المعارضة السورية تستنزف النظام في ريف دمشق

15 اغسطس 2016
المعارضة كبّدت قوات النظام خسائر كبيرة (عامر الموهباني/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أسبوعٍ واحد من إطلاق "جيش الإسلام"، وهو أكبر فصائل المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية، عملية عسكرية أطلق عليها اسم "ذات الرقاع"، أعلن فجر السبت - الأحد، عن بدء المرحلة الثانية من هذه العملية، ولكن ميدان مواجهاتها هذه المرة لم يكن داخل مناطق الغوطة الشرقية على غرار المرحلة السابقة، بل في القلمون الشرقي، إذ استهدفت الهجمات نقاطاً عسكرية للنظام السوري هناك، قرب أوتوستراد دمشق - بغداد.
وتُعتبر هذه العمليات العسكرية الهجومية للمعارضة السورية، الأولى من نوعها في ريف دمشق، منذ أن بسط النظام نفوذه على بلداتٍ وقرى في القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية قبل نحو ثلاثة أشهر، إذ إن الاشتباكات منذ حينها، أخذت طابع المواجهات شبه اليومية على بعض خطوط الجبهات، التي كان النظام يحاول التقدّم فيها داخل الغوطة. بينما كانت المعارضة في موقف المدافع الذي يصدّ هجمات قوات النظام، خصوصاً في محاور حوش الفارة وحوش نصري، وفي تل فرزات - المرج أخيراً، إضافة إلى صد مقاتليها هجماتٍ أخرى من الجهة الشمالية الشرقية للغوطة ومن طرف أوتوستراد دمشق - حمص الدولي.
وأكدت مصادر المعارضة السورية المسلحة، لـ"العربي الجديد"، أن عملية "ذات الرقاع"، التي انطلقت المرحلة الأولى منها في الثامن من هذا الشهر، والثانية فجر أمس الأحد، كبّدت قوات النظام خسائر مادية وبشرية في النقاط التي استهدفتها الهجمات. إلا أن هذه المواجهات، لا يبدو أنها تهدف، حالياً، إلى السيطرة على النقاط العسكرية المستهدفة أو مساحاتٍ كانت خسرتها المعارضة في منطقة المرج، بقدرِ ما هي عمليات خاطفة، يغلب عليها طابع الاستنزاف لقوات النظام، وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفه.
ويؤكد على ذلك كلام المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام"، النقيب إسلام علوش، والذي كان قد ذكر في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "عملية ذات الرقاع هي عملية تنتهج تكتيكاً عسكرياً قليلاً ما تم العمل عليه في الثورة السورية، وهو الإغارة على خطوط العدو الخلفية من نقاط تمركز المقاتلين، باختراق الصفوف الدفاعية للقوات المعادية والعودة إلى نقاط الانطلاق بعد تحقيق الأهداف القتالية". وجاء كلام علوش حينها، بالتزامن مع انطلاق المرحلة الأولى من تلك العملية، والتي أكد بيان "جيش الإسلام" عقب انتهائها، أنها كانت عبارة عن هجمات "انغماسية"، أغار فيها مقاتلوه على بعض النقاط التي تخضع لسيطرة قوات النظام، وتمكنوا في "الإغارة الأولى من التسلل إلى كتل الأبنية المطلة على مطار المرج والجامع"، فيما تم تنفيذ الهجوم الثاني "على كازية المرج والكتل المحيطة"، متحدثاً عن مقتل نحو 28 عنصراً من قوات النظام في تلك الهجمات، واغتنام أسلحة وذخائر متنوعة.
أما المرحلة الثانية التي انطلقت أمس في مناطق القلمون الشرقي شمالي شرق الغوطة الشرقية، فقد تحفظ المتحدث باسم "جيش الإسلام" بداية عن ذكر مجرياتها، بسبب "الوضع الأمني"، لكن الحساب الرسمي لهذا الفصيل العسكري على موقع "تويتر"، تحدث في وقت لاحق، ظهر أمس، عن "تسلل الانغماسيين إلى داخل كتيبة المدفعية وقتل حرس الكتيبة على أوتوستراد دمشق بغداد"، مشيراً إلى "اغتنام أسلحة فردية وقذائف للأسلحة الثقيلة من كتيبة المدفعية وقتلى الأسد بالعشرات"، مضيفاً أنه تم "تدمير مستودع للذخائر الخفيفة والمتوسطة والثقيلة داخل حاجز كسارات أبو الشامات، وقتل عدد من العناصر".


