08 نوفمبر 2024
المعركة الوهميّة في إدلب
لدى تركيا ورقة مهمة في الحدث السوري، وهي وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذين نقلوا أعمالهم وتجارتهم ونشاطهم السياسي والإعلامي إلى مدن تركية عديدة، وتدرك روسيا أن تلك الورقة هي الوحيدة التي يتم استخدام جزء كبير منها في تجنيد فصائل المعارضة والهيمنة شبه المطلقة على قرار الأجسام السياسية السورية شمالاً، وفي وقتٍ كانت تنجز إدارة البيت الأبيض بعض الترتيبات في الشمال السوري، حيث سيطرة المليشيات الكردية، أوقفت واشنطن دعم فصائل الجنوب السوري، فسقطت كل المناطق بيد روسيا والنظام باتفاق إسرائيلي، كما هو واضح. وأمام ذلك، وسّعت الولايات المتحدة قواعدها العسكرية التي باتت تزيد عن العشرين قاعدة في سورية شمالاً وجنوباً، بتفويض من مكوّنات سورية مختلفة! لكن حسابات واشنطن بشأن مواقف تركيا من إسرائيل، وعلاقتها القوية مع إيران، جعلتها تبحث عن شمّاعةٍ لعقاب تركيا، ألا وهي العقوبات الاقتصادية بسبب اعتقال السلطات التركية القس الأميركي، أندرو برونسون، فسدّدت ضربة للاقتصاد التركي، المتورّط أصلاً بدعم جبهات شمال سورية من جرابلس إلى عفرين، ولولا الخصومة الإعلامية والسياسية مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لكانت الآن تركيا قد تقاسمت منطقتي تل رفعت ومنبج، وربما تتجه نحو أرياف سورية أخرى، بذريعة قتال الأكراد أو تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الولايات المتحدة أرادت أن تؤكّد لتركيا أنها لا تزال تؤثر في الشرق الأوسط، وحين تقول إن على دول المنطقة معاداة إيران، وإبراز موقف موالٍ لواشنطن، فعلى تلك الدول أن تكون حذرةً ودبلوماسية، إلا أن طموحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انحسرت حالياً في التهدئة، بعد تدهور العملة التركية، والاتجاه نحو الأوروبيين، وفي مقدمتهم ألمانيا وفرنسا، بالتشارك مع النظام السوري عن طريق روسيا، للانتهاء من ملف مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام.
وبناءً على ما سبق، يرجّح أن قرار أنقرة إدراج هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية سمح للأرتال العسكرية التركية بالتحرّك بأمان في مناطق سيطرتها من أجل تنفيذ خريطة تفاهمات أستانة، في رسالة واضحة للحلفاء الجدد بالموافقة على "معركة وهمية" يتم من خلالها استئصال مظاهر الهيئة وأذرعها البارزة في إدلب، وما تَقدُّم الطيران الحربي الروسي قبل أيام لقصف مناطق قريبة من نقاط المراقبة التركية في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إلا تأكيداً على بداية
معركة قضم الأرياف الإدارية التابعة لإدلب، إلى جانب إطلاق معركة ريف اللاذقية الشمالي، المكان الذي روّجت هيئة تحرير الشام أنه معسكر التدريب والقيادة لمقاتليها، والذي تراه موسكو تهديداً لقاعدة حميميم، بعد رصد إرسال طائرات من هناك بدون طيار لاستهداف تلك القاعدة، بحسب زعم الروس.
