المعارضة السورية تغيّر معادلة ريف حلب الجنوبي

03 ابريل 2016
أحد الضباط يلاعب أطفالاً من حلب (كرم المصري/فرانس برس)
+ الخط -
بعد يومٍ واحد من المجزرة التي تسبّب بها طيران النظام السوري الحربي في بلدة دير العصافير بريف دمشق، وراح ضحيتها أكثر من ثلاثين قتيلاً من المدنيين بينهم أطفال ونساء، شنّت فصائل في المعارضة السورية و"جبهة النصرة" عملية عسكرية مفاجئة في ريف حلب الجنوبي، مكّنت المهاجمين حتى ظهر أمس السبت، من السيطرة على نحو أربعة عشر موقعاً، أبرزها تل العيس الاستراتيجي، وكلها مواقع كانت خاضعة لسيطرة مليشيات أجنبية متحالفة مع النظام السوري.
العملية العسكرية المباغتة، تُعتبر الأوسع من نوعها، خلال فترة الهدنة السورية، التي بدأت في 27 فبراير/شباط الماضي، وانطلقت عصر الجمعة، بتفجير ثلاثة عناصر من "جبهة النصرة" أنفسهم في مدرعاتٍ على أبواب بلدة العيس، قبل أن يتقدّم "الانعماسيون" بالتزامن في عدة قرى وتلالٍ بذات المنطقة.
وتواصلت العملية الهجومية في ساعات الليل، إذ أكد الناشط الإعلامي ماجد عبد النور لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل الثوار أتمت ليل الجمعة سيطرتها على بلدة وتلة العيس" في ريف حلب الجنوبي، مشيراً إلى أن كلاً من "أحرار الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام وجبهة النصرة وغيرها تشارك في المعارك" التي هدأت وتيرتها مع صباح السبت.
من جهتها ذكرت مصادر ميدانية وبيان لـ"جبهة النصرة"، أن خمسين مقاتلاً من المليشيات الموالية للنظام، والتي كانت تسيطر على بلدة وتل العيس وقرى أخرى بريف حلب الجنوبي، قُتلوا خلال ساعات الليل، في كمينٍ وقعوا فيه، اثناء انسحابهم من العيس نحو بلدة الحاضر.
وحتى مساء السبت، باتت أبرز المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المعارضة في ريف حلب الجنوبي، هي بلدة وتلة العيس الاستراتيجية، وقبلها، تلال الصعيبية، دلبش، مسطاوي، المقلع، وعدد من القرى قربها.
لكن مصادر ميدانية في ريف حلب الجنوبي قالت لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل استمرار المعارك، لا يمكن الحديث عن إحكام السيطرة في كل المناطق التي دخلها الثوار، وإن كان هؤلاء أحكموا فعلاً السيطرة على أهم المناطق وهي بلدة وتل العيس". وتقع العيس، جنوبي مدينة حلب بنحو ثلاثين كيلومتراً، وإلى الشرق من الأوتوستراد الدولي حلب-دمشق بنحو خمسة كيلومترات. ويساعد ارتفاع التلة، على التحكم نارياً بالأوتوستراد، الذي شنّت قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها عشرات المحاولات لإحكام السيطرة عليه وتأمينه.


