على دخل مالي مستقل ويبقين في انتظار حل لمشاكلهن المتفاقمة بسبب العنف.
دلالات