لا يمكن أن تعتمد تركيا أمام المشهد السوري اليومي على الثقل الشعبي الذي كوّنته، لاجتياح مناطق مختلفة شمالاً، ورقة دولية تفاوض عليها، فقط، ذلك أن مئات آلاف السوريين على أرضها استقرّوا بشكل شبه نهائي، وهي تعيد تنظيم ديموغرافيا المناطق التي تقع تحت يدها بالتفاوض مع الدول المشتغلة بالملف السوري، لكن غياب الولايات المتحدة، بل وانتفاضها ضد ميزان القوى التركي، جعل أمر الاعتراف بوجود متطرّفين في إدلب أمراً واقعاً لضمان بقاء اليد فوق مناطق درع الفرات وعفرين، ولاحقاً يُعتقد أن روسيا سوف تثني على معروف تركيا "الإجباري" بتولّي استهداف مواقع هيئة تحرير الشام، عبر السماح لقيادات سياسية من تلك الفصائل بالتواصل مع النظام السوري، تحت ذرائع "التسوية" أو "الشراكة في صياغة الدستور"، وهذا ما سوف يحط، بشكل أو بآخر، من الثقة المتهاوية للمعارضة السورية أمام لعبة "كسر العظم" الدولية التي تحدث لتقرير مصير ملايين المعارضين من المدنيين في ما تبقى للفصائل المعارضة المسلحة شمال سورية.
سوف تتقدّم روسيا في ملف إدلب، ولن تتوقف عند تحذيرات الرئيس الأميركي، المشغول بملفات التحقيقات بشأن الانتخابات الرئاسية في بلده، ما يوحي بعدم جدية ما أدلى به أخيراً، حيث قال: "بشار الأسد يجب ألا يقوم بهجوم متهور في محافظة إدلب. الروس والإيرانيون سيرتكبون خطأ إنسانياً فادحاً إن شاركوا في هذه المأساة الإنسانية المتوقعة. مئات الآلاف من الناس قد يُقتلون. لا تسمحوا بحدوث ذلك". ولا يبدو هنا واضحاً لمن يوجّه ترامب كلامه هذا، بالتالي فإن الحسم العسكري الروسي التركي لإدلب سترافقه تصريحاتٌ مباشرةٌ بحتمية التحرّك لضمان المصالح المشتركة لتلك الدول، حيث شدّد "الكرملين" على "ضرورة" هجوم النظام السوري على منطقة إدلب، مشيراً إلى أن إطلاق تحذيراتٍ من أي عمل عسكري في إدلب لا يمثّل "منهجاً شاملاً وكاملاً"، فالغرب وروسيا عينهم على الكوارث الإنسانية (...) فيما تحاول تركيا الدفاع عن حصتها السورية، وإلا قد تبدأ بتحريك ورقة اللاجئين السوريين، ربما إطلاق سكان المخيمات الحدودية، والمدن التركية القريبة من سورية، إلى بوابات اللجوء نحو أوروبا مجدّداً، وتحميل الأوروبيين أعباء كبيرة، أو ربما تسمح للحركات الجهادية بالمرور إلى مناطق وجود القوات الأميركية شمال سورية، كما فعلت إبّان تأسيس جبهة النصرة، فهي تملك حدوداً واسعة، أدارت من خلالها غرفاً أمنية عسكرية لفصائل معارضة، لا تزال تعمل تحت وصايتها! تماماً كما هو حال "تحرير الشام"، حيث لم يعد بإمكانها التستّر عليها، لأن روسيا تتحول شيئاً فشيئاً إلى حليف "وقتي"، ربما يرمم قليلاً اقتصاد تركيا، ويسمح لها بالحفاظ على بعض المواقع في الداخل السوري، في مقابل الردّ على العقوبات الأميركية المفروضة على تركيا، ومحاولة جعل الروس شركاء لحليفة المعارضة الأبرز في المشروع المزعوم لإعادة اللاجئين السوريين، حسب ما تسوّق موسكو منذ أيام.