وكانت معظم المناطق التي دارت فيها المواجهات خلال اليومين الماضيين، تحت سيطرة المعارضة السورية، منذ أكثر من سنتين، قبل أن تشن قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها، هجوماً واسعاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مستفيدة من بدء الغارات الروسية في سورية قبل ذلك بنحو أسبوعين، وتمكنت القوات المهاجمة على مراحل، من السيطرة على مساحات واسعة في ريف حلب الجنوبي.
وشاركت مجموعات صغيرة من قوات النظام في تلك المعارك، لكن الزخم الأكبر في أعداد المقاتلين، كان من مليشيات عراقية ولبنانية وإيرانية وأفغانية، أبرزها "عصائب أهل الحق"، "لواء ذو الفقار"، "حركة النجباء" ومقاتلون من حزب الله، وغيرها من المجموعات المتحالفة مع النظام، والتي كانت الطائرات الروسية تؤمن لها الغطاء الجوي.
ولم تفصح فعلياً الفصائل التي شنت الهجوم منذ الجمعة، عن الهدف منه، باستثناء بيان "جبهة النصرة" الذي تحدث عن أن العملية العسكرية تسعى لـ"تحرير تلة العيس"، وتبقى الآراء متباينة حول هذا الهجوم، إذ تشير بعض التوقعات إلى أنه جاء كردٍ على ارتكاب النظام لمجزرة دير العصافير في ريف دمشق، واستمراره في خرق الهدنة هناك.
وفي هذا السياق، جاءت تغريدة لأبو عيسى الشيخ، قائد "لواء صقور الشام" المنضوي في حركة "أحرار الشام"، أشار فيها إلى أن من صنع الهدنة "فكانت وبالاً عليهم، خرقوها فكانت دماراً لهم". فيما كان المنسّق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، قد حذر في بيان موجّه إلى مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأن الهدنة "تلفظ أنفاسها الأخيرة"، في ظل مواصلة "نظام الأسد قتله الممنهج للشعب السوري بدم بارد وبمساندة ومشاركة من مرتزقة روسيا الاتحادية وإيران والعراق وحزب الله وغيرها من المليشيات الطائفية".
لكن كل ذلك لا يلغي أن يكون الهجوم كذلك، قد هدف أيضاً لقطع الطريق على محاولاتٍ كانت تقوم بها المليشيات المتحالفة مع النظام، والتي تسيطر على مناطق بريف حلب الجنوبي، وتهدف لفتح طريق إلى بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، في ظل معلوماتٍ تحدثت الشهر الماضي، عن استعداداتٍ تحشد لها المليشيات فعلاً، لبدء هجومٍ نحو ريف إدلب.
بموازاة ذلك، واصل النظام أمس، قصف مناطق المرج وسط الغوطة الشرقية لدمشق، بعد يومٍ واحد من خسارته نحو عشرين من مقاتليه، حاولوا التقدّم في قرية بالا، إذ أكد المتحدث باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش لـ"العربي الجديد"، أن "عصابات الأسد حاولت التقدّم على محاور عدة من الغوطة الشرقية، وتصدى مقاتلو جيش الإسلام لهذه المحاولات وتم قتل 22 عنصراً للنظام"، كما "تم تدمير دبابة من طراز t72 خلال هذه المعارك، التي شملت بالا، وتل كردي ومزارع العدمل، وجسرين".
وكانت فصائل من المعارضة السورية، أعلنت مساء الجمعة، تمكّنها من قتل نحو عشرين عنصراً، من قوات النظام، لدى وقوعهم بكمائن نصبها مقاتلوها، على جبهتي بلدة زبدين وقرية بالا، في الغوطة الشرقية، جرّاء محاولتهم التقدم في المنطقة.
وتأتي محاولات قوات النظام هذه، بهدف السيطرة على مزيدٍ من المناطق في قطاع المرج الذي يتوسط الغوطة الشرقية لدمشق، ويُمكن للنظام في حال السيطرة على القطاع، أن تفصل الغوطة إلى قطاعين: شمالي ستكون أبرز مناطقه دوما وعربين وسقبا، وجنوبي أبرز مناطقه زبدين ودير العصافير.
وفي سياق تطورات المعارك وسط البلاد، واصلت الطائرات الحربية أمس السبت، قصفها لمواقع "داعش" في بلدة القريتين بريف حمص الجنوبي الشرقي، وسط استمرار الاشتباكات بمحيط البلدة، من دون حدوث تقدمٍ يذكر في تلك المعارك، التي بدأت تتصاعد وتيرتها منذ نحو أسبوع، إذ تحاول قوات النظام استعادة القريتين من التنظيم، التي سيطر عليها في أغسطس/آب الماضي.

المساهمون