وأوضح المتحدث العسكري في "جيش الإسلام"، حمزة بيرقدار، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الأسد والمليشيات الداعمة لها، مُنيت بخسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، إذ خسرت 40 عنصراً ما بين قتيل وجريح، إضافة إلى تدمير مستودع للذخائر على حاجز الكسارات واستهداف بعض المدافع الثقيلة والمتوسطة وتدميرها، إضافة إلى استهداف التحصينات، التي كانوا يتحصنون فيها، على حاجز الكسارات على طريق أبو الشامات وكتيبة المدفعية وكتيبة الستريلا".
ولفت بيرقدار إلى أن "الهدف من هذه العملية الإغارة على مواقع ونقاط هامة لمليشيات الأسد في القلمون الشرقي، عبر التسلل لهذه المواقع وزعزعة صفوفهم واغتنام أسلحة وذخائر، وذلك على غرار عملية ذات الرقاع 1 في الغوطة الشرقية" قبل نحو أسبوع، مشيراً إلى أن هذه الهجمات تأتي "ضمن الاستراتيجية المتبعة من قبل جيش الإسلام في ضرب أي ثغرة يمكن من خلالها الضغط على مليشيات الأسد أو يمكن من خلالها ضرب مقدراتها وتحصيناتها".
أما الناشط الإعلامي المتواجد في الغوطة الشرقية يوسف البستاني، فقال إن "جيش الإسلام يهدف من هذه المعركة إلى ضرب عدد من النقاط العسكرية على أوتوستراد دمشق بغداد"، مؤكداً أن "مقاتلات الأسد الحربية استهدفت منطقة أوتوستراد دمشق بغداد، بعدد من الغارات وقذائف المدفعية المتمركزة في اللواء 81". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "خمس غارات استهدفت مدينة جيرود القريبة من ميدان المواجهات، ولم ترد أية معلومات عن قتلى، بينما أصيب عدد من المدنيين بينهم ثلاثة أطفال، كما قامت قوات النظام بإغلاق طريق المحطة لمنع مرور الأهالي".
في موازاة ذلك، واصلت طائرات النظام، يوم أمس، استهدافها المكثف لمدينة داريا في الغوطة الغربية لدمشق، وذلك بعد يومٍ تعرضت فيه المدينة، "لقصفٍ عنيف بالنابلم الحارق" كما أكد ناشطون فيها، وسط محاولات قوات النظام التقدم، والسيطرة على المنطقة، التي ما زالت المعارضة المسلحة تسيطر عليها في داريا.
وقال المجلس المحلي لمدينة داريا إن "طائرات الأسد ألقت ثمانية براميل من النابلم الحارق المحرم دولياً وسط المنطقة السكنية، مما أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين، واندلاع حرائق داخل الأبنية السكنية"، مشيراً إلى أن" هذا اليوم هو الثاني التي تقصف فيه قوات الأسد الأحياء السكنية بأسطوانات من مادة النابلم الحارق".
ويُعرف عن مادة النابلم أنها سائل هلامي يلتصق بالجلد، ويستخدم في الحروب، وهو من الأسلحة التقليدية المحرّمة دولياً بموجب اتفاقيات جنيف. وكانت المدينة قد تعرضت، السبت، لقصفٍ بالبراميل المتفجرة، وصل عددها بحسب ناشطين هناك إلى أربعة وعشرين برميلاً، وكذلك نحو 20 برميل نابلم حارق.
يأتي ذلك في ما تحدث الناشطون هناك عن أن "قوات الأسد تحاول اقتحام المدينة من الجهة الغربية مدعومة بعدد من الآليات والدبابات وبالتزامن مع قصف جوي وصاروخي ومدفعي عنيف على المدينة". وكان المجلس المحلي في داريا قد طالب، قبل عشرة أيام، الأمم المتحدة بالتطبيق الفوري للقرارات الأممية المتعلقة بالمناطق المحاصرة وإدخال المساعدات الغذائية والطبية، والضغط على النظام السوري لوقف عملياته العسكرية وقصف المدنيين.

المساهمون