وبناءً على ما سبق، يرجّح أن قرار أنقرة إدراج هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية سمح للأرتال العسكرية التركية بالتحرّك بأمان في مناطق سيطرتها من أجل تنفيذ خريطة تفاهمات أستانة، في رسالة واضحة للحلفاء الجدد بالموافقة على "معركة وهمية" يتم من خلالها استئصال مظاهر الهيئة وأذرعها البارزة في إدلب، وما تَقدُّم الطيران الحربي الروسي قبل أيام لقصف مناطق قريبة من نقاط المراقبة التركية في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إلا تأكيداً على بداية
لا يمكن أن تعتمد تركيا أمام المشهد السوري اليومي على الثقل الشعبي الذي كوّنته، لاجتياح مناطق مختلفة شمالاً، ورقة دولية تفاوض عليها، فقط، ذلك أن مئات آلاف السوريين على أرضها استقرّوا بشكل شبه نهائي، وهي تعيد تنظيم ديموغرافيا المناطق التي تقع تحت يدها بالتفاوض مع الدول المشتغلة بالملف السوري، لكن غياب الولايات المتحدة، بل وانتفاضها ضد ميزان القوى التركي، جعل أمر الاعتراف بوجود متطرّفين في إدلب أمراً واقعاً لضمان بقاء اليد فوق مناطق درع الفرات وعفرين، ولاحقاً يُعتقد أن روسيا سوف تثني على معروف تركيا "الإجباري" بتولّي استهداف مواقع هيئة تحرير الشام، عبر السماح لقيادات سياسية من تلك الفصائل بالتواصل مع النظام السوري، تحت ذرائع "التسوية" أو "الشراكة في صياغة الدستور"، وهذا ما سوف يحط، بشكل أو بآخر، من الثقة المتهاوية للمعارضة السورية أمام لعبة "كسر العظم" الدولية التي تحدث لتقرير مصير ملايين المعارضين من المدنيين في ما تبقى للفصائل المعارضة المسلحة شمال سورية.
سوف تتقدّم روسيا في ملف إدلب، ولن تتوقف عند تحذيرات الرئيس الأميركي، المشغول بملفات التحقيقات بشأن الانتخابات الرئاسية في بلده، ما يوحي بعدم جدية ما أدلى به أخيراً، حيث قال: "بشار الأسد يجب ألا يقوم بهجوم متهور في محافظة إدلب. الروس والإيرانيون سيرتكبون خطأ إنسانياً فادحاً إن شاركوا في هذه المأساة الإنسانية المتوقعة. مئات الآلاف من الناس قد يُقتلون. لا تسمحوا بحدوث ذلك". ولا يبدو هنا واضحاً لمن يوجّه ترامب كلامه هذا، بالتالي فإن الحسم العسكري الروسي التركي لإدلب سترافقه تصريحاتٌ مباشرةٌ بحتمية التحرّك لضمان المصالح المشتركة لتلك الدول، حيث شدّد "الكرملين" على "ضرورة" هجوم النظام السوري على منطقة إدلب، مشيراً إلى أن إطلاق تحذيراتٍ من أي عمل عسكري في إدلب لا يمثّل "منهجاً شاملاً وكاملاً"، فالغرب وروسيا عينهم على الكوارث الإنسانية (...) فيما تحاول تركيا الدفاع عن حصتها السورية، وإلا قد تبدأ بتحريك ورقة اللاجئين السوريين، ربما إطلاق سكان المخيمات الحدودية، والمدن التركية القريبة من سورية، إلى بوابات اللجوء نحو أوروبا مجدّداً، وتحميل الأوروبيين أعباء كبيرة، أو ربما تسمح للحركات الجهادية بالمرور إلى مناطق وجود القوات الأميركية شمال سورية، كما فعلت إبّان تأسيس جبهة النصرة، فهي تملك حدوداً واسعة، أدارت من خلالها غرفاً أمنية عسكرية لفصائل معارضة، لا تزال تعمل تحت وصايتها! تماماً كما هو حال "تحرير الشام"، حيث لم يعد بإمكانها التستّر عليها، لأن روسيا تتحول شيئاً فشيئاً إلى حليف "وقتي"، ربما يرمم قليلاً اقتصاد تركيا، ويسمح لها بالحفاظ على بعض المواقع في الداخل السوري، في مقابل الردّ على العقوبات الأميركية المفروضة على تركيا، ومحاولة جعل الروس شركاء لحليفة المعارضة الأبرز في المشروع المزعوم لإعادة اللاجئين السوريين، حسب ما تسوّق موسكو منذ أيام.